قال تسفي برئيل، محلل الشؤون العربية بصحيفة “هاآرتس”: إنه مع استئناف المعارك في سورية وافقت واشنطن وموسكو على هدنة في دمشق واللاذقية، مع السماح باستمرار القتال في حلب، بحسب “مصر العربية”.
واعتبر برئيل في مقال بعنوان “مئات القتلى في حلب يبشرون بإنجاز سياسي مهم للأسد؛ أن الاتفاق غير المعلن بين الولايات المتحدة وروسيا يسمح للأسد بسحق المدينة واستخدام كافة الطرق لاحتلالها بشكل مواز للمفاوضات في جنيف.
إلى نص المقال:
أصبح اتفاق وقف إطلاق النار بين الأطراف المتقاتلة في سورية، الذي وُقع نهاية فبراير الماضي مصطلحاً لا معنى له، يواصل كل طرف في الحقيقة إحصاء الانتهاكات التي يرتكبها الطرف الآخر، لكن أيضاً المصطلح “الطرف الآخر”، بات غامضاً، وفقاً للاتفاق لا يجب قصف أو قتال المتمردين، باستثناء “تنظيم الدولة الإسلامية” (داعش)، و”تنظيم جبهة النصرة” المنضوي تحت راية “القاعدة”.
وفقاً للوثيقة نفسها، فإن مدينة حلب التي طوقتها قوات الرئيس بشار الأسد عشية توقيع الاتفاق، مدرجة في الهدنة، لكن كلما مرت الأيام وتزايدت خروقات الهدنة، تطورت معارك محلية ليس فقط بين جيش الأسد والمتمردين، بل أيضاً بين مجاميع المتمردين أنفسهم.
في الأسابيع الثلاثة الأخيرة اتضح أن مدينة حلب أصبحت بؤرة قتال مكثفة، يتعاون فيها الجيش السوري مع سلاح الطيران الروسي بشكل حر.
تنقسم المدينة الواقعة شمال غرب سورية الآن إلى جزأين رئيسين؛ يسيطر جيش الأسد على جانبها الغربي، بينما يسيطر على الشرق المتمردون المحاصرون فعليا بفعل قوات النظام.
يطمح الأسد في احتلال المدينة كلها دون الأخذ في الاعتبار وقف إطلاق النار، وكذلك السيطرة على محاور حيوية تؤدي إلى تركيا في الشمال والغرب، ومدينة الرقة، عاصمة الدولة الإسلامية في الشرق.
المخاوف من أن تؤدي المعارك على حلب إلى انهيار رسمي لوقف إطلاق النار ومن هنا إلى انهيار العملية السياسية برمتها، التي تعاني بالفعل من الجمود، أدت أمس الأول (الجمعة) إلى اتفاق روسي – أمريكي جديد.
وفقاً لهذا الاتفاق، سوف تحرص قوات النظام على الهدنة في العاصمة دمشق ومدينة اللاذقية، التي يسيطر الأسد على معظم أرجائها، بينما يعاد النظر في وضع مدينة حلب، وفي أية حال لن يتم تضمينها الآن في الهدنة.
على ما يبدو، فإن روسيا بهذا الاتفاق تفرض قواعد اللعبة، مثلما فعلت في الهدنة السابقة ومثلما أدارت خطوات التفاوض السياسي عبر سحب واشنطن خلفها.
هذا الاتفاق يعبر عن التخندق المستمر لموسكو إلى جانب الأسد في مسألة احتلال حلب، واشنطن من جانبها راضية لأن القوات الروسية تواصل ضرب الدولة الإسلامية وتتجاهل التطورات الخطيرة في حلب.
وفقاً لتنظيمات المعارضة في سورية، قتل خلال التسعة أيام الماضية في المدينة نحو 250 شخصاً، بينهم 50 قتلوا في قصف مستشفى تابعة لمنظمة “أطباء بلا حدود”، إضافة إلى ذلك، فإن نقص الطعام والدواء وضع سكان المدينة المحاصرين على حافة “كارثة إنسانية”، على حد وصف مبعوث الأمم المتحدة إلى سورية ستيفان دي ميستورا.
كذلك أفادت التقارير بأنه يتعذر على المتمردين صد الهجمات الجوية أو توفير خدمات مدنية للسكان الواقعين تحت سيطرتهم، فلا تتمكن خدمات الإغاثة من تجاوز حواجز الجيش السوري، وليس بالإمكان نقل الجرحى والمرضى للمستشفيات، السؤال هو: كم من الوقت ستستمر دول الغرب في الوقوف جانباً والسماح للشراكة الروسية – السورية بسحق المدينة.
تظهر المعركة في حلب جيداً التناقض الإستراتيجي، الذي تركز فيه دول الغرب مع روسيا جل مساعيها في الحرب على الدولة الإسلامية، وفي المقابل بإمكان قوات النظام الاستمرار في قتل مدنيين بأعداد تزيد جداً عن أعداد ضحايا الدولة الإسلامية في سورية.
هذا التناقض دفع تنظيمات المعارضة للاعتقاد أن الولايات المتحدة ورغم مواقفها المعلنة، ستسعى لجعل الأسد شريكاً لها في الحرب على “الدولة الإسلامية”، حتى إن كان ذلك على حساب الحل السياسي الذي يسعى له المتمردون.
تظهر التطورات الأخيرة في حلب إلى أي مدى يمكن لمعارك محلية إحداث تحول إستراتيجي وتعزيز مكانة قوة عظمى واحدة ، هي روسيا، على حساب قوى الغرب، بالنظر إلى موازين القوى التي نشأت حول ثاني أكبر مدينة في البلاد، من المشكوك فيه إن كان هناك من سيوقف احتلالها بيد قوات النظام، أو من يمكنه مساعدة سكانها.
المخرج المنطقي هو الوصول لاتفاق حول استسلام حلب وبذلك يمكن وقف نزيف دم السكان والسماح بمرور المساعدات الإنسانية، من المحتمل أن يكون هذا هو الحل الذي سيتم التوصل إليه في الأيام القليلة القادمة، لأنه من غير المتوقع أن تتدخل قوات الولايات المتحدة في هذه المعركة، كذلك سيكون من الصعب على قوات المتمردين صد الجيش السوري الذي يعمل تحت مظلة روسية.
إن كان هذا هو الحل لوقف إطلاق النار في حلب، فسوف يمكن أن يستخدم كنموذج لعمليات أخرى لوقف إطلاق نار في سورية، ويؤدي لاستئناف المفاوضات السياسية في جنيف، لكن هذه المرة يصبح في يد الأسد ثروة إستراتيجية قيمة تسمح له بتحديد الخطوات القادمة.