د. سنان أحمد
لكل شعوب الشرق شخصيات فكاهية عديدة، أشهرها شخصية “جحا”، أو “الملا نصر الدين” كما يسميه الأتراك والإيرانيون، و”جحا” مشهور بحماقاته المفتعلة التي تثير السخرية والتندر والضحك لدى الجمهور، وهو لا يفارق حماره أبداً، وقد ظلت حماقات هذا المسكين في دائرة الفكاهة، ولم تخرج إلى الوقاحة والخراب والتدمير وسفك الدماء.
إن الحماقة السياسية هي أبرز سمات جمهرة ملالي إيران الذين يمتطون مبادئ التشيُّع في سبيل تحقيق حلمهم القديم بإرجاع المجد الفارسي المندثر، والتي عبروا بها إلى دائرة الوقاحة والتطاول على دول الجوار وتخريبها.
والحماقة السياسية ليست بالظاهرة الجديدة في التاريخ، فعندما أعلن “هتلر” الحرب على الاتحاد السوفييتي بعد انتصاراته السريعة في بدايات الحرب العالمية الثانية، كانت تلك الحماقة الأكبر التي جرت على ألمانيا الويلات والدمار، ولن تنسى كذلك أجيالنا حماقات “عبدالناصر” وعنترياته الجوفاء عندما هدد وتوعد بإلقاء “إسرائيل” في البحر، ليجد العرب المفجعون بتلك المهاترات أنفسهم أمام أقسى هزيمة في تاريخهم المعاصر، ولم يتعلم تلميذه النجيب “صدام حسين” شيئاً من تلك الحماقات عندما غزا الكويت عام 1990م ليدخل بلده والمنطقة في أقسى المتاهات حتى الآن.
والملالي في إيران رغم إجادتهم لأصول اللعبة السياسية واستغلالهم للدلال الغربي – الصهيوني لهم، ورغم كل الشعارات التي تنادي بالموت لأمريكا و”إسرائيل”، فإن سياستهم الحمقاء لم تجلب إلا الوبال والموت والدمار وللشيعة العرب خصوصاً ولتخلف بلدهم ومعاناته في كل المجالات، ناهيك عما يتركونه من دمار في كل منطقة يدخلونها، وأهم سمات هذه الحماقة التبجح بالقوة والسيادة التي امتدت من جنوب العراق إلى اليمن مروراً بالهلال الخصيب، وكأنما مد أذرع الخراب والتدمير هنا وهناك هي من أبواب السيادة بدل نشر البنيان والحضارة، ومد يد المساعدة للشعوب، فما الذي حصده أهل هذه البلاد غير الدمار والخراب والقتل والتدمير واللطم والبكاء والنواح وشق الجيوب؟!
ففي الوقت الذي كان العالم فيه يقف مذهولاً أمام حجم الفساد الموجود في العراق، وما صاحب ذلك من هزيمة قاسية لجيش يبلغ تعداده أكثر من مليون شخص أمام مجموعات مسلحة لا يعرف أحد من أين وكيف دخلت العراق! وبدل أن ينتقد كبير الملالي والولي الفقيه ما يحدث في العراق وبالقرب من مراقدهم المقدسة من فساد لا يوصف؛ راح يصرح بأنه سيدعم الحكومة الجديدة كما دعم حكومي “المالكي” (الغائب الحاضر) وبكل السبل!
أي أنه كان داعماً لأكبر عملية فساد في التاريخ الحديث، بدون أن يدري أن ذلك من باب الحماقة ليس إلا، أوليس هذا التصريح “جحوياً” بامتياز؟! ففي نظر الولي الفقيه لا يبدو الفساد مهماً طالما أن أصابعه طالت بغداد والنجف والبصرة، وأنه يوقع عقوداً بمبالغ خيالية مع مافيا الحوزات العلمية لصالح الجيب الإيراني! حتى إن آخر التقارير تشير لصرف ألف مليار دولار في العراق منذ عام 2003م، ولم يحصد العراقيون إلا الويلات والدمار والخراب.
