انتهى أمر طائفة الحشاشين في بلاد فارس عام 1256م على يد المغول بقيادة هولاكو الذي قام بمهاجمة الحشاشين والاستيلاء على قلعة ألموت، معقل الحشاشين الرئيس، وأكثر من 100 قلعة أخرى، كما قام بحرق كتبهم، ممّا أدى إلى تدمير تراثهم الفكري بشكل شبه كامل.
وفي الشام انتهى ما تبقى منهم في عام 1273م على يد الظاهر بيبرس، حيث قام بيبرس بمهاجمة قلعة مصياف، آخر معاقل الحشاشين المهمة، واستطاع السيطرة عليها، وقد أدى ذلك إلى القضاء على الحشاشين بشكل نهائي.
ولم يبق لهم ذكر إلا في سطور قليلة في بطون الكتب، وانصهر أتباعهم في المجتمعات التي ينتمون إليها، لم تقم لهم قوة ولم يظهر لهم أي ذكر حتى بداية القرن التاسع عشر الميلادي، عندما قررت بريطانيا العظمي، آنذاك، بعثهم في ثوب جديد تماماً، ولدور مغاير بالكلية عن الأصل الذي كانوا عليه.
الجذور
في الثلث الأول من القرن التاسع عشر الميلادي ظهر في إيران رجل طائفي مغامر اسمه حسن علي شاه، جمع حوله عدداً كبيراً من المغامرين وقطاع الطرق الذين أرهبوا القوافل، وهاجموا القرى حتى ذاع صيته، وقويت شوكته، وخشيته الأسرة القاجارية الحاكمة في إيران.
حاول الإنجليز استخدامه في السيطرة على بلاد فارس فأوعزوا له بالثورة على الشاه القاجاري بعد أن وعدوه بحكم البلاد، لكن الثورة لم يكتب لها النجاح، حيث قبض عليه الشاه وسجنه، فتدخل الإنجليز للإفراج عنه، وتحقق لهم ذلك على أن ينفى خارج إيران.
إعادة الكَرَّة في أفغانستان
هربًا من إيران، وصل حسن علي شاه إلى قندهار بأفغانستان في عام 1841م، وكان الإنجليز قد احتلوها عام 1839م في الحرب الأنجلو-أفغانية الأولى، وهناك تطورت علاقة وثيقة بين حسن علي شاه والبريطانيين، تزامنت مع السنوات الأخيرة من الحرب الأنجلو-أفغانية الأولى (1838 – 1842م).
بعد وصوله لأفغانستان، كتب حسن علي شاه إلى السير ويليام ماكنجتن، يناقش فيه خططه للاستيلاء على هرات ومن ثم حكمها نيابة عن البريطانيين، وعلى الرغم من أن الاقتراح قد تمت الموافقة عليه، فإن خطط البريطانيين أُحبطت بسبب انتفاضة محمد أكبر خان، ابن دوست محمد، الذي هزم وأباد الحامية البريطانية الهندية في جانداماك عند انسحابها من كابول في يناير 1842م.
الهروب إلى السند
بعد هزيمة البريطانيين المنكرة على يد الأفغان، انتقل حسن علي شاه إلى السند، حيث قدم المزيد من الخدمات التي مكنت البريطانيين من ضم السند، ومقابل خدماته، حصل حسن علي شاه على معاش سنوي قدره 2000 جنيه إسترليني من الجنرال تشارلز جيمس نابير، المحتل البريطاني للسند الذي كانت تربطه بحسن على شاه علاقة جيدة.
اختراع طائفة
في أكتوبر 1844م، غادر حسن علي شاه السند إلى مدينة بومباي، وبعد وصوله إلى بومباي في فبراير 1846م، طلبت الحكومة الفارسية من الهند اعتقاله، ولكن البريطانيين رفضوا تسليمه ووافقوا فقط على نقل مقر إقامته إلى كلكتا، ليكون من الصعب عليه شن هجمات جديدة ضد الحكومة الفارسية، وهكذا اضطر إلى البقاء في الهند.
وأثناء وجوده في الهند، واصل حسن علي شاه علاقته الوثيقة مع البريطانيين، حتى إن أمير ويلز (الملك المستقبلي إدوارد السابع) زاره عندما كان في زيارة للهند.
