مع تسارع الأحداث منذ السابع من أكتوبر، التي ما زلنا نعيشها سواء في الشرق أو الغرب خصوصاً، أفرزت هذه الأحداث جيلاً كنا نتصور أن القضية الفلسطينية قد اندثرت من حياتهم أو أولوياتهم، فإذا بنا نجد هذا الجيل يدافع عن فلسطين ويحمل همها ويحلم بتحريرها.
بل أصبح هذا الجيل يراقب مأكله ومشربه وأدق تفاصيل حياته ومستهلكاته انطلاقاً من التزامه التام بالمقاطعة وثقافة عدم التسبب في نفع العدو ولو بفلس واحد.
وحين كنا نتحدث في يوم ما عن تحديات الأسرة العربية المسلمة المعاصرة المهاجرة في الغرب وخاصة بريطانيا، كنا نتحدث عن قضية إثبات الهوية وعدم ضياعها.
لكن بهذه الانتفاضة التي بدأت منذ 7 أكتوبر 2023م، تجددت الدماء في عروق الجميع خاصة الشباب وحتى الأطفال، فهذا الجيل الذي كنا نتخوف عليه حتى لا يقع ضحية لتلبيس الحقائق ومتناقضات الواقع، إلا أن هذه الحرب أفرزت لنا جيلاً واعياً ومحللاً للخبر ومدركاً لما وراء الكلمة، وهذا مصداق قوله تعالى: (لَا تَحْسَبُوهُ شَرّاً لَّكُم بَلْ هُوَ خَيْرٌ لَّكُمْ) (النور: 11).
فربُّ الخير لا يأتي إلا بالخير، وإن كنا كبشر قاصريّ النظر لا نرى ولا ندرك كثيراً من الحِكم في هذه الحياة، ولا شك أننا كبشر نتألم ونجزع في لحظات كثيرة تكون صعبة ومريرة، ونحن نرى بأم أعيننا جثثاً قد تمزقت وأطفالاً قد تيتّمت ونساءً قد تشرّدت ومناطق دمّرَت عن بكرة أبيها، فهذه هي الحرب وما أدراك ما الحرب!
لكنها تُخرج رجالاً صدقوا ما عاهدوا الله عليه فمنهم من قضى نحبه ومنهم من ينتظر وما بدلوا تبديلاً.
وهذا الحراك والتفاعل مع حرب غزة وإن كان أفرز بعض مظاهر العنف تجاه المسلمين في الشارع إضافة إلى عدد من الاعتداءات على بعض المساجد والمراكز الإسلامية، واستهداف ناشطين بسبب تأييدهم للقضية الفلسطينية، وحوادث متعلقة بالكراهية انطلاقاً من دفاع القائمين بها عن رواية الاحتلال.
إلا أنه أفرز تفاعلات إيجابية كثيرة، تمثل بعضها في زيادة البحث عن الإسلام والإقبال على اعتناقه في الغرب عموماً، بل بات عدد الداخلين إلى الإسلام والباحثين عنه وكمية الأرقام الرهيبة للقراءة عن هذا الدين الخالد في محركات البحث العلمي التي تستخدم في أيامنا هذه تتضاعف.
ففي بريطانيا على سبيل المثال، رأينا مدى التآزر الذي حصل بين المسلمين وغير المسلمين ممن اتحدوا في رفضهم للظلم والاحتلال وقتل الأطفال، وكسبنا مئات الآلاف ممن وقفوا مدافعين عن صفوفنا حينما أقمنا الصلاة في الميادين، وربحنا توحيد الجهود واستخدام التكنولوجيا والوسائل الحديثة التي تشكل زعزعة قويّة للكيان الغاصب وأدواته التي يستخدمها، فلا يغيب عن أذهاننا الحرب الإعلامية وتأثيرها وكمية المفارقة التي يصنعها الإعلام ومتابعة الحدث.
إنها واللهِ البشائر التي وعد الله بها عباده وهي الخيرات التي أعقبت تلك الدماء الزكية والأرواح الطاهرة التي استشهدت وارتقت إلى بارئها محوّلة بوصلة العالم الغربي قبل العربي إلى منحى لم نكن نحلم به يوماً.
وكما قال الإمام الشافعي:
وَلَرُبَّ نازِلَةٍ يَضيقُ لَها الفَتى ذَرعاً وَعِندَ اللَهِ مِنها المَخرَجُ
ضاقَت فَلَمّا اِستَحكَمَت حَلَقاتُها فُرِجَت وَكُنتُ أَظُنُّها لا تُفرَجُ