قد يتعرض المرء لابتلاء ما أو مشكلة حياتية أو أزمة اقتصادية؛ فيصاب بالحزن، الذي قد يطول أمده، فتزيد النتائج الوخيمة المترتبة على ذلك، من آثار سلبية نفسياً وجسدياً واجتماعياً.
والحزن نوعان؛ الأول: الحزن الحاد، الذي يضرب الإنسان بقوة، ويسيطر عليه، جراء فقدان شخص عزيز، أو الطلاق، أو الإصابة بمرض خطير، أو فقدان الوظيفة، أو فقدان الحرية لسبب ما، وهذا النوع حاد يدفع بالإنسان إلى دوامة من المشكلات، وينتقل به إلى الإحباط والاكتئاب، وتدهور حالته نفسياً وجسدياً.
أما النوع الثاني، وفق علماء النفس، فهو الحزن المتكامل، الذي يمكن التكيف معه، والتعامل معه بواقعية، وقد يؤثر على بعض الأنشطة اليومية، لكن يمكن تجاوزه والتغلب عليه.
ويتسبب التمادي في الحزن بالشعور بأعراض الإرهاق والصداع، وصعوبة في التركيز، وانخفاض الشهية، والإصابة بالتوتر، والإحساس بالعجز والاستسلام، وقد يتطور الأمر إلى آلام في البطن والمفاصل، كما أن الاستغراق في الحزن يمكن أن يخفض من نظام الاستجابة المناعية، ويجعلنا أكثر عرضة للأمراض، بحسب «الجزيرة نت».
ويؤكد العلماء أن الحزن قد يؤدي إلى «متلازمة القلب المكسور»، التي تشبه الإصابة بنوبة قلبية، حيث يتسبب الحزن في مجموعة من التغيرات تظهر في ضغط الدم ومعدل ضربات القلب، وتفاقم الالتهاب؛ ما قد يؤدي لاحقاً إلى الوفاة.
وقد استعاذ النبي صلى الله عليه وسلم من الحزن، فقال: «اللهم إني أعوذ بك من الهم والحزن»، فهو قرين الهم، وكلاهما مضعف للقلب، مقتر للعزم، ولهذا يقول أهل الجنة إذا دخلوها: (الْحَمْدُ لِلَّهِ الَّذِي أَذْهَبَ عَنَّا الْحَزَنَ) (فاطر: 34)، فهذا يدل على إصابتهم في الدنيا بالحزن، وهذه وصفة علاجية:
أولاً: الاستعاذة، فعلى المسلم أن يدرك أن أحب شيء إلى الشيطان أن يحزن العبد ليقطعه عن عبادة الله، قال عز وجل: (إِنَّمَا النَّجْوَى مِنَ الشَّيْطَانِ لِيَحْزُنَ الَّذِينَ آمَنُوا) (المجادلة: 10).
يقول ابن قيم الجوزية: إن منزلة الحزن ليست من المنازل المطلوبة، ولا المأمور بنزولها، وإن كان لا بد للسالك من نزولها، ولم يأت الحزن في القرآن إلا منهياً عنه، أو منفياً، فالمنهي عنه كقوله تعالى: (وَلاَ تَهِنُوا وَلاَ تَحْزَنُوا) (آل عمران: 139)، وقوله تعالى: (وَلاَ تَحْزَنْ عَلَيْهِمْ) (الحجر: 88)، وقوله تعالى: (لاَ تَحْزَنْ إِنَّ اللّهَ مَعَنَا) (التوبة: 40)، والمنفي كقوله عز وجل: (فَلاَ خَوْفٌ عَلَيْهِمْ وَلاَ هُمْ يَحْزَنُونَ) (البقرة: 38).
ثانياً: من إيمان المرء التسليم بأمر الله، والتسلح بالإيمان في مواجهة الشدائد، مستشعراً الأجر العظيم للصابرين، يقول تعالى: (وَلَنَبْلُوَنَّكُمْ بِشَيْءٍ مِّنَ الْخَوفْ وَالْجُوعِ وَنَقْصٍ مِّنَ الأَمَوَالِ وَالأنفُسِ وَالثَّمَرَاتِ وَبَشِّرِ الصَّابِرِينَ) (البقرة: 155).
وفي الحديث النبوي: «عَجَبًا لأَمْرِ المُؤْمِنِ، إنَّ أمْرَهُ كُلَّهُ خَيْرٌ»، طمأنينة للقلب، وأن الحياة الدنيا مجرد محطة عابرة، وأن المؤمن ينظر للأمور ببصيرة مختلفة يرى من خلالها أن هناك تدابير الله فيما يحدث، يقول الله عز وجل: (وَعَسَى أَن تَكْرَهُواْ شَيْئاً وَهُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ وَعَسَى أَن تُحِبُّواْ شَيْئاً وَهُوَ شَرٌّ لَّكُمْ وَاللّهُ يَعْلَمُ وَأَنتُمْ لاَ تَعْلَمُونَ) (البقرة: 216).
ويذكرنا رسول الله صلى الله عليه وسلم، فيقول: «ما أَصاب المُسلِمُ من مرَضٍ، ولا وَصَبٍ، ولا حَزَنٍ، حتى الهَمُّ يُهَمُّه إلَّا يُكفِّرُ اللهُ عزَّ وجلَّ عنه من خَطاياه».
ثالثاً: من الخطير عندما يبتلى المرء، ويتمادى في حزنه، أن يستسلم لهذه الحال، أو أن يتمنى الموت بسبب ضرر لحق به أو بأسرته، يقول الرسول صلى الله عليه وسلم: «لا يَتَمَنَّيَنَّ أحَدُكُمُ المَوْتَ مِن ضُرٍّ أصابَهُ، فإنْ كانَ لا بُدَّ فاعِلًا، فَلْيَقُلِ: اللَّهُمَّ أحْيِنِي ما كانَتِ الحَياةُ خَيْرًا لِي، وتَوَفَّنِي إذا كانَتِ الوَفاةُ خَيْرًا لِي».
رابعاً: الدعاء والتوجه إلى الله، والتضرع إليه، وقراءة القرآن، والذكر والاستغفار، فالأنبياء لجؤوا إلى الله في أوقات الضيق، قال الله تعالى على لسان سيدنا يعقوب: (قَالَ إِنَّمَا أَشْكُو بَثِّي وَحُزْنِي إِلَى اللّهِ وَأَعْلَمُ مِنَ اللّهِ مَا لاَ تَعْلَمُونَ) (يوسف: 86)، وفي الحديث النبوي: «من لزم الاستغفار؛ جعل الله له من كل ضيق مخرجًا، ومن كل همّ فرجًا، ورزقه من حيث لا يحتسب» (رواه أحمد، وابن ماجه).
خامساً: ينصح خبراء علم النفس أي شخص يعاني من الحزن بالتحدث إلى الأهل والأصدقاء، وزيارة الأقارب، وممارسة الرياضة، والخروج للعمل أو التنزه وغيره، والانخراط في هوايات مفضلة للنفس، ومحاولة التعايش مع الحزن، والتعافي منه بمرور الوقت.