لم يدُر بخلد المواطن مجد عويضة الذي كان متوجهاً من قطاع غزة إلى الضفة المحتلة للمشاركة في أحد المؤتمرات الخاصة بأصحاب المواهب الإلكترونية أن يكون فريسة ينتظرها ضباط المخابرات الصهيونية أمام معبر بيت حانون (إيرز) على شغف.
فما أن وصل بوابة المعبر التي يغادر من خلالها قطاع غزة قاصداً وجهته للمشاركة في المؤتمر الذي دُعي له في الضفة الغربية حتى انقضّ عليه ضباط المخابرات، ليقتادوه إلى السجن، وتبدأ بعدها المعاناة النفسية والجسدية التي عاشها أثناء فترة التحقيق والتي استمرت أكثر من شهرين, قبل أن تصدر بحقه محكمة القضاء الصهيوني حكماً بالسجن 4 مؤبدات تحت ذريعة مجموعة من الاتهامات التي وجّهت له، ومنها اختراقه “السايبر” وأنظمة المعلومات “الإسرائيلية”، والاطلاع على ما يدور في الداخل المحتل عبر اختراق الكاميرات المثبتة في الشوارع، إضافة إلى نقل الصور التي تنقلها طائرات الاستطلاع “الإسرائيلية” إلى حركة الجهاد الإسلامي في قطاع غزة.
ازدادت كثيراً
وتعد حالة المواطن مجد عويضة نموذجاً لكثير من الحالات المشابهة التي تعرضت للاعتقال من قبل قوات الاحتلال الصهيوني على بوابة المعبر الذي تحول إلى مصيدة لاختطاف المواطنين، وهي وسيلة ازدادت كثيراً خلال السنوات الثلاث الأخيرة، وذلك مع إقفال معبر رفح بشكل شبه دائم أمام حركة المسافرين من وإلى قطاع غزة؛ مما اضطرهم إلى اللجوء لمعبر “إيرز” كمنفذ وحيد يتجه من خلاله الغزيون نحو الخارج، غير أن سياسة المخابرات الصهيونية لا تتوقف عند ترصد المواطنين واختطافهم على بوابة معبر “إيرز”, وإنما تتعدى إلى فتح غرف تحقيق موسعة ومكثفة عند المعبر مع بعض المواطنين لإجبارهم على تزويد ضباط المخابرات عن أماكن إطلاق الصواريخ، والمجاهدين النشطاء في مناطقهم، وإمدادهم معلومات عن المقاومة في قطاع غزة، وهذا ما بيّنه المواطن المريض نادر علوان الذي كشف لـ”المجتمع” ما تعرض له على بوابة المعبر من معاناة تظهر مدى الواقع المؤلم الذي عاشه ويعيشه من يحتاج إلى السفر خارج قطاع غزة من خلال معبر بيت حانون.
حيث يقول: إن الأطباء وصفوا حالتي الصحية بالمستعصية وقالوا لي: إن وضعي الصحي يتطلب العلاج في أراضي الضفة الغربية, فأتممت كافة الإجراءات اللازمة للسفر للعلاج، ولأننا لا نستطيع أن نسافر عبر معبر رفح بسبب الإغلاق المتواصل للمعبر اضطررنا أن يكون طريقنا من خلال معبر إيرز.
تحقيق مهين
ويصف المواطن علوان ما حدث معه في المعبر بالقول: وصلنا إلى المعبر وحجزوني أكثر من 7 ساعات في غرفة منفردة قبل أن يتحدثوا معي بأي كلمة، ومن ثم استجوبوني، وبدؤوا بطرح أسئلة عن المقاومين، والمسجد الذي أصلي فيه، والمناطق المحفور فيها الأنفاق العسكرية، ومنصات الصواريخ.
ويضيف في حديثه لـ”المجتمع” أن الظروف التي عشتها في الجلسة كانت مليئة بالخوف والرعب، فكان الضباط يهددوني بالسجن أو القتل حتى أعطيهم المعلومات التي يريدونها، وعندما رفضت ذلك عنفوني وقالوا لي: أنت ممنوع من الدخول، فعدت من حيث أتيت، وسرت مسافة كيلو متر مشياً على الأقدام حتى وصلت للأراضي الفلسطينية، رغم أني لا أستطيع التحرك بالشكل الطبيعي، لصعوبة وضعي الصحي ولتهتك عظام الساق لدي.
