بحثت الحكومة الجزائرية وجهازها المصرفي عن استعادة سيطرتها الكاملة على النقد الأجنبي في البلاد، وتعزيز السيولة والاستثمارات عبر القنوات الرسمية، بعيداً عن السوق الموازية (السوداء) في البلاد، التي تستحوذ على مليارات الدولارات.
ويرى اقتصاديون ومطلعون أن السوق السوداء في الجزائر، التي يلجأ لها المتعاملون لأسباب أهمها تقديم أسعار صرف أفضل من السوق الرسمية وعدم تعاملها بنظام الفوائد، تحتوي على 40 مليار دولار.
وأعلنت الحكومة الجزائرية مؤخراً، أنها بصدد إطلاق منتجات للصيرفة الإسلامية بدون فوائد، عبر المؤسسات البنكية العمومية (الحكومية) وذلك لأول مرة؛ في خطوة تهدف إلى استقطاب أموال ضخمة متداولة حالياً في السوق الموازية، في ظل تراجع مداخيل البلاد من النقد الأجنبي بسبب الأزمة النفطية.
وجاء الإعلان على لسان وزير المالية الجزائري حاجي بابا عمي، في مؤتمر صحفي الشهر الماضي، ذكر فيه أن “التفكير جار مع البنوك لطرح منتجات بنكية ومالية بدون فوائد”.
وحسب الوزير الجزائري، فإن العملية يمكن أن يرافقها أيضاً “إطلاق عملية اقتراض في شكل سندات خزانة (قرض سندي) لكن بدون أية فوائد”.
وتعتبر هذه المرة الأولى التي تعلن فيها الجزائر، عن نيتها إطلاق منتجات مالية لدى البنوك العمومية تكون بدون فوائد.
وتحصي الجزائر 29 مؤسسة بنكية، منها 7 بنوك عمومية (حكومية)، وأكثر من 20 بنكاً أجنبياً من دول الخليج على وجه الخصوص، وأخرى فرنسية وواحد بريطاني.
واقتصرت الصيرفة الإسلامية في البنوك المعتمدة في الجزائر على بنوك أجنبية (خليجية) بالدرجة الأولى، على غرار فرع الجزائر لمجموعة “البركة” البحرينية، وفرع “بنك الخليج الجزائر” كويتي، وبنك السلام الإماراتي.
وتمثلت خدمات الصيرفة الإسلامية السابقة في تمويلات لشراء عقارات (أراض وعقارات) وسيارات ومواد استهلاكية (أثات وتجهيزات) فضلاً عن تمويل مشاريع استثمارية صغيرة بمبالغ محدودة.
وسبق للسلطات الجزائرية أن أطلقت في أبريل الماضي، عملية اقتراض داخلية في شكل سندات خزانة بنسب فوائد فاقت 5%، لكن الغالبية من الجزائريين تجنبت العملية بسبب الفوائد.
وقال الرئيس المدير العام لبنك التنمية المحلية (عمومي) محمد كريم لـ “الأناضول” إن “مسعى السلطات يستهدف جلب كتل مالية معتبرة من السوق الموازية، وجعل التداول يتم في قنوات رسمية”.
ووفق “كريم”، فإن “إلى جانب جلب السيولة من السوق الموازية، فإن طرح المنتجات الإسلامية يهدف أيضاً إلى جلب المواطنين المترددين في الانخراط في منتجات مالية بها فوائد، من خلال توفير بدائل لهم تكون بدون فوائد”.
ويرى الوزير الجزائري السابق للاستشراف، بشير مصيطفى، أن “الهدف من توجه السلطات نحو الصيرفة الإسلامية، هو تصحيح السياسة النقدية للبلاد وتوحيدها في نفس الوقت”.
وأوضح مصيطفى أن “أهمية هذا الإجراء تكمن في استقطاب السيولة المالية العائمة من السوق الموازية”.
وقدر قيمة السوق الموازية في الجزائر بقرابة 40 مليار دولار، معتبراً أن هذا الرقم ينافس حجم الأموال المتداولة عبر القنوات الرسمية (البنوك)، التي تصل 66 مليار دولار.
وعلق بالقول: “هذا رقم مهم للاقتصاد الوطني (40 مليار دولار) إذا دخل للبنوك والقنوات الرسمية للتداول، وهو كمية مهمة في الاستثمار”.
وبرر الوزير الجزائري السابق، تداول السيولة خارج القنوات الرسمية لوجود فوائد “ربوية”، وهي بذلك عائق أمام جلب هذه الكتلة المالية نحو البنوك، وكذلك أمام خروجها كقروض في حال ما تم جلبها للبنوك.
وقال في هذا السياق: “الفوائد عائق والناس تتهرب منها وترفض إيداع أموالها في البنوك”.
وتابع: “حتى خروج الأموال من البنوك كقروض سيتفاداه المواطنون بسبب الفوائد، سيكون مصيرها نفس مصير الاحتياطات المصرفية المكدسة حالياً في البنوك”.
وأشار إلى أن “إقرار الصيرفة الإسلامية سيدفع إلى الأمام نشاط الادخار والاقتراض على حد سواء على مستوى البنوك”.
وتحت ضغط الأزمة النفطية وتراجع مداخيل البلاد من النقد الأجنبي، لجأت الجزائر هذا العام إلى عملية اقتراض داخلية في شكل سندات خزانة، لمواجهة العجز في الموازنة العامة، ومكنت من تحصيل قرابة 6 مليارات دولار.
وصرح وزير المالية مطلع أكتوبر الماضي، أن السلطات تعتزم إطلاق عملة اقتراض داخلية ثانية بنسب فوائد مغرية، لاستقطاب الأموال من السوق الموازية.
ووافق الرئيس الجزائري عبد العزيز بوتفليقة، في 8 ديسمبر الجاري، على قرار السلطات بالاستدانة من البنك الإفريقي للتنمية لأول مرة منذ التسعينات، عبر طلب قرض بمليار دولار يوجه لتمويل برامج طاقة.