في ظل تجربة التعليم الكويتي بين نظام الفترات الأربع، ونظام الفصلين، أجد نفسي ميالاً للاعتقاد بأن لكل نظام مميزات وعيوباً تتعلق بمصلحة الطالب أولاً، ولكنها لا تخلو من تأثيرات سلبية تمس جودة التعليم وأخلاقيات الطالب وتحصيله الحقيقي.
في رأيي، نظام الفترات الأربع يمنح الطالب فرصاً متكررة لتقييم أدائه الأكاديمي بشكل يوزع الجهد الدراسي طوال السنة، وهذا قد يخفف من الضغوط النفسية المرتبطة بالاختبارات النهائية.
ومن خلال تجارب وملاحظات عدة، يبدو أن هذا النظام يعكس مستوى التحصيل الفعلي للطالب؛ إذ يشعر الطالب بأن لديه مجالاً للخطأ والتعلم من تجربته في كل فترة؛ ما يعزز استمرارية الدراسة والانضباط بعيداً عن القلق المبالغ فيه، ومع ذلك، أتفهم أيضاً أن بعض الطلاب قد يشعرون بأن تكرار الامتحانات مرهق؛ ما يدفعهم أحياناً للتفكير في تحقيق نجاح سريع من خلال أساليب غير مقبولة مثل الغش.
أما نظام الفصلين، فأنا أرى فيه جانباً جيداً يتمثل في تخصيص وقت أطول لدراسة المناهج بعمق، إذ قد يساعد على تطوير مستوى أعمق من الفهم، خاصة في المواد التي تتطلب التعمق والتركيز مثل الرياضيات والعلوم، ومع ذلك، فإن الاعتماد الكبير على امتحانين فقط قد يرفع من الضغط على الطلاب بشكل كبير؛ ما قد يؤدي إلى حالات غش أكثر لتخفيف العبء وتحقيق النجاح السريع، فعندما يصبح النجاح مرهوناً بأداء اختبارين فقط، قد يتخذ البعض من الطلاب الطرق المختصرة لضمان النتيجة؛ ما قد يضعف من مستوى الأمانة الأكاديمية.
من ناحية أخرى، يشكل نظام الفصلين بيئة تسهم فيما يُعرف بـ«النسب الوهمية»، حيث يمكن أن يؤدي التراخي في التصحيح أو عدم الصرامة الكافية في مراقبة الامتحانات إلى معدلات نجاح غير واقعية، هذه النسب تعطي انطباعاً زائفاً لأولياء الأمور والجهات المسؤولة، إذ تظهر وكأنها تعكس تطوراً في مستوى الطلاب، بينما في الواقع هي بعيدة عن القدرات الحقيقية لهم، هذه الظاهرة، في رأيي، لا تخدم أحداً، بل تؤدي في النهاية إلى تدهور ثقة المجتمع في النظام التعليمي ككل.
أشعر أن الحل الأمثل قد يكون نظاماً هجيناً يجمع بين مزايا النظامين؛ بحيث يتم تحقيق التقييم المستمر عبر فترات متكررة، مع تقليل عدد الاختبارات التي تحسب من الدرجات النهائية، ليكون هناك توازن بين التقييم المستدام والتحصيل النهائي، بهذه الطريقة، يمكن تجنب النسب الوهمية وتشجيع الطلاب على الاجتهاد الحقيقي بعيداً عن الغش؛ ما يسهم في خلق بيئة تعليمية صحية تعكس مستوى الطلاب الفعلي، وتحقق مصلحة الجميع بشكل عادل.
أعتقد أيضاً أن المعلمين والإدارات المدرسية قد يفضلون الإبقاء على نظام الفصلين بدلاً من العودة إلى نظام الفترات الأربع، وذلك لأنه يوفر لهم قدراً أكبر من الراحة في التخطيط والتنظيم، في نظام الفصلين، يصبح عبء التقييم وإعداد الامتحانات أقل تكراراً وأكثر تنظيماً؛ ما يسمح للمعلمين بتخصيص وقت أطول للتدريس العميق وترتيب الدروس بما يتناسب مع خطة محددة تمتد على فصل دراسي كامل.
كما أن هذا النظام يسهم في تخفيف الأعباء الإدارية المرتبطة بتصحيح الاختبارات وإدخال الدرجات بشكل مستمر؛ إذ يصبح التقييم مركزاً في نهاية كل فصل؛ مما يمنح الإدارات وقتاً كافياً للتنظيم الداخلي، مثل توزيع المواد وتنظيم الأنشطة والإشراف على تنفيذ الخطط الدراسية بشكل أكثر انسيابية.
يعد هذا التوجه نحو نظام الفصلين مريحاً، خاصة في ظل نقص أعداد الكادر التعليمي أو ضغوط العمل المتزايدة في بعض المدارس؛ إذ يسهم في جعل الجدول الدراسي والإداري أكثر انتظاماً وملاءمة للموارد البشرية المتاحة.
في نهاية المطاف، أرى أنه يجب على متخذي القرار وواضعي السياسات التربوية أن ينظروا إلى مصلحة الطالب كأولوية قصوى عند اتخاذ قرارات تتعلق بالنظام التعليمي الأنسب؛ فاختيار نظام يوازن بين جودة التحصيل الأكاديمي وراحة الطالب النفسية يعزز من قدرتهم على بناء جيل واعٍ ومتمكن.
لا يقتصر هذا الأمر على تحقيق معدلات نجاح مرتفعة، بل يتطلب إعداد الطالب لمواجهة تحديات الحياة المستقبلية عبر تعزيز مهارات التفكير النقدي وتحمل المسؤولية، والنظام الأفضل هو الذي يُخرج الطالب الأفضل، الطالب الذي يتحلى بمهارات حقيقية وبأخلاقيات عالية بعيداً عن ممارسات الغش أو الاعتماد على النسب الوهمية التي تخفي القدرات الحقيقية.