كان البريطانيون يعدونه لمهمة كبرى، ولذلك كانوا يخاطبونه بصفته صاحب السمو، وأسبغوا عليه الحماية بصفته الزعيم الروحي لمجتمع مسلم مهم! هو مجتمع الخوجات، فمن هم الخوجات؟ ولماذا وقع عليه الاختيار، ليتسيدهم رجل الإنجليز الفارسي؟
الخوجات سُنة أم لا؟
الخوجات مجموعة إثنية هندية أدخلهم للإسلام داعية مسلم لا تتوفر عنه معلومات كافية اسمه الشيخ صدر الدين، والأغلب أن الرجل كان على المذهب السُّني، هؤلاء هم الذين وقع عليهم اختيار الاستعمار ليكونوا مكافأة لرجل الإنجليز، حسن علي شاه، الأغاخان الأول، الذي فشل في الانقلاب على الدولة القاجارية وتكوين كيان ممالئ للإنجليز في بلاد فارس، وفشل أيضًا وهزم هو والإنجليز في أفغانستان هزيمة منكرة.
استغل الدهاء البريطاني الجهل المستشري آنذاك في الهند، لفرض رئاسة دينية للأغاخان الأول على طائفة الخوجات، ولا شك أن بريطانيا استخدمت كافة الأساليب لفرض أمر واقع موال لها على الطائفة، وخصوصًا أن الهند كانت تموج آنذاك بالحركات الإسلامية المقاومة والمناوئة لاستعمارها للهند.
قضية الأغاخان
لم يستسلم قادة الخوجات للمؤامرة الاستعمارية ورفعوا قضية ضد الآغا خان تدفع بأن طائفة الخوجات مسلمون سُنة، ونتيجة لذلك، فليس للآغا خان أي سلطة على المجتمع.
طلب المدّعون من المحكمة اتخاذ 4 خطوات من أجل إزالة سلطة الآغا خان وإقامة نظام للحكم الذاتي
أولاً: حصر جميع الممتلكات الجماعية في بومباي.
ثانيًا: جمع كافة الممتلكات المجتمعية تحت إشراف المحكمة.
ثالثاً: إرساء إجراءات انتخابية منتظمة لاختيار قيادة المجتمع.
ورابعًا: أمر قضائي يحظر على الآغا خان التدخل في ممتلكات وشؤون المجتمع، أو التأثير على انتخاب قيادة المجتمع، أو التأكيد على أي سلطة دينية، أو حرمانهم من امتيازاتهم، أو المطالبة بمدفوعات منهم بصفته الروحية.
دفاع متهافت
جادل محامو الآغا خان بأن مجتمع الخوجات كان لديه تاريخ طويل من الولاء للآغا خان وأسلافه! وقدموا رسائل تعود إلى عام 1793م بأنهم دفعوا مبالغ مالية لأسلاف أغا خان! وكان الدليل الرئيس هو وجود قصيدة إسماعيلية تسمى «داسافاتار»، تشير إلى صلة الخوجات بأسلاف الأغاخان وعدم وجود ترجمة للقرآن بلغة الخوجات.
حكم جائر
كان الحكم متوقعًا من القاضي الإنجليزي السير جوزيف أرنولد الذي حكم بأن الخوجات شيعة إسماعيلية نزارية، وقال: إن الشيخ صدر الدين كان مبشراً إسماعيلياً أرسله أحد أسلاف الآغا خان! بدون أي أدلة سوى قصيدة «داسافاتار» باعتبارها نصاً إسماعيلياً، وهكذا، خلص أرنولد إلى أن الخوجات كانوا من الشيعة الإسماعيليين، وأن الآغا خان هو زعيمهم الشرعي، الحكم الذي يحول ممتلكات الطائفة إلى ممتلكات خاصة للأغاخان، ويفرض على الطائفة التزامات مالية تصب في جيبه.
في إشارة لاختراع الطائفة الأغاخانية، توضح البروفيسورة بوروهيت تينا، من جامعة بوسطن، من خلال تحليل مبهر للأرشيفات التاريخية والنصية الجديدة، أن قضية الآغا خان عام 1866م حولت بشكل لا يمحى طبيعة وحدود الهوية الدينية في جنوب آسيا.
وهكذا أعادت بريطانيا اختراع طائفة كانت قد بادت إلى الأبد، لتعيد بعث خرافات كان العالم الإسلامي قد تجاوزها منذ قرون.
بعد حكم القاضي الإنجليزي لصالح الأغاخان الأول القادم من بلاد فارس بامتلاك وتسيد طائفة بالملايين في الهند، انشقت المجموعة المتعلمة المتنورة عن الخوجات، واستأنفت ممارسة الدين على مذهب أهل السُّنة والجماعة، ولكن الأغلبية وقعت في براثن المؤامرة، وتحولت للتشيع على طريقة الحشاشين الإسماعيلية النزارية.
_____________________________
1- Arnould, Joseph، Judgment Delivered Nov، 12, 1866, on the “Khoja Case” (Aga Khan Case)
2- Purohit, Teena (2001)، The Aga Khan Case: Religion and Identity in Colonial India.