رسالة السعودية لمراسلنا: محمد دمياطي
كنت وعدت قراء «المجتمع» بلقاءات مع الشيخ أحمد صلاح جمجوم، الكاتب، والباحث، والمفكر.
وقضايا الشباب ومشكلاته، أمر جد حيوي ينبغي أن يتناول بالدراسة والتحليل والعلاج.
وفي هذا اللقاء طرحت على معاليه السؤال التالي:
أين يقف الشباب المسلم اليوم بعقيدته الإسلامية من المبادئ والعقائد المناوئة؟ والواقع الذي يعيش فيه؟
– إن الشباب المسلم في عصرنا الحاضر موضوع أمام تناقضات خطيرة في حياته وفي أسلوبه، وهو أيضًا أمام مواقف محيرة بالنسبة لعقيدته ومجتمعه والحياة من حوله، ذلك أن عقيدته الإسلامية التي هي خير العقائد وأفضل الدساتير ليست سوى مبادئ موضوعة في متحف ومحفوظة في مؤلفات يتغنى بها الناس، ولكنها لا تطبق في الحياة العملية، وينظر الشباب المسلم في مجتمعه الإسلامي فلا يجد المثل الحسن ولا القدوة الصالحة، ويعجب كيف يمكن التوفيق بين هذه المبادئ وهذه الوقائع، كما وأنه يجد أن مجتمعه الإسلامي هو المجتمع المتخلف بين جميع المجتمعات في حقول العلم المختلفة ولا يجد لذلك تعليلًا كافيًا لإقناعه وهو يجد خارج الحدود التقدم والتطور والتفوق العلمـي والتقني والوصول إلى القمـر والمخترعات الحديثة التي تتزايد يومًا بعد يوم وتتفاعل مع متطلبات الحياة وتتجاوب مع احتياجات البشرية، فيقف حائرًا بين الأقوال التي تتردد حوله والأفعال التي يشاهدها خارج الحدود، فتتفاعل في نفسه أفكار متضاربة حول تعليل هذه الأوضاع.
وكثير من هذا الشباب المسلم تحت وطأة الغزو الفكري الأوروبي الذي يعمل جاهدًا على إقناع الشباب المسلم بتخلف عقيدته ورجعية أفكارهم وأهمية حضارة الغرب وأسلوب الحياة الغربية يجد نفسـه وقد انجرف في تيار الواقعية التي يعيشها هذا العصر، وقليل جدًّا من يستطيع تجنب قوة التيار عندئذ يوصم بالرجعية والتخلف.
إن الشباب المسلم هو النبتة التي تزرعها الأجيال الحاضرة لتعطي ثمارها في مستقبل الأيام فإذا كان المجتمع المسلم لا يستطيع أن يرعى هذه النبتة ويحوطها برعايته حتى تقوى لتقاوم الأعاصير المحيطة بها وتدرك حقيقة دينها، فإن هذه النبتة تنجرف وتعطي ثمارًا غير الثمار التي يحتاجها مجتمعنا الإسلامي.
على من تقع المسؤولية؟
– إن المسؤولية الأولى في رعاية الشباب المسلم إنما تقع على المجتمع الإسلامي الحاضر فإذا عجز عن ضرب المثل العليا لشبابه وإقناعه بحقيقة صدق عقيدته الإسلامية، والتبرير له عن أسباب التخلف كفترة من التاريخ البشري الذي تمر به الشعوب والحضارات، فسيكون الشباب المسلم معذورًا في الخروج عن الطوق.
أما كيفية الوصول إلى حماية الشباب الإسلامي من الانحراف والتورط في الاقتناع بالأفكار الدخيلة والاقتناع بما يفسد عليه عقيدته أو ينقص قيمتها الحقيقية، فالواقع أنه برنامج متكامل الأطراف ينبغي أن يوضع ويسعى في تطبيقه حتى يتم له النجاح.
ويبدأ هذا البرنامج بنظام التعليم حيث ينبغي أن ينسلخ هذا النظام انسلاخًا كاملًا من التأثيرات الخارجية، ويجب أن يعتمد اعتمادًا دقيقًا على منهج التربية الإسلامية وأسلوب الدراسة الإسلامي.
