لعل من أول المواقف التي تلفت النظر في قصة فرعون موسى والسيسي هو أن كلاهما قسَّم الشعب إلى شيع وفئات
قبل أن أسرد عليكم مقالي هذا، أحب أن أنوه إلى أن الله عز وجل ساق لنا قصص القرآن لنتعلم منها الدروس ونأخذ منها العبر, وأن هذه القصص لا يمكن أبداً أن تظل حبيسة الزمن التي أنزلت فيه، فلا نستشهد بها ولا نعي دروسها، فقد قال الله عز وجل: (لَقَدْ كَانَ فِي قَصَصِهِمْ عِبْرَةٌ لِّأُوْلِي الأَلْبَابِ) (يوسف:111).
وحين نتحدث ونستشهد من القصص القرآني، فالغرض ليس مقارنة أشخاص، بل هي مقارنة أحداث لنعي منها جيداً أين الحق وأين نضع أقدامنا، (فلا يقولن جاهل: إني أقارن نبي الله موسى بمرسي، فمعاذ الله أن يتساوى نبي ورجل عادي في القدر والمكانة)، بل نقارن أحداثاً في السطور التالية بين قصة فرعون موسى (مرنبتاح رمسيس) كما أرَّخ البعض، وقصة الفرعون الحالي (عبد الفتاح السيسي)، وبغض النظر عن التشابه أيضاًَ في رسم الأسماء (موسى – مرسي)، وبغض النظر عن أن سيدنا موسى ولد في الشرقية بحسب كلام المؤرخين، وكذلك ولد الرئيس مرسي في الشرقية.. إلا أنني لن أناقش الأمر من هذه الجهة، فلا يعنينا نقطة الأسماء والأماكن بقدر ما تعنينا المواقف والأحداث التي نتعلم منها الدروس ليعي الناس جيداً مواضع أقدامهم حتى لا يكونوا من أنصار فرعون العصر، أو يكونوا من أولئك الذين يتباهون بالفرعنة والفراعين، ويقربون السحرة والكهنة والفسدة ويظلمون الناس ويقسّمون الشعب قطاعات ليستعبدوهم ويبيحوا لأنفسهم قتل الشباب واغتصاب النساء, والإفساد في الأرض.
* لعل من أول المواقف التي تلفت النظر في قصة فرعون موسى والسيسي هو أن كلاهما قسَّم الشعب إلى شيع وفئات؛ من أجل أن يسهل استعباده واستضعاف طوائف منه ثم وصفهم بكل نقيصة، واستحلال قتلهم واستحياء نسائهم، وهو ما فعله السيسي, وعصابته، حيث ادعوا أن الشعب معهم وأن من يعارضه هم مجرد أقلية قليلة مارقة، عمد إلى مطاردتها، وقتل أبنائها، واستحياء نسائها.. وهو فعل مماثل تماماً لما قام به الفرعون السابق… (إِنَّ فِرْعَوْنَ عَلَا فِي الْأَرْضِ وَجَعَلَ أَهْلَهَا شِيَعاً يَسْتَضْعِفُ طَائِفَةً مِّنْهُمْ يُذَبِّحُ أَبْنَاءهُمْ وَيَسْتَحْيِي نِسَاءهُمْ إِنَّهُ كَانَ مِنَ الْمُفْسِدِينَ {4}) (القصص).
* ثم نرى تشابهاً آخر في الأحداث خاصاً بعملية استخفاف فرعون بعقول أتباعه، وهم مع ذلك يتبعونه في جهل مطبق، وتحيز عجيب, فحين كان فرعون يخبرهم أنه الإله، وأنه يمكنه أن يبني صرحاً ليطلع إلى إله موسى ليراه، كان السيسي يخبر أنصاره بالشيء ويفعل عكسه في كذب صريح، ثم تتوالى الفضائح مروراً بالكفتة والتسريبات، ووصولاً إلى تصريحه بإلغاء الدعم, وإفقار الشعب والتضحية بجيلين منه، بالإضافة إلى تبشير مؤيديه بأنهم سيذهبون للعمل سيراً على الأقدام وسيستيقظون من الفجر، وأنه لا يعرف رحمة، وأن ما لا يرضي الله فهو يدعمه ويؤيده! ومع ذلك تراهم مهللين مطبلين راقصين! ألا ينطبق عليهم ما قاله الله عن أنصار الفرعون الأول: (فَاسْتَخَفَّ قَوْمَهُ فَأَطَاعُوهُ إِنَّهُمْ كَانُوا قَوْماً فَاسِقِينَ {54}) (الزخرف)؟
* ثم نأتي لتشابه آخر خاص بدعوته للحشد لمواجهة موسى، لقد استخدم السيسي تقريباً نفس العبارات التي استخدمها الفرعون:
– فقال السيسي: “فوضوني”؛ لكي ينقلب على مرسي ويقتل أنصاره، وقد اختار حجته؛ “إني أخاف أن يغير هوية مصر”؛ (وَقَالَ فِرْعَوْنُ ذَرُونِي أَقْتُلْ مُوسَى وَلْيَدْعُ رَبَّهُ إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ {26}) (غافر).
