معنى سُنة الله في الهدى والضلال: منهج الله وطريقته في إرشاد العباد ودلالتهم إلى الطريق المستقيم، أو إبعادهم عنه
إن هذا الكون بما فيه ومن فيه، بل إن العالم بأسره وما يحدث فيه من أحداث وغيرها، كل هذا لا يحدث في الكون ولا في العالم صدفة، وإنما يحدث طبقاً لقوانين ثابتة عامة متناهية في الدقة والاطراد، وبما أن الإنسان خلق من هذا العالم، فهو يجري عليه من تلك القوانين الثابتة ما يناسب خلقته وتكوينه من أحوال ونتائج تترتب على هذه الأحوال من مثل السعادة والشقاء والقوة والضعف.. إلى آخر ما يصيبه في الدنيا والآخرة.
وتعرف هذه القوانين بالسنن الإلهية في هذا العالم، سواء ما كان منها في الكون أو في الإنسان، أو في غير ذلك من مخلوقاته.
هذه القوانين الثابتة مع النتائج التي تترتب عليها، تنبئ – للناظر المتأمل – عن عظيم قدرة البارى سبحانه وتعالى، وعن باهر حكمته، وتفرده بالكمال والجلال.
وهذه القوانين تعد نعمة عظيمة من نعم الله سبحانه للإنسان؛ يسير بها في هذا الكون على وعي وبصيرة، وهدى ونور.
ومن هذه القوانين أو تلك السنن قانون الله في هداية الخلق أو إضلالهم.
وقد بيَّن الله لكل ذي عينين من خلقه هذا القانون، إما عن طريق ما يقع له أو أمامه في حياته اليومية، وإما عن طريق آيات قرآنه الحكيم، والتي وردت تربو عن الحصر كاشفة عن هذه السُّنة العظيمة، مظهرة مقدماتها ونتائجها، وكيفية الانتفاع بها، وواجب المسلم تجاهها.
ومن يقرأ آيات القرآن الكريم، ويتعرف على هذه السُّنة، أو تنكشف أمامه في حياته اليومية، فلا عليه إلا أن يأطر نفسه على الانتفاع بها والعمل بمقتضاها، وإلا ستكون حجة عليه؛ (يَوْمَ لَا يَنفَعُ مَالٌ وَلَا بَنُونَ {88} إِلَّا مَنْ أَتَى اللَّهَ بِقَلْبٍ سَلِيمٍ {89}) (الشعراء).
معنى السنن الإلهية
السُّنة في لغة العرب: السيرة، حسنة كانت أم قبيحة(1).
فالسُّنة في معناها اللغوي هي: الطريقة أو السيرة سواء أكانت حسنة أم سيئة.
وفي اصطلاح العلماء، المراد بالسُّنن: ما سَنَّه الله في الأمم من وقائع(2).
والسُّنة هي العادة التي تتضمن أن يفعل بالثاني مثل ما فعل بنظيره الأول، ولهذا أمر الله تعالى بالاعتبار، فقال: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ) (يوسف:111).
صيغة السُّنة ومعناها في القرآن الكريم: ورد لفظ «سُنة» ومشتقاتها في القرآن الكريم ست عشرة مرة، ضمن إحدى عشرة آية، في عشر سور، وتنوعت في ورودها على صيغ متعددة، ومن يمعن النظر في نماذج هذه المادة في القرآن الكريم يتبين له:
أن المقصود بالسُّنة منهج الله وعادته في خلقه، ويدور معنى لفظ «سُنة» في القرآن الكريم بين منهج الله وعادته في خلقه، وحكم الله، وما سَنَّه الله في الأمم من وقائع، وما أحله بهم.
معاني صيغتي الهدى والضلال في القرآن الكريم:
أولاً: صيغة الهدى ومعانيها:
ورد لفظ «الهدى» ومشتقاته في القرآن الكريم ما يقرب من ثلاثمائة وثماني مرات، والملاحظ أنه قد ورد لفظ «الهدى» المجرد في القرآن الكريم بعدد مرات لفظ «الرحمة»، وتكرر كل من اللفظين تسعاً وسبعين مرة في القرآن الكريم، لازمت الرحمة الهدى في ثلاث عشرة آية شريفة، ثم وردت منفردة في آيات أخرى، وذكر الهدى في آيات غيرها(3).
معاني لفظ «الهدى» في القرآن الكريم:
الهدى ضد الضلال، وهو الرشاد.
والهداية شرعاً تعني: الاهتداء إلى الإسلام والإيمان به والإعانة على ذلك(4).
وفي القرآن الكريم يدور لفظ «الهدى» بين المعاني التالية: الرشد، والنور، والإسلام، والكتاب والرسول، والدليل الذي يهدي الطريق، والدين المستقيم.
فبمعنى الرشد والنور في قول الله تعالى: (أُوْلَـئِكَ عَلَى هُدًى مِّن رَّبِّهِمْ وَأُوْلَـئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ {5}) (البقرة)(5).
وبمعنى الإسلام في قوله: (وَلاَ تُؤْمِنُواْ إِلاَّ لِمَن تَبِعَ دِينَكُمْ قُلْ إِنَّ الْهُدَى هُدَى اللّهِ) (آل عمران:73)(6).
ثانياً: صيغة «الضلال» ومعانيها:
ورد لفظ «الضلال» ومشتقاته في القرآن الكريم ما يقرب من مائة وتسع وثمانين مرة.
ومعنى الضلال: العدول عن الطريق المستقيم.
والضلال شرعاً هو الانحراف عن الإسلام.