إن مناهج التعليم في العالم الإسلامي تعتمد على المصادر الغربية المختلفة، وأفراد المجتمع الإسلامي تلقوا ولا يزالون يتلقون حتى اليوم دراساتهم العليا في الجامعات الغربية وهم بذلك يتأثرون بطريق مباشر من معاهد التعليم وبطريق غير مباشر من المجتمعات الغربية.
ومن تأثيرات الفكر الغربي في مناهج التعليم هو فصل الدراسات الدينية عن الدراسات الحديثة، فأنشئت مدارس دينية تختلف كل الاختلاف وأصبح خريجو المدارس الدينية عبارة عن شباب لا يدرك من أمور الدنيا شيئًا وفي المـدارس العصرية كما يطلقون عليهـا شباب لا يفقه من الدين الإسلامي شيئًا، فوجدت بذلك هوة سحيقة بين المجتمع الإسلامي وشبابه في حين أن الدين الإسلامي هو منهج متكامل للحياة يربط الدنيا بالآخرة ويقيم الحياة كلها على الاتصال الكامل بالخالق، ولذلك لا يمكن أن تقوم دراسة أي فرع من فروع الحياة من غير أن يعتمد على أساس إسلامي.
ومن هنا يتحتم العودة إلى وضع المناهج التعليمية في المجتمعات الإسلامية بحيث تربط بين العقيدة الإسلامية وبين فروع التعليم بدون أي تمييز بين المتعلمين حيث يتحقق للمجتمع الإسلامي متخصصون مسلمون يعرفون علاقة دينهم بعملهم.
ثم الرجوع بالمجتمع الإسلامي إلى مبادئه الفاضلة ومثله المشرفة؛ الأمر الذي يكــون القاعدة التي يمكن أن يبني عليها مجتمع إسلامي يمثل الإسلام الحقيقي، أما إذا كنا لا نستطيع أن نعود إلى هذه المبادئ فليس من حقنا أن نطلب من الشباب المسلم أن ينشأ على النحو الذي نريد.
ومن ناحية أخرى، فإن لوسائل الإعلام تأثيرًا عميقًا في أفراد المجتمع وخاصة في الشباب، فإذا روعي في وسائل الإعلام عامة من صحافة، وإذاعة، وتلفزة، والنوادي الاجتماعية والمساجد والمجتمعات العامة أن تركز على إبراز المحاسن والمزايا القائمة في الشريعة الإسلامية وذلك بأسلوب العصر بالطريقة التي يفهمها شباب اليوم والتي تثير فيهم الشوق والرغبة وذلك لترسيب الحقائق الإسلامية في نفوس الشباب وبطريقة صحيحة وسليمة.
على أن من أهم ما يقنع الشباب المسلم بصحة ما يقال له عن دينه، هو ضرب المُثل العليا وتكوين القدوات الحسنة في المجتمع حتى يجد الشباب ما يتطلع إلى الوصول إليه وما يقتدي به في تكوين نفسه وإعداد شخصيته، دون أن يضطر إلى التطلع إلى ما وراء الحدود بحثًا عن هذه الأمثلة.
ولا يمكن أن توجد هذه القدوات، إذا لم يتحرر المجتمع الإسلامي من الجمود والأنانية والضغط الاجتماعي القائم في الوقت الحاضر، ولعل من أبرز ما ينبغي الإشارة إليه في هذا الصدد هو تطبيق حكم الشورى في المجتمع الإسلامي بما يتفق مع متطلبات العصر، والشورى أوسع معنى وأبلغ عمقًا من كلمة الديمقراطية المتعارف عليها في الوقت الحاضر.
ومن المعروف أن مبدأ الشورى في الإسلام هو أساس نظام الحكم لأنه صدر في لغة القرآن بالأمر الواجب الاتباع في قوله تعالى (وَشَاوِرْهُمْ فِي الْأَمْرِ) (آل عمران: 159)، وهو أمر موجه إلى سيد البشر ورسول الرحمة الذي لا ينطق عن الهوى(1).
_______________________
(1) منشور في العدد (128)، 30 شوال 1392هـ/ 5 ديسمبر 1972م.