– ورأينا كيف حرض السيسي على الحشد في 30 يونيو، وكيف كان الفلول أثناء ذلك وبعده يحشدون له السيارات المحملة من المدن والقرى ليجمعهم فيكوّن حشداً يستطيع من خلاله أن يبرر الخيانة والمذابح الآتية، ويوضح لأنصاره أنهم أكثر عدداً وأنهم المواطنون الشرفاء، وأن أتباع مرسي ما هم إلا جماعة قليلة لا تقارن بشعب السيسي المختار! ثم نرى القرآن يكلمنا عن حدث مماثل لنعتبر (فَأَرْسَلَ فِرْعَوْنُ فِي الْمَدَائِنِ حَاشِرِينَ {53} إِنَّ هَؤُلَاء لَشِرْذِمَةٌ قَلِيلُونَ {54}) (الشعراء)، وفي آية أخرى: (وَقِيلَ لِلنَّاسِ هَلْ أَنتُم مُّجْتَمِعُونَ {39}) (الشعراء).
– خرج السيسي يتهم دين مرسي وأنصاره ويصفهم بالتشدد والإرهاب، وخرج كهنته يصنفون مرسي والإخوان بالخوارج، وخرجت الراقصات على الشاشات مدعين علم الدين الصحيح، وخرج المطربون يغنون “لنا رب ولكم رب”! ثم نعود لقرآننا فنرى حدثاً مشابهاً، في قصة نبي الله موسى لنعتبر, حيث قال فرعون: (إِنِّي أَخَافُ أَن يُبَدِّلَ دِينَكُمْ أَوْ أَن يُظْهِرَ فِي الْأَرْضِ الْفَسَادَ {26}) (غافر).
– ورأينا استشهاد السيسي وإعلامه بأحداث قديمة ليلقها على الإخوان ويصنفهم إرهابيين ومفسدين في الأرض, ومن تلك الاستشهادات الغريبة اتهام الإخوان بأنهم قاوموا وقتلوا جنود الاحتلال الإنجليزي في قناة السويس! أو الادعاء بأنهم قتلوا النقراشي أو غيره! الآن تعالوا لنشاهد حدثاً مماثلاً حين ذكر الفرعون سيدنا موسى بقتله للمصري: (وَفَعَلْتَ فَعْلَتَكَ الَّتِي فَعَلْتَ وَأَنتَ مِنَ الْكَافِرِينَ {19}) (الشعراء).
* نقطة تشابه أخرى في الأحداث نسوقها للعبرة، ولكن هذه المرة التشابه متعلق بالأتباع، فبعض أتباع مرسي قاموا باتهامه بالضعف والتسبب في قتلهم وإيذائهم, فقد قُتل شباب الإخوان في الاتحادية، وأمام المقرات التي أحرقها الخصوم، لقد أوذوا من قبل أن يصل للسلطة وأوذوا أيضاً وهو في السلطة، بل أوذوا أكثر بعد أن وصل للسلطة! وهنا نرى آية في القرآن تتحدث عن حدث مشابه في قصة نبي الله موسى حين قال من اتبعوه: (قَالُواْ أُوذِينَا مِن قَبْلِ أَن تَأْتِينَا وَمِن بَعْدِ مَا جِئْتَنَا) (الأعراف:129)، فكان رده: (قَالَ عَسَى رَبُّكُمْ أَن يُهْلِكَ عَدُوَّكُمْ وَيَسْتَخْلِفَكُمْ فِي الأَرْضِ فَيَنظُرَ كَيْفَ تَعْمَلُونَ {129}) (الأعراف).
* ومما لا شك فيه أن إعلام التيار الإسلامي لا يقارن بإعلام السيسي، خاصة بعد أن أغلقت الفضائيات الإسلامية، فكانت المسيرات اليومية تشكل حملات توعية مستمرة للشعب، لعلي أشبهها في الأثر بعصا موسى عليه السلام، تلقف ما يأفكه السحرة من خبثاء الإعلام ومضلليه.
* ثم نرى نقطة تشابه أخرى في الأحداث، وهي أن ميزان القوى المادية كان لصالح فرعون وجنوده، كما هي الحال أيضاً في ميزان القوى المادية الآن, وهنا نصح نبي الله موسى قومه: (اسْتَعِينُوا بِاللّهِ وَاصْبِرُواْ إِنَّ الأَرْضَ لِلّهِ يُورِثُهَا مَن يَشَاءُ مِنْ عِبَادِهِ وَالْعَاقِبَةُ لِلْمُتَّقِينَ {128}) (الأعراف).
وفي النهاية أحبتي الكرام، نسأل الله العلي القدير أن يرزقنا الصبر والعزيمة، وأن ينصر الله مرسي ومن معه كما نصر موسى عليه السلام ومن معه، قال ربي: (وَنُرِيدُ أَن نَّمُنَّ عَلَى الَّذِينَ اسْتُضْعِفُوا فِي الْأَرْضِ وَنَجْعَلَهُمْ أَئِمَّةً وَنَجْعَلَهُمُ الْوَارِثِينَ {5} وَنُمَكِّنَ لَهُمْ فِي الْأَرْضِ وَنُرِي فِرْعَوْنَ وَهَامَانَ وَجُنُودَهُمَا مِنْهُم مَّا كَانُوا يَحْذَرُونَ {6}) (القصص).