وفي القرآن الكريم ورد لفظ «الضلال» على أوجه، منها: الضلال نقيض الهدى، وأصله من الضياع(7)، وذلك في قوله تعالى: (وَلاَ الضَّالِّينَ {7}) (الفاتحة)، فقد قيل: عني بالضالين النصارى للحديث المعروف، والضلال بمعنى الخذلان وسلب التوفيق(8).
الضلال بمعنى الانعدام والهلاك(9)، ومنه في آية: (وَمَا دُعَاء الْكَافِرِينَ إِلاَّ فِي ضَلاَلٍ {14}) (الرعد).
إذاً فمعنى «سُنة الله في الهدى والضلال»: منهج الله وطريقته في إرشاد العباد ودلالتهم إلى الطريق المستقيم، أو إبعادهم عنه.
أسباب الهداية
للهداية أسباب كثيرة منها:
أولاً: العلم بالله تعالى وبأسمائه وصفاته، فمن أراد الهداية فلا بد أن يكون عالماً بالله وأسمائه وصفاته: {فّاعًلّمً أّنَّهٍ لا إلّهّ إلاَّ پلَّهٍ}(محمد:19)، وأن يعلم حق الرب على عبده وهو: أن يعبده لا يشرك به شيئاً.
ثانياً: الإيمان والاعتصام بالله، الإيمان الذي هو الاعتقاد والتصديق بالجنان، والنطق باللسان، والعمل بالأركان، الذي يزيد بالطاعة وينقص بالعصيان، وقال الله عز وجل: (وَمَن يُؤْمِن بِاللَّهِ يَهْدِ قَلْبَهُ) (التغابن:11)، قال عز وجل: (إِنَّهُمْ فِتْيَةٌ آمَنُوا بِرَبِّهِمْ وَزِدْنَاهُمْ هُدًى {13}) (الكهف).
ثالثاً: امتثال أوامـر الله واجتناب نواهيه: قال عز وجل: (وَلَوْ أَنَّا كَتَبْنَا عَلَيْهِمْ أَنِ اقْتُلُواْ أَنفُسَكُمْ أَوِ اخْرُجُواْ مِن دِيَارِكُم مَّا فَعَلُوهُ إِلاَّ قَلِيلٌ مِّنْهُمْ وَلَوْ أَنَّهُمْ فَعَلُواْ مَا يُوعَظُونَ بِهِ لَكَانَ خَيْراً لَّهُمْ وَأَشَدَّ تَثْبِيتاً {66} وَإِذاً لَّآتَيْنَاهُم مِّن لَّدُنَّـا أَجْراً عَظِيماً {67} وَلَهَدَيْنَاهُمْ صِرَاطاً مُّسْتَقِيماً {68}) (النساء).
رابعاً: الدعاء بمعنى سؤال الله تبارك وتعالى الهداية.
خامساً: التوبة والإنابة إلى الله عز وجل؛ (وَيَهْدِي إِلَيْهِ مَنْ أَنَابَ {27}) (الرعد).
سادساً: المجاهدة؛ والمجاهدة أنواع: فمجاهدة النفس، ومجاهدة الشيطان، ومجاهدة الأعداء، فعلى المسلم أن يكابد نفسه، ويأطرها على سلوك طريق الخير، ويعلمها أن طريق الجنة محفوف بالمكاره، قال تعالى: (وَالَّذِينَ جَاهَدُوا فِينَا لَنَهْدِيَنَّهُمْ سُبُلَنَا وَإِنَّ اللَّهَ لَمَعَ الْمُحْسِنِينَ {69}) (العنكبوت).
سابعاً: الصحبة الصالحة، قال الله عز وجل: (لَهُ أَصْحَابٌ يَدْعُونَهُ إِلَى الْهُدَى) (الأنعام:71).
ثامناً: الحرص على كتاب الله: تلاوة وحفظاً وتدبراً وفهماً، فبه ينشرح الصدر، ويستنير القلب.
تاسعاً: المداومة على ذكر الله تعالى: فهو جلاء القلوب وشفاؤها، ودواؤها عند اعتلالها، بل هو من أحسن ما يربِّي به المسلم نفسه على مراقبة الله تعالى، فتُقلع عن السيئات، قال تعالى: (إِنَّمَا الْمُؤْمِنُونَ الَّذِينَ إِذَا ذُكِرَ اللّهُ وَجِلَتْ قُلُوبُهُمْ) (الأنفال:2)، وقال تعالى: (أَلاَ بِذِكْرِ اللّهِ تَطْمَئِنُّ الْقُلُوبُ {28}) (الرعد)(10).
ومن الأسباب على سبيل الإجمال:
الخشية لله عز وجل والإخلاص في الالتزام بالطاعة والبعد عن المعصية، والبراء من الكافرين، والخوفْ من سوء العاقبة، وتذكّر الموت والحساب والدار الآخرة.
فهلا حاول كل منا أن يحقق في نفسه هذه الأسباب أو بعضا منها؟!
أسباب الضلال
وكما أن للهداية أسبابها فللضلال أيضاً أسبابه، نشير إليها بإيجاز:
صم الحواس عن النظر والتفكر، واقتراف الذنوب والمعاصي، واتباع الهوى، وطاعة العصاة والمسرفين، وطاعة النفس والشيطان، وبالجملة فمن يعرض عن أسباب الهداية يقترب من الضلال.
فإذا أردنا الهدى فلا بد أن نأخذ بأسبابه ونتجنب أسباب الضلال، ولا نتمسك إلا بالكتاب والسُّنة الصحيحة نعض عليهما بالنواجذ، علنا ننجو من الهلاك.