في أكثر من 18 دقيقة كاملة، كشف وزير المالية الصهيوني المتطرف بتسلئيل سموتريتش عن جملة من المخططات الصهيونية التي تمثل أحلامًا استيطانية توسعية -لنسبة كبيرة من «الإسرائيليين»- ليس في الأراضي العربية المحتلة، ولكنها تمتد ربما لمنطقة الشرق الأوسط بأكملها.
في 28 أكتوبر الماضي، ألقى سموتريتش كلمة مهمة وخطيرة في المؤتمر الصهيوني الذي حمل اسم «قمة الشرق الأوسط»، زعم خلالها بأن «إسرائيل» أمام فرصة تاريخية لن تتكرر؛ لتدشين شرق أوسط جديد دون «محور الشر» الذي يدعي بأن إيران تقف من ورائه وتتزعمه، واصفًا إياها بـ«رأس الحربة».
الشرق الأوسط الجديد
مصطلح «الشرق الأوسط الجديد» جملة تكررت كثيرًا، وبشكل مبالغ فيه، على لسان سموتريتش، ربما تخطت 10 مرات خلال تلك الكلمة، التي تحمل بين جنباتها تصريحات خفية تنم عن عدد كبير من المفاهيم والمخططات الصهيونية، وتكشف عن الوجه الحقيقي لقادة ووزراء الكيان في الوقت الراهن، وهو الوجه الراغب في تحقيق الأحلام الصهيونية بعمليات توسع استيطانية ربما لم تشهدها «إسرائيل» من قبل، ويضعون لها سيناريوهاتها في المستقبل.
ادعى سموتريتش أن «إسرائيل» ولأجيال قادمة أمام فرصة حقيقية وكبيرة ومهمة لتغيير التاريخ وكتابته من جديد، ليس هذا فحسب، ولكن لتغيير ميزان القوى الدولية من جديد في شرق أوسط كبير، وللقيام بتفتيت وتقسيم محور الشر، فنحن نقوم بتفتيت هذا المحور شيئًا فشيئًا بكل صبر وتأنٍّ، وهو المصطلح الذي ردده، بنيامين نتنياهو، رئيس الوزراء «الإسرائيلي»، خلال الفترة الأخيرة، خاصة مع تعليقه على استشهاد الأمين العام لـ«حزب الله» اللبناني حسن نصر الله، ومن بعده استشهاد رئيس المكتب السياسي لحركة «حماس» يحيى السنوار.
تمهيد لحقبة تاريخية جديدة
الثابت أن جملة «الشرق الأوسط الجديد» لم تأت على لسان سموتريتش، ونتنياهو فحسب، بل تكررت على ألسنة الكثيرين داخل الكيان الصهيوني، ما بين يوآف غالانت، وزير الحرب، ورئيس أركان الجيش هرتسي هاليفي، أو وزير الطاقة إيلي كوهين، فضلاً عن جنرالات في الاحتياط، وكأنه «سكربت» مكتوب للجميع عليهم أن يرددوه للتمهيد لحقبة تاريخية جديدة في منطقة الشرق الأوسط.
الغريب أن سموتريتش لم يكتف بذلك في كلمته الخطيرة، وإنما ادعى أن هناك البعض في قلب الدول العربية ممن يريد قتل «الإسرائيليين» وتدمير دولة «إسرائيل» إلى جانب الفلسطينيين بالطبع، وهم جزء من محور الشر الذي يقوده النظام الإيراني الحالي، وفق قوله، متابعًا أنه لا ينبغي بأي حال من الأحوال أن يكون الأمر رهينة في أيديهم، فهناك البعض في سورية ولبنان والعراق واليمن كما في غزة ولبنان، هدفهم النهائي هو تدمير دولة «إسرائيل»، تمامًا، مثل هدف النظام الإيراني.
تحذيرات للدول العربية!
كلمات سموتريتش تحمل بين طياتها تحذيرات خفية للعديد من الدول العربية، ذكرها بالاسم؛ سورية والعراق واليمن، وبحكم أن الجيش «الإسرائيلي» يستهدف الأراضي السورية واللبنانية والفلسطينية المحتلة، وسبق مهاجمته للحوثيين في اليمن، فإن التحذير ينطلي على العراق، بزعم أن هناك فصائل مساندة للمقاومة تطلق الصواريخ والقذائف من الأراضي العراقية على الداخل الفلسطيني المحتل.