إن كل تصريحات المسؤولين الإيرانيين مثيرة للسخرية ولا تعبر إلا عن حماقة سياسية لا مثيل لها، وتصرفات “جحوية”؛ حيث يظهر نائب رئيس الأركان حسين سلامي في قاعة كبيرة للاحتفالات وعلى المنصة خلف متراس من أكياس الرمل وفي مشهد كاريكاتيري إلى أقصى الحدود؛ ليصرح بأن موازين القوى قد تغيرت في المنطقة لصالح إيران بعد تشكيل المليشيات الموالية لإيران في العراق، ولم نسمع تصريحاً واحداً عن السلام والإعمار وما يمكن أن تنتظره المنطقة من استقرار، ولو أن هذا الرجل أدرك الحماقة السياسية التي ارتكبها بهذا التصريح وما يمكن أن يجره عليه وعلى مملكة الولي الفقيه من تبعات لمات كمداً، وأعجب العجب ما يقال عن حماقة وليست وقاحة حزب البعث الاشتراكي العلماني، فإن تصريحات السيد ولي الفقيه “الجحوية”، قد رفعته إلى مصافي الممانعة والمقاومة، رغم عدم إطلاقه لقذيفة واحدة تجاه “إسرائيل” لمدة نصف قرن، ولو كان للسيد ولي الفقيه حس سياسي بعيد عن عقد الماضي والتخلي عن روح الانتقام والثأر؛ لما نطق بحرف واحد عن ممانعة “بشار الأسد”، وما تركت سياسته الحمقاء بسورية غير الخراب والدمار وملايين المشردين، ولكن المهم بأنها منطقة فيها نفوذ إيراني رغم أنها الأكثر خراباً في العالم!
وأما منطقة النفوذ الأخرى “لبنان”؛ فقد أشار أحد التقارير الأخيرة عن حصاد عام 2014م بأن سكان هذا البلد هم الأكثر تشاؤماً بين سكان العالم، رغم وجود زعيم “حزب الله” الذي لا يبخل علينا بتصريحاته العنترية بين الفينة والأخرى والتي لا تصب إلا في الخانة “الجحوية” للملا نصر الدين، ولم تجلب إلا الدمار والفوضى لهذا البلد والتبعية المهينة للولي الفقيه الذي تملأ صوره مناطق الجنوب اللبناني المنكوبة.
وأما صورة اليمن السعيد؛ فصارت مثاراً للسخرية والتندر بعد أن امتدت يد الولي الفقيه إلى أصدقائه الحوثيين هناك، وصاروا مادة للقتل والتفجيرات وهم يخربون البلد ويعلنون الحرب على أمريكا و”إسرائيل” من صنعاء وباب المندب! حيث اكتشفوا أخيراً بأن تحرير القدس يبدأ من صنعاء، والصورة قاتمة وأنت تشاهد أصحاب “الدشاديش” المهلهلة والأحذية الممزقة وهم يمضغون القات ويهتفون الموت لـ”إسرائيل” وأمريكا، وكأنما محاربة أمريكا و”إسرائيل” بالشعارات الجوفاء، ولو أن الأموال المهدورة هناك تم صرفها على شراء “الدشاديش” والأحذية لهؤلاء المغرر بهم وتعليمهم حرفة يقتاتون بها بدل مضغ القات لكان الأمر أفضل بكثير.
إن الأمور السياسية التاريخية لا تحسم بسنة أو سنتين أو حتى عشر سنين، فلا يفرح السيد ولي الفقيه بهذه السياسات الحمقاء، ولا تأخذه العزة بالإثم؛ فيصدر يومياً تصريحات جوفاء لا معنى لها، وعندما يأخذ التاريخ مجراه سيدرك أحفاد الملا نصر الدين أن أقوالهم وأفعالهم ما هي إلا مجموعة من الحماقات ستؤدي بإيران ومن والاها إلى نهاية مظلمة كما آل الأمر بـ”هتلر”، و”موسوليني”، و”عبدالناصر”، و”صدام”.
لقد كان الملا نصر الدين رجلاً أحمق سليم النية، ولكنه عندما عمل بالسياسة تحول إلى رجل وقح، فالسياسة الرعناء تحول الحماقة إلى وقاحة سواء شعر المرء بذلك أم لم يشعر، فالذي يصرح بأن سيطرة طهران صارت على أربع عواصم عربية، عليه أن يدرك بأن هذه العواصم غارقة في الدماء والفوضى والخراب، وما هو قادم من مغامرات عنترية وحماقات سيزول مع الزمن كما زالت الدولة العبيدية الفاطمية على يد صلاح الدين الأيوبي عام 1167م، وإن غدا لناظره لقريب.