من المحتمل ألا يأخذ المجتمع الدولي تسريبات “وثائق بنما” على محمل الجد، معتبراً إيّاها مجرّد سوء فهم أو نوع من مؤامرة ممنهجة من شأنها إحداث ضجة كبيرة، لكن الواقع هو أن هذه الوثائق ستكشف خبايا وأسراراً خطيرة سيُرفع عنها الستار قريباً.
شبكة “سي إن إن” بالعربية نقلت عن كاتبة صحفية سابقة لديها اسمها لفريدا غيتس قولها: تعود هذه الأحداث إلى السنة الماضية، عندما قام شخص مجهول الهوية بالاتصال بصحيفة الألمانية “زود دويتشي”، مزوداً إياها بوابل من المعلومات من شركة في بنما تدعى “موساك فونسيكا” التي تساعد كبار أغنياء العالم في طمس أموالهم المشكوك في أمرها، وتعد حجم المعلومات المعطاة بحوالي 2.6 تيرابايت؛ أي ما يعادل 11.5 مليون صفحة من الوثائق والسجلات؛ مما يجعل من تسريبات “ويكيليكس” لا تقارن بتاتاً بهذه الأخيرة.
وبرأي الكاتبة؛ يعتبر هذا التسريب بمثابة زلزال مدمر ستبقى آثاره على مدى أشهر أو حتى سنوات، ومن المرجح أن يكون نهاية محتملة لأسرار لطالما كانت في طي الكتمان، خصوصاً بعدما تمكن فريق متكون من 12 صحفياً يعملون في منظمة تعنى بالتحريات الصحفية من نشر وثائق وأدلة تثبت علاقتهم بشركة “موساك فونسيكا”، وأظهرت الوثائق رؤساء دول وملوكاً وحتى رؤساء وزراء وأقرانهم قاموا بتخزين ثرواتهم في حسابات مشبوهة.
وتقول الكاتبة: تثبت التقارير الأخيرة عن وجود مئات الآلاف من الشركات الخارجية لها صلة بـ200 شخص حول العالم، وبعدما أمضى صحفيون أشهر عدة في دراسة هذه الوثائق السرية الخطيرة، سيكون من السهل على أفراد المجتمع تصفّح هذه الوثائق على الإنترنت، وستثبت هذه التسريبات تفاصيل عميقة من ناحية الحجم والتأثير.
وتضيف: ترقبنا حدوث شيء خطير عندما قام متحدث باسم الرئيس الروسي فلاديمير بوتين بمحاولة تكذيب معلومة صحفية من شأنها المساس بالرئيس الروسي بوتين، وحذر متحدث “الكرملين” من احتمال شن حملة إعلامية ضد بوتين، ولكن في حال كانت الوثائق المنشورة صحيحة ستحدث ضجة كبيرة في الوسط السياسي الروسي، خصوصاً وأن الوثائق تظهر معاملات مصرفية تقدر بمليارات الدولارات للرئيس بوتين وأقرانه.
هل من الممكن أن تكون هذه التسريبات غير صالحة المحتوى؟
من المحتمل أن تكون هذه التسريبات عبارة عن خرق في النظام الديمقراطي للدول أو الممالك على حد سواء، وحتى فرضية وجود أي من أسماء القادة التي ذكرت سابقاً لا يعني بالضرورة وجود عملية مشبوهة الصلة أو أي من هذا القبيل، وقد أكد المتحدث باسم المنظمة الصحفية للدراسة والتحقيق في تصريح له أن بعض الحسابات المصرفية في بنوك خارجية قد فتحت بشكل قانوني وأخلاقي، وأضاف بأن بعضاً من مستخدمي هذه الحسابات المصرفية ليسوا بالضرورة ضد القانون، وإنما أرادوا فقط التأمين على أموالهم في ظل تدهور الاستقرار الأمني في المنطقة.
لا تزال هذه الوثائق المنسوبة لكبار شخصيات العالم من شأنها إحداث تغييرات جذرية في المجتمعات، ونذكر على سبيل المثال تسريبات “ويكيليكس” عن الحفل الصاخب الذي أقامه صهر الرئيس التونسي السابق والأموال الطائلة التي صرفت، كانت نتيجة تلك التسريبات من المسببات في الإطاحة بالرئيس زين العابدين.
كما ذكرت في مقالات سابقة، تعد جرائم الفساد بمثابة السمّ القاتل الذي يعيق التطور الاقتصادي للبلدان، وغالباً ما ينتج عنه فقر مدقع ودمار اجتماعي كبير، وبالأخص عندما يختلس قادة سياسيون الأموال من بلدانهم ويحاولون تشريع قوانين تبيح لهم المساس بثروات ليست من حقهم وإنما من حق أفراد المجتمع.
وغالباً ما نرى أصدقاء وأقارب سياسيين قد أصبحوا من الأغنياء بين ليلة وضحاها، وهي طريقة يستخدمها السياسيون للدفاع عن ثرواتهم وإبعاد كل الشكوك من حولهم.
تبقى جرائم الفساد تضر الحكومات الرشيدة وتقوي من عزيمة الدول الدكتاتورية، ولا نستبعد حتمية وجود أسماء لكل من الرئيس السوري بشار الأسد، أو الزعيم الليبي السابق معمر القذافي ضمن لائحة الأسماء المعلن عنها في أوراق بنما.
في ظل كل هذه الأحداث التي يشهدها العالم، لا يزال البحث عن المعلومة في تزايد مستمر، خصوصاً مع وفرة المصادر على شبكة الإنترنت أو غيرها، وتعتبر تسريبات “وثائق بنما” بمثابة ثورة معلوماتية مهمة من شأنها التأثير على حكومات ودول ذات سيادة.