جاء في الأخبار أن عدداً من الأدباء والمثقفين دعوا جميع زملائهم إلى المشاركة في الوقفة الاحتجاجية التي دعوا إليها مساء الثلاثاء 23/ 2/ 2016م، لحرق أعمالهم وكل ما يتعلق بإبداعهم أمام دار القضاء العالي، وتأتي هذه الدعوة اعتراضاً على الحكم القضائي الذي صدر بحق الصحفي أحمد ناجي بالحبس سنتين وغرامة 10 آلاف جنيه لآخر بسبب رواية «استخدام الحياة» التي نشر جزءاً منها بصحيفة “أخبار الأدب” الحكومية التي يعمل بها، تضمن وصفاً إباحياً (بورنو) لعلاقة جنسية بين رجل وفتاة بشكل سافر وصادم وبذيء.
ورأى هؤلاء الأدباء والمثقفون أن الحكم القضائي بمنزلة تعدٍّ على الدستور المصري الذي يمنع عقوبة الحبس في جرائم النشر، وقال الخبر: إن دعوة «احرق عملك الإبداعي» التي يتم الحشد لها، لقيت قبولاً واسعاً بين الأدباء والمثقفين، هناك أخبار أخرى تحدثت عن تضامن جهات عديدة مع الكاتب المذكور، وهناك من دعا إلى تشكيل وفد لمقابلة النائب العام لإخراج المحبوس من السجن، وانتشرت مقالات في الصحف ولقاءات إعلامية تستنكر حبس الكاتب الإباحي بوصف ذلك اعتداء على الحرية، ومحاكمة للخيال والإبداع!
قرأت المنشور من كتابة “البورنو” التي يسمونها رواية، فلم أجد أدباً ولا لغة ولا صياغة فنية، ولا بلاغة في التعبير، ما وجدته كان وصفاً رديئاً ركيكاً هابطاً لعلاقة حميمة؛ قال أحد شهود الكاتب: إنه لا يستطيع أن يقرأها أمام القاضي ولا أمام أحد من أسرته!
في السينما الغربية على سبيل المثال ينتجون أفلاماً إباحية (بورنو) لا يمكن عرضها على عموم الناس بل يضعون مواصفات معينة لعرضها، ويتفقون ضمنياً أنها خارج نطاق ما يسمى الفن وحرية التعبير، مراعاة لآداب المجتمع وقيمه ومواضعاته، وفي تراثنا العربي مؤلفات عديدة تتناول العلاقة الحميمة وتؤصل لها في سياق علمي أو أدبي غير مثير، وكان الأزهر في زمنه الزاهر يضعها ضمن مقرراته لطلاب المرحلة الابتدائية (الإعدادية الآن) وما بعدها دون أن تحدث صدى أو جلبة، وهو ما يختلف تماماً عما يريد الشيوعيون والعلمانيون فرضه على ثقافتنا وواقعنا الراهن.
في سياق عملية تدمير البلاد والعباد التي يقوم الصهاينة والصليبيون بالتخطيط لها وتوجيهها تتم عملية إلهاء واضحة عن القضايا الكبرى التي تتعلق بالحريات العامة والكرامة الإنسانية والعدالة الاجتماعية والشورى والعمل والإنتاج، وتتخذ من مثل هذه الموضوعات التي يصوغها خدام الأنظمة العسكرية الفاشية أو الباحثين عن الشهرة وسيلة لينشغل الناس عن الغلاء والقرارات الاقتصادية المؤلمة التي تعصف بالفقراء، والأحكام السياسية الظالمة التي تتضمن الإعدامات الجماعية التي طالت الأطفال، والسجن المؤبد للشرفاء والنبلاء من المطالبين بالحرية والحكم الرشيد.
للأسف، فإن خدام الفاشية والباحثين عن الشهرة يتصدرون المشهد الثقافي والأدبي، ويتيح لهم النظام العسكري الفاشي أن يطلوا على الناس صباح مساء في الإعلام والصحافة والمنتديات، لإحداث الصخب، والترويج لطغيانه وحكمه الدكتاتوري، وتبرير جرائم القتل والاعتقال ومصادرة الحريات والأموال والممتلكات، فضلاً عن محاربة الإسلام وقيمه وتراثه، والوقوف ضد الشعب المظلوم.
خدام الأنظمة الفاشية لا يعنيهم أمر الأمة ولا الشعب ولا الحرية، هم معنيون بإشباع حاجاتهم البيولوجية والاستمتاع بالمال الحرام، وإزجاء الفراغ في المقاهي والخمارات، ثم الخروج ببيانات الشجب والاستنكار والدعوة لتجديد الخطاب الديني وهجاء مادة ازدراء الأديان!
