قناع الطاووس الذي ظهر به في الكونجرس الأمريكي لم يكن لائقًا بخطاب أمس، وكان لا بدّ أن يخرج بقناع التذلل، علّه يخفف عنه ضغط الشارع، فالجمهور المطبل لا يشبه الجمهور المسائِل، والنائحة ليست كالثكلى بالفعل.
سبحان الله! بعد كل الجبروت الذي ظهر به هناك، خرج بوجه أصفر وجمل مضطربة، عاطفية بامتياز، دينية كما لو أنه يستخدم الخطاب الديني لأول مرة.
«نحن في قمة حرب مصيرية، حرب النور على الظلام! والسبب الأساسي للانتصار في هذه الحرب الوجودية هو أن نبقى موحدين! «حماس» تهدد وجودكم وأنتم أكبر قاعدة لأمريكا في المنطقة»، ما هذا الذل حقًا؟
نتنياهو، لأول مرة منذ السابع من أكتوبر، يقول: «فشلنا»، حتى الفشل الاستخباراتي الذي عيّرته به القتيلة عيدان بعد خطابه مباشرة في كلمة مصورة أذاعتها «القسام»، لم يعترف به، «كنّا قريبين من الرهائن الستة ولكن لم ننجح.. الله ينتقم لهم من حماس!»، وكأنه يقول: انتهت حلول الأرض والأمر متروك للسماء، السماء التي تلعنه وتلعن جيشه كل يوم.
كل هذه الصفعات لم تكن كافية ليغرّد أبو عبيدة برسالة مفادها: «لا تبحث عن الرهائن ولن تأخذ رهينة واحدة دون صفقة، والأوامر أعطيت للحراس بأن يُرجعوا الرهائن في توابيت إن اخترت الحل العسكري»، ليحسم بذلك الجدل، ويؤكد المؤكد، ويطيح بجهود المؤتمر الصحفي بعد بضع دقائق فقط.
أكثر من ذلك، محور فيلادلفيا الذي كان وسيلة ضغط مستحدثة، المحور الذي احتله قبل شهرين فقط، المحور الذي لم يأتِ على ذكره ولو لمرة واحدة في خطابه الشهير في الكونجرس، أصبح اليوم هدفًا أصيلًا لاستمرار هذه الحرب، رغم أن الجانب المصري يؤدي دورًا محوريًا في الضغط على المقاومة، وبلغة الشارع «مش مقصر مع نتنياهو بشيء»، وهنا سيسأل الشارع «الإسرائيلي» قبل الجميع: ماذا حل بأهداف الحرب الحقيقية؟ أم أن القضاء على «حماس» مجرد شعار، يشبه شعارات بوش أيام دخول بغداد؟
وهو يعرف تمام المعرفة أنه سيخرج من فيلادلفيا مدحورًا خائبًا، ويعرف أيضًا أن هذا المحور ليس محور الموت الوحيد في غزة.
وعلى سيرة أمريكا، يمكننا أن نقول: إن يوم 2 سبتمبر يوم الصفعات بامتياز، فحرارة الميدان في غزة وشارع الاحتلال لا تقل سخونة عن حرارة المعركة الانتخابية في واشنطن! فالحزب الديمقراطي الذي وعد جمهوره بعودة الرهينة الأمريكي حيًّا، وجه رسالة لنتنياهو بعد إعلان مقتل الرهائن الستة وقبل ساعات من المؤتمر الصحفي، الرسالة كانت على لسان بايدن مفادها «أن نتنياهو لا يقوم بما يجب ليحمي الرهائن»، إعلان من شأنه صب الزيت على الشارع المشتعل أصلاً.
وعلى الهامش، نذكر الثأر الشخصي لنتنياهو مع السنوار، رئيس المكتب السياسي لـ«حماس»، خاطبه كصبي أرعن يشكو لأنه تنمر أقرانه «لن تفرقنا»، وهنا نسأل على الهامش أيضًا: هل حقًا هذه هي «إسرائيل»؟ كيف سمحنا لها أن ترعبنا كل هذه السنوات؟ مجرد صورة جوفاء للقوة تحطمها «حماس» دون توقف.
في الخلاصة، يبدو واضحًا أن نتنياهو ما يزال عالقًا في خيبة السابع من أكتوبر، لم يحرز تقدمًا واحدًا يسعفه ويخفف عنه غضب الشارع، مأزوم بلا خطة وكل ما يحتاجه هو القليل من الوقت حتى إتمام صفقته مع ترمب والعودة أخيرًا إلى ميامي حيث سيقضي سنوات تقاعده رفقة سارة وابنه المدلل، وحتى هذه اللحظات الوردية يبدو أنها بعيدة المنال وتزيد توتره وشعوره بتهديد يصل له ولعائلته بشكل شخصي، نعم يا سادة، أزمة هذا المريض الحقيقية أنه يعرف أن الجميع يعرف أن هذه الحرب حربه وحده، ولكنه كان اللعنة التي أنهت هذا الاحتلال.
نعم، أنهت الاحتلال وسقوطه عن عصا سليمان، ما هي إلا مسألة وقت.. مسألة وقت فقط.