ويقع معبر بيت حانون في أقصى شمال قطاع غزة على الحدود بين غزة والكيان الصهيوني، وهو مخصص للمشاة والحمولات، ويقع تحت السيطرة الصهيونية الكاملة، ويستخدم حالياً لنقل المرضى والمصابين للعلاج في الأردن أو “إسرائيل” أو الضفة الغربية، ويعبر من خلاله الدبلوماسيون والبعثات الأجنبية والصحفيون، والعمال والتجار الفلسطينيون، وغيرهم ممن يملكون تصاريح للعبور إلى داخل الكيان، وهو غير مفتوح على الإطلاق، فدائماً تغلقه السلطات الصهيونية من فترة إلى أخرى.
تجنيد العملاء
ولا تقتصر سياسة العدو الصهيوني المتمثلة في اختطاف المواطنين أو الضغط عليهم لإعطائهم معلومات حول المقاومة، بل هناك سياسة أخطر من ذلك تتمثل في استغلال حاجة من يريدون السفر لإسقاطهم في وحل العمالة، وهذا ما رصده من عُرض عليهم ذلك الأمر من قبل ضباط “الشاباك” المسيطرين على المعبر الذين يستخدمون معهم سياسة الترغيب والترهيب, ويؤكد ذلك الأمر اعتراف أحد المعتقلين في سجون الأجهزة الأمنية في قطاع غزة الذي اعتقل بتهمة التجسس لصالح الكيان الصهيوني، حيث قال في معرض اعترافاته: إن سبب سقوطه كان من خلال معبر إيرز عندما استغل الضباط الصهاينة حاجته للسفر للعلاج فأوقعوه في شراك العمالة.
ويستخدم ضباط المخابرات الصهيونية وسيلة خطيرة في التحقيقات مع المواطنين، حيث يحاولون أن يظهروا للمواطن الذي يستوجبونه أنهم يعلمون كل شيء عن تفاصيل حياته من خلال عرضهم لبعض المعلومات الخاصة به، كعدد أبنائه أو أسماء جيرانه، أو ماذا عمل خلال الأيام الماضية، ومن شأن هذه المعلومات أن تربك المواطن إذا لم ينتبه جيداً للهدف من وراء سرد هذه المعلومات.
ويبين الخبير الأمني إبراهيم حبيب أنه لم يعد لسلطات الاحتلال الصهيوني وسيلة غير معبر إيرز ومعبر كارني لإسقاط أكبر عدد من العملاء, موضحاً في حديثه لـ”المجتمع” أن السلطات الصهيونية تمارس هذه السياسة للضغط على المواطنين للوقوع في براثن العمالة، مشيراً إلى أن هذه الوسيلة كانت واسعة النطاق في المرحلة التي كان يذهب فيها العمال الغزيون إلى الأراضي المحتلة من خلال معبر إيرز للعمل، فكانوا يهددون العمال بسحب تصاريح العمل إن لم يتعاونوا معهم.
ويلفت الخبير الأمني إلى أن السلطات الصهيونية أدركت حجم الخطأ الذي وقعت فيه عندما منعت العمال من دخول الأراضي المحتلة، وذلك بعد حجم الفشل الذي لحق بالأجهزة الاستخباراتية الصهيونية في الحروب الثلاث الأخيرة على قطاع غزة حينما عجزوا عن إعاقة المقاومة، وبات واضحاً أن العنصر البشري هو العنصر الحاسم والمهم برغم الوسائل التقنية التي تمتلكها، وهو ما يدفعها للتفكير بشكل جدي بتوظيف العنصر البشري وإسقاط عدد من المواطنين في براثن العمالة.
حرب عقول
وفيما إذا كانت هذه الوسائل التي تستخدمها السلطات الصهيونية ستحقق أهدافها لصالح الكيان أم لا؟ يوضح د. حبيب لـ”المجتمع” أن ما يدور حالياً بين الأجهزة الاستخباراتية الصهيونية والأجهزة الأمنية في غزة هي حرب عقول، وبالتالي جميع الأطراف تستثمر كل ما لديها من قوة، مبيناً أن نجاح أو فشل الوسائل التي تستخدمها أجهزة المخابرات الصهيوني لإسقاط أشخاص في وحل العمالة مرتبط بمدى قدرة الأجهزة الأمنية في غزة على حفظ الأمن وضبط الأمور، ومتابعة كل من يسافر من وإلى قطاع غزة.
ويبقى الغزيون الذين يريدون السفر خارج القطاع المحاصر مخيّرين ما بين أن ينتظروا الساعات القليلة التي يفتح فيها معبر رفح كل شهرين أو ثلاثة شهور ويزيد، أو أن يخاطروا بحياتهم ويتوجهوا للسفر عبر معبر “إيرز”، ويكون أمامهم ثلاثة خيارات؛ إما الاعتقال, أو التفتيش المهين والتحقيق، أو ابتزازهم لإسقاطهم في وحل العمالة، وقليل من ينجو ويستطيع العبور.