كانت المحكمة قد حكمت ببراءة الصحفي المذكور عقب إدلاء ثلاثة من الكتاب اليساريين بشهادتهم لصالحه، ولكن النيابة استأنفت على الحكم؛ لأن ما كتبه إباحية صريحة (بورنو)، فحكمت في الاستئناف بالحبس سنتين، وهنا قامت القيامة، وكان حرق الكتب عنواناً لها، والمفارقة أن الشيوعيين وأشباههم مازالوا يكيدون للإسلام والمسلمين من خلال ما روي عن حرق كتب ابن رشد في الأندلس، بل يصرون على إسناد حرق مكتبة الإسكندرية لعمرو بن العاص بعد فتح مصر، وفي عصرنا الانقلابي ينسبون حرق مكتبة هيكل للإسلاميين مع أن الجناة لا يعرفون شيئاً عن الإسلام، ويتجاهلون حرق مكتبة د. محمد عباس!
فليحرقوا كتبهم رمزياً أو كلياً، لن يخسر القارئ شيئاً؛ لأن كتاباتهم رديئة ولا تحمل قيمة إنسانية أو أدبية أو فنية، إنهم “هالوك” أفسد الأدب والفكر والحياة، لا يملكون ثقافة حقيقية، ولا فكراً ناضجاً، ولا مواهب متميزة، اللهم إلا مواهب الدجل والشعوذة الثقافية والسطو على منابر النشر وخزانة وزارة الثقافة بالقانون أو الفهلوة السمجة! ومع ذلك لا نؤيد حرق الكتب ولو كانت سطحية أو تافهة؛ لأن الكتاب بالنسبة للقارئ الحقيقي رمز للثقافة والمعرفة أياً كانت قيمته.
خدام الأنظمة هؤلاء لا يؤمنون بحرية الفكر وحق التعبير لغيرهم، وقد رأينا مؤخراً وزير حظيرتهم الثقافية، يأمر بإرسال كتب سيد قطب إلى المفرمة، ويصرح بذلك علناً، فلم ينبسوا بكلمة، بل رأيناهم يحرضون على إحراق الكتب الإسلامية وسحبها من المكتبات والمعارض، بل يباركون ما قامت به موظفة اسمها بثينة كشك حين أحرقت كتباً إسلامية وغير إسلامية في مشهد احتفالي بفناء إحدى مدارس الجيزة!
إن الحظيرة الثقافية تدلس وتضلل حين يرتكب أفرادها جرائم أدبية وخلقية، وحين يزدرون الإسلام لأنهم لا يستطيعون أن يزدروا ديناً غيره ولو بالإشارة أو المجاز، ثم إنهم حين يقعون في الخطيئة يزعمون أن المحكمة تحاكم الخيال والإبداع؟
إسلام البحيري – وهو لا يحفظ القرآن ولا الحديث ولم يدرس الإسلام دراسة علمية – سار على نهج سيد القمني، وزعم أنه يجدد الخطاب الديني، وسب علماء الإسلام وأئمته وفقهاءه!
فاطمة ناعوت وصفت أضاحي العيد بأهول مذبحة يرتكبها الإنسان منذ عشرة قرون ونيف بسبب كابوس (تقصد الوحي) باغت أحد الصالحين (تقصد سيدنا إبراهيم) بشأن ولده الصالح (سيدنا إسماعيل)، وبرغم أن الكابوس قد مرّ بسلام على الرجل الصالح وولده وآله إلا أن كائنات لا حول لها ولا قوة تدفع كل عام أرواحها وتُنحر أعناقها وتُهرق دماؤها دون جريرة ولا ذنب ثمناً لهذا الكابوس القدسي (؟).. لكنها شهوة النحر والسلخ والشي ورائحة الضأن بشحمه ودهنه جعلت الإنسان يُلبس الشهيةَ ثوب القداسة وقدسية النص الذي لم يُقل! “الهانم” ترفض الوحي وتسخر منه، ثم تدعي أن كلامها مزاح ودعابة.
أبو إسلام أحمد عبدالله يقضي خمس سنوات سجناً، بتهمة ازدراء المسيحية، وإهانة الإنجيل ولم يبك عليه أحد من متنوّري الحظيرة ولا غيرهم!
القضية ليست الإباحية، ولا حرية التعبير الأدبي، إنها جريمة في حق شعب يريد الحرية والحياة والتعبير عن إسلامه.
الله مولانا، اللهم فرّج كرْب المظلومين، اللهم عليك بالظالمين وأعوانهم!