قضت محكمة النقض المصريةأمس(الأربعاء) بإلغاء الحكم الصادر من محكمة جنايات الجيزة (دائرة الإرهاب)، بإعدام 183 متهماً من أبناء قرية (كرداسة) بالجيزة من بينهم (الحاجة سامية شنن 55 عاماً)، بالإضافة إلى الأشغال الشاقة لمتهمين آخرين، فيما عُرف بقضية “اقتحام قسم شرطة كرداسة”، وإعادة المحاكمة أمام دائرة أخرى.
كما ألغت المحكمة الإدارية العليا أيضاً، حكماً يقضي بفصل 17 طالباً من جامعة الأزهر من رافضي الانقلاب، بما يفتح الباب – حسب حقوقيين – أمام المزيد من الأحكام الإيجابية لطلاب آخرين في نفس السياق.
وكانت “النقض” قد ألغت سابقاً أحكام قضايا أخرى لأهالي “كرداسة”، بلغ مجموع الأحكام الكلية فيها بإعدام 223 شخصاً، والسجن لآخرين، أصدرها القاضي المعروف “محمد ناجي شحاتة”، حيث أصدرت محكمة الاستئناف لاحقاً قراراً بتنحية هذا المستشار سيء السمعة، عن إحدى القضايا المنظورة أمامه، وهي سابقة لها دلالتها، لم تحدث في القضاء المصري منذ أكثر من ثلاثين عاماً.
وفي الثالث من ديسمبر الماضي، ألغت “النقض” حكم ما يعرف إعلامياً بقضية “غرفة عمليات رابعة”، المتهم فيها المرشد العام للإخوان المسلمين د. محمد بديع وقضت المحكمة بإعدامه و13 آخرين، أغلبهم أعضاء بمكتب الإرشاد العام، وأيضاً المؤبد لـ 33 آخرين، دون أن تقدم المحكمة أي دليل إدانة ضد هؤلاء.
نقطة ضوء
ويعبر بعض خبراء القانون والناشطين الحقوقيين عن ارتياحهم لقبول نقض هذه الأحكام وإعادة المحاكمة، باعتبار ذلك يشكّل “نافذة ضوء” لاستعادة القضاء المصري صورته وهيبته، وشعور المجتمع بعدم انهيار دولة القانون، وهو ما كان يفتح الباب أمام “حالة فوضى”، لا يمكن توقع تداعياتها.
ويرى هؤلاء أن الهدف من “الأحكام المرعبة” الأولى كان إحداث أكبر قدر ممكن من “الصدمة والرعب” لدى مؤيدي الشرعية والناشطين الثوريين، المطالبين باحترام إرادة الشعب، وعودة الرئيس المنتخب د. محمد مرسي، والدستور الذي وافق عليه الشعب في استفتاء عام، بما يؤدي إلى إيقاف الحراك الثوري تماماً، وخضوع الجميع للانقلاب، بسيف الإعدامات والسجن المؤبد والقمع الأمني المصاحب لهذه الأحكام.
ويشير هؤلاء أيضاً إلى أن أحكام الإعدامات “المفزعة”، كان واضحاً منذ البداية أنها تخالف القانون، وأنها سوف تلغى في الدرجة التالية للمحاكمة، غير أن سلطات الانقلاب رأت أن تستمر في هذا الطريق، على أمل إحباط الثوار وإيقاف الثورة، غير أن صمود الثوار حتى الآن، خصوصاً تلك في الأماكن التي طالتها بشدة هذه الأحكام، (كرداسة على سبيل المثال من أعلى المناطق المستمرة في الثورة بكل قوة حتى الآن)، هذا الصمود أعطى رسالة واضحة للانقلاب، مفادها أن هذه الأحكام الظالمة لن توقف الثورة ولن تضعف الثوار، وجاء الدور الطبيعي ليتم إلغاء هذه المحاكمات الجائرة في “النقض”.
رأي آخر
غير أن آخرين من القانونيين والمراقبين أيضاً يقللون من هذا الشعور بالارتياح، ويبدون مزيداً من القلق والمخاوف، ومنهم من يلفت النظر إلى أن إلغاء محكمة “النقض” للأحكام يأتي بسبب خطأ “الإجراءات” السابقة على الحكم، وليس بسبب سوء هذه الأحكام من عدمه أو مدى مطابقتها للقانون، وبالتالي لو أتيحت “إجراءات سليمة” فربما قبلت المحكمة الحكم وأصبح نهائياً، وهو ما حدث في قضية “محمود رمضان”، وقضية “عرب شركس”، حيث وافقت “النقض” على الأحكام، وتم إعدام المتهمين السبعة!.
نقطة أخرى يشير إليها أصحاب هذا الرأي، وهي أن دور محكمة “النقض” في حالة إلغاء الحكم، ينحصر في “إحالتها إلى دائرة أخرى من “دوائر الإرهاب”، ربما لا تكون أفضل حالاً من تلك الدائرة التي أصدرت الحكم الملغي”، وهو ما حدث بالفعل، حيث أصدرت الدائرة الجديدة في إحدى القضايا “نفس الحكم” الذي أصدرته الدائرة الأولى، دون أي تعديل!
صحيح أنه في هذه الحالة تقوم محكمة النقض، في حالة “إلغاء الحكم للمرة الثانية”، بدور “محكمة الموضوع”، أي تقوم بنفسها بالفصل في الدعوى المعروضة وفقاً للقانون، ولكن هل تستطيع “النقض” نظر كل القضايا التي يحدث فيها ذلك، بالنظر إلى كونها “دائرتين فقط”، وكل دائرة تجتمع مرة واحدة كل أسبوعين؟!
يذكر أن “محكمة النقض” هي أعلى درجات المحاكم في مصر، وهي التالية بعد الجنايات، والدرجة الثالثة بعد الجنح، كما أن “المحكمة الإدارية العليا” هي الدرجة التالية لمحاكم “القضاء الإداري”.