خلصت دراسة بعنوان “تلقي الخطاب الديني في مصر.. دراسة مقارنة بين طبقات اجتماعية مختلفة” إلى أن التلفزيون هو الوجهة الأولى لعينة الدراسة في استقاء الخطاب الديني، ويرجع ذلك لما يتمتع به التلفزيون من قدرة فائقة في التأثير على المتلقين، ولما يتمتع به من خصائص ومزايا أبرزها الصورة والحركة.
وكشفت الدراسة التي أعدتها الباحثة المصرية أسماء محمد فريد الباحثة بمركز البحوث والدراسات الاجتماعية بكلية الآداب بجامعة القاهرة، والتي نالت بها درجة الدكتوراه بمرتبة الشرف الأولى؛ عن أن أغلب عينة المسجد هم من الطبقة المتوسطة، بينما عينة التلفزيون تتنوع بين الطبقات الثلاث (الدنيا والمتوسطة والعليا)، فيما تضم عينة المواقع الإلكترونية الطبقة المتوسطة والعليا.
وأشارت أيضاً إلى وجود تدرج في تلقي الخطاب الديني من خلال الطبقات الاجتماعية المختلفة؛ فكلما اتجهنا في الاتجاه الصاعد في الطبقات الاجتماعية العليا قل إلى حد الاختفاء تلقي الخطاب الديني، وكلما اتجهنا في الاتجاه العكسي نجد أيضاً ضعفاً في تلقي الخطاب الديني.
وكشفت أيضاً عن أن الطبقة الدنيا تتسم بنوع من التدين الفطري، ولكنه يستخدم على المستوى الشفهي فقط، ولا يرقى لمستوى الفعل والتنفيذ، أما الطبقة الوسطى فهي أكثر الطبقات الاجتماعية تلقياً للخطاب الديني وترقيه إلى مستوى الفعل، وربما يعود ذلك إلى القيود الاجتماعية التي تحيط بهذه الطبقة والقواعد والعادات التي تسير على خطاها.
انفصال الدعاة عن الواقع
كما خلصت الدراسة إلى وجود حالة انفصال واضحة بين ما يقدمه الدعاة من خطاب ديني وما يحتاجه المتلقي، وقد أرجعت الباحثة هذا الخلل إلى ثلاثة أسباب تجعل الخطاب الديني منفصلاً عن المتلقين؛ أولها عدم طرح الخطاب بلغة سهلة وميسرة، وثانيها البعد عن مناقشة القضايا والمشكلات المرتبطة بالواقع، وآخرها تشدد وتطرف بعض الدعاة في آرائهم.
ومن خلال أحاديث عينة الدراسة، أكدت الباحثة أن أغلب العينة لديهم تدين شكلي، وأن التدين أصبح عادة وليس عبادة، وهو تدين يدخل في إطاره مجموعة كبيرة من المعتقدات والممارسات الدينية، وقد يكون بعضها عادات وتقاليد اكتسبها الأفراد على مرور الزمن، وأصبحت مع الوقت جزءاً من المنظومة الرمزية، من خلال تدين يطغى عليه الجانب الفطري الذي وضعه الله بداخل كل فرد؛ فقد فطر الله عباده على معرفته ومحبته وعلى محبة الخير وكراهة الشر.
موقف الأفراد من تلقي الخطاب الديني
كما أوضحت الدراسة أن هناك اختلافات واضحة في أفراد العينة؛ حيث كشفت عن وجود نوعين من المتلقين:
النوع الأول: هو المتلقي السلبي الذي يحصل على المعلومات الدينية دون أن ينقلها لأحد.
ويأتي على النقيض من ذلك النوع الثاني وهو المتلقي الإيجابي، وفيه يقوم المتلقي بدور الناقل للخطاب الديني إلى الآخرين بحسب اختياره لهم سواء كانوا من الأصدقاء أو أحد أفراد الأسرة أو أياً ما كان، وهناك من ينقل الخطاب الديني بطريقة النصح أو أفعال إيجابية مثل زيارة دور الأيتام وإخراج الزكاة والتبرع للخير والتعامل بتسامح مع الآخرين، وهنا يقوم المتلقي باستيعاب الخطاب الديني الذي تلقاه، ثم إعادة إنتاجه من جديد في صور مختلفة.
وبينت الدراسة أنواعاً من ردود أفعال المتلقين:
الأول: عندما يأتي الخطاب الديني متوافقاً مع المعلومات السابقة التي يمتلكها المتلقي، بالإضافة إلى كونه متسقاً مع أفق انتظار المتلقي؛ فهنا نكون أمام تلقٍّ يصاحبه شعور بالرضا والارتياح سببه التناسق بين الخطاب الجديد الذي يتلقاه وما لدى المتلقي من معلومات سابقة، فتحدث هنا المتعة.
أما رد الفعل الثاني فهو التصادم بين الخطاب الديني الذي يتلقاه المتلقي، وما لديه من معلومات سابقة في نفس الموضوع، ويعني هذا أن هناك نوعاً من المتلقين يملكون من المرونة ما يجعلهم يقبلون على الأفق الجديد ويأنسون بمعاييره ويألفونها، ومن ثم يرون أفق انتظارهم يتغير، وذخيرتهم الخطابية تتسع شيئاً فشيئاً.
وأوصت الرسالة بضرورة بث برامج إعلامية لدعاة متخصصين وليس لهواة الشهرة، والعمل على إعادة الثقة في أئمة المساجد من خلال خطبة الجمعة التي تتناول الموضوعات الحياتية بعيداً عن القضايا السياسية والتحريض على الغير، وكذا تدشين مواقع وبوابات دينية على شبكة الإنترنت، تروج لخطاب إسلامي مستنير، يبرز تسامح الإسلام ووسطيته.