يعتبر الأمن المائي والغذائي من أبرز التحديات الإستراتيجية التي تواجه دول مجلس التعاون لدول الخليج العربية، وفيما يتعلق بالأمن المائي، تقع دول الخليج ضمن أكثر مناطق العالم جفافاً وفقراً بالموارد المائية الطبيعية، وعلى الرغم من اعتمادها بشكل رئيس على المياه المحلاة، التي تعتبر حلاً مكلفاً، إلى جانب المياه الجوفية، فإنها لا تزال تواجه تحديات عديدة، منها استنزاف هذه الموارد نتيجة تزايد عدد السكان ونقص الوعي بأهمية الحفاظ على هذه الثروة.
أما فيما يتعلق بالأمن الغذائي، فإن دول الخليج تواجه مستقبلاً غامضاً في هذا الصدد؛ إذ تعتمد بشكل كبير على استيراد معظم احتياجاتها الغذائية من الخارج، نظراً لفقْر أراضيها الزراعية، مما يجعلها عرضة لعدم الاستقرار الاقتصادي والاجتماعي بسبب تقلبات الإنتاج العالمي للأغذية، وتغيرات السياسات التجارية، وتذبذب أسعار السلع الأساسية.
تقرير «تنمية المياه في العالم لعام 2024م» أشار إلى أن 25 دولة حول العالم تتعرض حالياً لإجهاد مائي مرتفع للغاية، تأتي دول مجلس التعاون الخليجي ضمن تلك الدول، بل وتتصدرها.
وتأتي دول الخليج الست ضمن الدول الـ25 الأكثر تضرراً من الإجهاد المائي المرتفع سنوياً، بل تتقدم هذه الدول على كثير من دول الشرق الأوسط، بحسب معهد «WRI».
كما تأتي قطر على رأس الدول العربية المعرضة لنقص المياه بحلول العام 2050م، والثانية عالمياً، وفقاً لتوقعات المعهد المتخصص بالموارد المائية.
وجاءت البحرين في المرتبة الثالثة عربياً والرابعة عالمياً، تلتها الإمارات في المرتبة الرابعة عربياً والخامسة عالمياً، ثم عُمان في المرتبة الخامسة عربياً والسادسة عالمياً، والسعودية في المرتبة التاسعة عربياً والـ11 عالمياً، ثم الكويت في المرتبة الـ14 عربياً والـ25 عالمياً.
فالماء إحدى نعم الله العظيمة، إذ يمثل رمزًا للحياة، والمواطن الذي يحرص على بلده يلتزم بالحفاظ على هذه النعمة العظيمة وعدم إهدارها، كما يغرس في أبنائه قيم المحافظة عليها والاهتمام بها.
قيمة الماء
وقد صرح الكاتب الصحفي والإعلامي عادل المزعل قائلاً: لا يعرف قيمة الماء إلا من يحتاج إليه، وإذا ألقينا نظرة على الدول التي تعاني من القحط والتصحر ويمتنع فيها نزول المطر، ستتضح لنا قيمة الماء الحقيقية، فالماء ليس مجرد مورد طبيعي، بل هو آية من آيات الله، يحيي به الأرض بعد موتها، ولا يمكن للإنسان أو أي كائن حي من نبات أو حيوان أو طير الاستغناء عنه.
وتابع المزعل: الحروب الحالية تدور حول السيطرة على منابع النفط والثروة والمواقع الإستراتيجية، لكن الحروب القادمة ستكون على مصادر الماء، فالماء نعمة كبرى، وآن الأوان لنفتح ملفه بجدية، مع ارتفاع استهلاك الماء لدينا، الذي يعتبر الأعلى في العالم، يجب علينا أن نتوقف ونعيد التفكير في سبل ترشيد الاستهلاك.
وأضاف المزعل أن الحل يكمن في محاربة مظاهر الإسراف في المياه، ويجب فرض غرامات على أصحاب البنايات التي يستخدم حراسها مياه الشرب لغسيل السيارات، وكذلك المنازل التي تستهلك الماء العذب في غسيل السيارات بكميات كبيرة.