أضاف وزير المالية الصهيوني المتطرف تصريحًا جديدًا يتعلق بالضفة الغربية وغزة، معتبرًا أن الفرصة التاريخية التي سنحت لـ«إسرائيل»، في الفترة التي تلت عملية «طوفان الأقصى» تتمثل في فرض السيادة «الإسرائيلية» الكاملة عليهما معًا، مرددًا: نعم على الفلسطينيين في غزة ومن هم في غزة أيضًا، وهو التصريح الذي يثبت أن المطامع الصهيونية لم تقف عند الضفة الغربية فحسب، بل ستمتد لفرض السيادة الصهيونية على غزة أيضًا، بدعوى أن نتائج ومكاسب الحرب الدائرة على القطاع سوف تتبدد دون نشر الجيش «الإسرائيلي» وتوزيع المستعمرين الصهاينة في غزة، بشكل دائم.
نقطة من أول السطر
فسَّر سموتريتش، زعيم حزب «الصهيونية الدينية»، تصريحه السابق بأن فرض السيادة ليس جوًا فحسب، وإنما من خلال إصدار قرار استيطاني جديد يعني إنشاء مدن وبلدات جديدة في كل من الضفة الغربية وقطاع غزة، عن طريق جلب مئات الآلاف من المستوطنين الإضافيين للاستقرار فيها، مدعيًا أنه من الغرب إلى الأردن، ومن الأردن إلى البحر المتوسط، يوجد مكان واحد فقط لتقرير مصير قومي واحد وهو لليهود.. لليهود.
متابعًا: لم ولن تكون هناك دولة عربية في قلب أرض «إسرائيل»، تسمح بتحقيق الطموحات العربية في تدمير دولة «إسرائيل»، ودفن هذا الحلم سيقلل من دوافعهم (العرب) لتحقيقه، ويتم تحقيق هذا الهدف أيضًا من خلال التأكيد بالإعلان «الإسرائيلي» الواضح للعرب والعالم بأسره، بأنه لا توجد ولن تُقام دولة فلسطينية.. نقطة (مكررًا كلمة نقودا/ نقطة بالعربية)، وهذه المسألة غير قابلة للنقاش أبداً، ولن تُطرح على الطاولة للمفاوضات، ولكن الأهم هنا هو الأفعال وليس الأقوال.
كلمات وزير المالية المتطرف واضحة وصريحة ومباشرة، ممثلة في رفضه التام لإقامة دولة فلسطينية، مع تدشين مستعمرات جديدة في الضفة الغربية وقطاع غزة، وجلب مئات الآلاف من المستوطنين الإضافيين للاستقرار فيهما، وبأن العرب لا يفهمون سوى الأفعال والقوة وليس مجرد إصدار تصريحات فحسب، زاعمًا بأن عملية 7 أكتوبر 2023م، كان يمكن منعها لو كان الجيش «الإسرائيلي» والمستوطنون لا يزالون موجودين في غزة.
طموح صهيوني يمكن تحقيقه على المدى القصير
في مؤتمر «قمة الشرق الأوسط» الذي عُقد في مدينة القدس المحتلة، ونظمته مؤسسة «إسرائيل 365»، وهي هيئة إعلامية «إسرائيلية» تستهدف الإنجيليين الأمريكيين، نادى سموتريتش بإجبار الفلسطينيين الذين يؤيدون قيام دولة فلسطينية على الهجرة خارج أراضيهم المحتلة، وهي التصريحات في مجملها التي تحمل آراء وأفكار ومخططات اليمين الصهيوني المتطرف الذي يحكم «إسرائيل» بقيادة نتنياهو، خاصة أن الأخير معني برفض التوصل لـ«حل الدولتين».
كلمة في 18 دقيقة فقط، عبَّر من خلالها اليميني المتطرف سموتريتش، ليس عن أحلام الصهاينة المستقبلية، بل عن آمال وطموح يمكن تحقيقها على المدى القصير، من خلال فرض السيادة على الضفة وغزة، والرفض التام لإقامة دولة فلسطينية، بل مع فرض «شرق أوسط جديد» تتمكن «إسرائيل» في مصيره.