تشتعل وسائل الإعلام بأخبار تورط قادة الانقلاب في مصر في الحرب الدائرة في الجنوب السوداني؛ بإرسال أبناء الجيش المصري للقتال ضمن قوات الحكومة (سلفا كير) ضد المعارضة وقد قُتل 14 جندياً مصرياً، وأُسِر 12 آخرون (ضابطان برتبة نقيب، وعشرة جنود) إضافة إلى أسرى آخرين من حركة “العدل والمساواة” التي تقاتل ضد حكومة السودان في دارفور.
هكذا أكدت صحف السودان “الانتباهة”، و”الصحافة”، و”أعالي النيل”، و”بوابة النيلين” التي تصدر في العاصمة السودانية الخرطوم.
والمسألة لا تنحصر في كتيبة مقاتلة أرسلها قادة الانقلاب للقتال في صفوف قوات جنوب السودان، ولكن الأمر يشير إلى تحالف ثلاثي ظهر على السطح بين دولة جنوب السودان، وقوات المتمردين في دارفور (حركة العدل والمساواة)، ونظام الانقلاب الدموي في مصر.. وهو تحالف موجه ضد دولة السودان (الخرطوم) بامتياز، فالسودان مازال العدو التاريخي لحكومة “سلفا كير” في الجنوب، وهي حكومة يحتضنها الكيان الصهيوني، ونظام “حسني مبارك” كان أحد الداعمين بقوة لتقسيم السودان ونشأة دولة جنوب السودان، جنباً إلى جنب مع الكيان الصهيوني والغرب الاستعماري.
ولا ننسَ تلك السنوات الطويلة من الحروب الدامية التي خاضتها قوات “جون جارانج”، و”سلفا كير” مدعومة من الصهاينة والولايات المتحدة؛ سعياً لتمزيق السودان، وبعد أن أنهكت تلك الحروب الدولة السودانية اضطرت للقبول بالتقسيم، وكان نظام “مبارك” ضمن منظومة الضغط والحصار على السودان.
واليوم نفاجأ بمواصلة قادة الانقلاب لنفس الدور الذي كان يقوم به نظام “مبارك” في التخديم على مخططات إسقاط السودان، وظهور هذا التحالف الثلاثي في جنوب السودان (قوات مصرية – قوات المتمردين في دارفور – قوات جنوب السودان) يلقي بظلال من الشك عن إمكانية ظهوره مقاتلاً في دارفور ضد الحكومة السودانية ولو بصورة غير مباشرة، ولا جدال في أن ذلك التحالف إن بقي في الجنوب فسيكون قوة إضافية تقدم له الدعم في صراعه المستمر مع الخرطوم.
وفي الوقت الذي نفاجأ فيه بتورط الجيش المصري في جنوب السودان؛ نفاجأ بتهديدات تنطلق ضد الجزائر الشقيقة باجتياحها، وقبل ذلك ما تردد من أنباء عن تورط قادة الانقلاب في المحاولة الانقلابية الفاشلة في ليبيا، وقبل ذلك التهديدات المتواصلة بضرب “حماس”.. وكل ذلك يصب في هدف واحد هو “غرز” الجيش المصري في مستنقع الحروب الخارجية، وهي مغامرات تنهك الجيوش وتفككها؛ وذلك يضع الدولة في مهب ريح المخططات الاستعمارية الطامعة.. وذلك عين ما يتوق الكيان الصهيوني لتحقيقه.
ربما يكون شيطاناً من شياطين تخريب البلاد قد أشار على قادة الانقلاب إبعاد الجيش عن الساحة الداخلية، ليس بالعودة لحراسة الحدود، ولكن بتوريطه في مغامرات وحروب خارجية حتى تتضاءل فرص أي انقلاب جديد.. فإشغال قوات الجيش بحروب خارجية، وإشغال الموجودة في الداخل بالحرب على الشعب في سيناء وشوارع القاهرة والمحافظات؛ لن تدع لأحد فرصة لمن يفكر في انقلاب، فالبلاد تخوض- في عرفهم – حرباً مقدسة في الداخل ضد أكذوبة كبرى اسمها “الإرهاب”، وتستعد لخوض حروب مقدسة في الخارج، ولا ندري ستكون تحت أي عنوان، وإعلام العار يسوق ويروج ويقلب الحقائق بلا رحمة.
إن الملاحظ منذ الانقلاب أن هناك عملية متواصلة لتوريط الجيش المصري في مستنقعات خطيرة داخلية وخارجية، فقد تم توريط الجيش في مجزرتي رابعة والنهضة، والقتال المتواصل ضد أهلنا في سيناء، وقد أسس ذلك حالة من الكراهية والعداء من غالبية الشعب المصري للانقلاب وقواته.
وفي التحليل الأخير، فإن ذلك يمهد الطريق نحو إسقاط الدولة المصرية.. بعد تفكيك جيشها أو إضعافه – على الأقل – وإفقار شعبها وإشعال حروب الكراهية بين أبنائها لتسقط مصر- لا قدر الله – مثل العراق في قاع البئر.. تحت الصفر وأكثر! لقد فعل الاستعمار الغربي الصهيوني ما فعل بالعراق عبر احتلاله بالقوة الغاشمة، ولكنهم في مصر خططوا ليقوم جيش الانقلاب بالمهمة دون أن يكلفهم ذلك مقتل جندي منهم.
إنه مخطط شامل لتطويع المنطقة كلها بشعوبها ومقدراتها وثرواتها وأرضها بعد تدمير جيوشها، لكن الشعب المصري يعي كل ما يدور، فالشعب الذي انتفضت كل الشرائح من أبنائه من كل الأجيال والأعمار والطبقات ومازال يقدم تضحيات غالية من أرواح ودماء أبنائه من المستحيل أن تقهره قوة بإذن الله تعالى.