وأكد المزعل أن هناك العديد من مظاهر التبذير، منها استهلاك المياه في المساجد والحدائق دون رقابة، ومحطات غسيل السيارات، والصنابير المعطلة، وخزانات وبرادات السبيل التي تهدر المياه؛ لذا، يجب إطلاق حملة إعلامية كبيرة في المساجد والمدارس والتلفاز والصحف والمجلات لتوعية الناس بتكلفة المياه التي تتحملها الدولة والخطر الذي يواجهنا.
وأوضح المزعل بأنه يجب إعادة النظر في محاسبة المستهلكين المبذرين، بحيث يكون لكل شقة عداد لاستهلاك المياه ليتحمل كل من يسرف فيها فاتورة استهلاكه مع وضع آلية سريعة للتحصيل.
محطات تحلية المياه
فيما صرّح د. عدنان عويد الهذال، الأستاذ في كلية الدراسات التكنولوجية قسم تكنولوجيا الهندسة الكيميائية، قائلاً: تُظهر الآيات الكريمة من سورة «الواقعة» عظمة نعمة الماء العذب الذي جعله الله سبباً للحياة على سطح الأرض، إذ يقول سبحانه: (أَفَرَأَيْتُمُ الْمَاء الَّذِي تَشْرَبُونَ {68} أَأَنتُمْ أَنزَلْتُمُوهُ مِنَ الْمُزْنِ أَمْ نَحْنُ الْمُنزِلُونَ {69} لَوْ نَشَاء جَعَلْنَاهُ أُجَاجاً فَلَوْلَا تَشْكُرُونَ) (الواقعة)، وهذه النعمة تستوجب الشكر والمحافظة عليها.
وتابع الهذال: تاريخياً، كانت الكويت تعتمد على شط العرب للحصول على الماء العذب بين عامي 1925 و1950م، ومع بناء أول محطة تحلية مياه بإشراف شركة نفط الكويت في بداية الخمسينيات، التي كانت تنتج 450 ألف لتر يومياً، تطورت القدرات الإنتاجية حتى بلغت حالياً أكثر من 730 مليون متر مكعب سنوياً.
وأضاف الهذال: تستخدم محطات تحلية المياه في الكويت تقنيات متقدمة مثل التقطير الوميضي متعدد المراحل والتناضح العكسي لتوفير حوالي 92% من المياه العذبة اللازمة للاحتياجات السكنية والصناعية، لكن الكويت تسجل أعلى معدل استهلاك للمياه في العالم، حيث يبلغ استهلاك الفرد أكثر من 450 لتراً يومياً، مقارنة بالمعدل العالمي الذي يتراوح بين 100 و200 لتر يومياً.
وأكد الهذال أن استهلاك المياه العذبة يتغير موسمياً، حيث يصل إلى ذروته في أشهر الصيف من يونيو إلى سبتمبر، بزيادة نسبتها 20% عن معدل الاستهلاك السنوي، وقد شهدت الكويت ارتفاعاً كبيراً في معدل استهلاك المياه العذبة على مدار العقود الماضية، حيث ارتفع من 30 مليون متر مكعب في عام 1970م إلى أكثر من 730 مليون متر مكعب في عام 2019م.
واختتم الهذال قائلاً: يجب علينا جميعاً التفكير ملياً في استهلاك المياه العذبة والمحافظة عليها كواجب شرعي وأخلاقي، وقد أمرنا الله تعالى بعدم الإسراف، فقال سبحانه: (وكُلُواْ وَاشْرَبُواْ وَلاَ تُسْرِفُواْ إِنَّهُ لاَ يُحِبُّ الْمُسْرِفِينَ) (الأعراف: 31)، وقد كان النبي صلى الله عليه وسلم يتوضأ بالمُد ويغتسل بالصاع، فعلينا الاقتداء بسُنته.