جرعة عالية من العمل الشاق والمثابرة.. تلك هي الوصفة التي اعتمد عليها لاجئون فتغلبوا على معاناتهم، واصبحوا رواد أعمال ومؤسسي شركات ناجحة في بلدان لجأوا إليها.
صناعة الأمل من رحم الألم:
قبل خمس سنوات تقريبا هربت رزان الصوص، برفقة زوجها وأولادها الثلاثة إلى بريطانيا، فرارا من ويلات الحرب في بلدهم سورية، ليستقر بهم الحال في مقاطعة “يوركشاير”.
في 2014، قررت رزان إطلاق مشروع خاص لم يتجاوز رأس ماله ألفين و500 جنيه إسترليني (ثلاثة آلاف دولار)، وهو عبارة عن مصنع لإنتاج جبن “الحلوم”، غير المعروف لدى البريطانيين.
نجح المشروع وصنعت رزان شهرة كبيرة، بحسب صحيفة “ذا جارديان” البريطانية، التي نقلت قصتها، في 27 فبراير الماضي، حتى إن مشروعها استقبل العديد من الزوار رفيعي المستوى، كان أبرزهم الأميرة آن، ابنة ملكة بريطانيا، إليزابيث الثانية، عام 2015.
مطاعم بيتزا
عندما اندلعت الحرب الأهلية في البوسنة عام 1992، اضطر إدين بازيك، وهو طالب هندسة مدنية، إلى ترك وطنه لاجئا.
وصل بازيك إلى بريطانيا وهو لا يعرف كلمة واحدة باللغة الإنجليزية، ما مثل التحدي الأكبر أمامه، وفق حديثه مع صحيفة “ذا جارديان” الشهر الماضي.
بمجرد وصول بريطانيا، اتجه بازيك إلى العمل في مطابخ مطاعم مختلفة، وتعلم إعداد البيتزا والمعكرونة.
وبعد ثماني سنوات، افتتح الشاب البوسني أول مطعم بيتزا خاص به في لندن، وهو الآن يمتلك 24 فرعا، ويطلق عليها “فايريزا”.
وبحسب بازيك فإن كل عمل امتهنه ساعده في أن يصبح على ما هو عليه الآن.
شركة عقارات
لا يُعرّف أشيشي ثاكار، المؤسس والرئيس التنفيذي لمجموعة “مارا” الاستثمارية عن نفسه على صفحات التواصل الاجتماعية الخاصة به، بأنه أصغر ملياردير في إفريقيا، بل يكتفي بكتابة “لاجئ”، لإيمانه بأنه هذه الصفة، وما تحمل في طياتها من تحديات، كانت وراء نجاحه.
ثاكار (34 عامًا) ينتمى إلى عائلة هندية انتقلت إلى أوغندا عندما كان في الثالثة عشرة من عمره؛ إثر عمليات إبادة جماعية شهدتها الهند عام 1994، وفق تقرير لصحيفة “هافنجتون بوست”، في أبريل الماضي.
في عامه الـ 15، ترك “ثاكار” مدرسته واتجه إل العمل في تجارة الالكترونيات عبر متجر صغير في العاصمة كامبالا.
وهو المشروع الذي كبر حتى أصبح اليوم بمجموعة “مارا” متعددة المجالات، التي تتخذ من إمارة دبي مقرًا لها، وتضم 11 ألف عامل، موزعين على 25 دولة.
وعن نجاحه قال ثاكار: “كنت أريد ان أكون رائد أعمال، لأتمكن أيضًا من مساعدة عائلتي التي فقدت كل شيء”. وينصح الملياردير الهندي الشباب، على اختلاف ظروفهم، باتباع بشغفهم وحدسهم لتحقيق النجاح.
مطاعم فلافل
بعد أربع سنوات من وصوله البرازيل، يستعد مازن زواوي، وهو لاجئ سوري شاب لافتتاح متجرٍ رابع لمأكولاته العربية في مدينة ساو باولو (جنوب شرق)، لاقتناعه بأن الطعام ليس ثقافة شعب وحسب، بل أداة أيضًا للربح المادي.
“زوازي، طاهي مأكولات شرق أوسطية”، هكذا عرف زواوي بنفسه في حديث مع مجلة “سليت” الأمريكية، في فبراير الماضي، وهو الذي وصل العاصمة البرازيلية وبحوزته 100 دولار فقط، بعد أن استهدف تفجير متجره في العاصمة السورية دمشق، عام 2013.
خلال السنوات الأربع الماضية، استمر الشاب السوري في بيع أطعمته من خلال استئجار زوايا في منافذ بيع الطعام الكبيرة في ساو باولو، حيث يقدم الفلافل، والحمص، والسمك المقلي في الزيت أو ما يعرف بـ “الصيادية”.
وتمكن زوازي من انتشال نفسه من العوز، ومساعدة عدد آخر من اللاجئين الذين وظفهم للعمل معه.
متجر في مخيم
لم تقتصر معاناة آمنة ياكوم آباكا (40 عاما) على اللجوء من إقليم دارفور المضطرب غربي السودان، فقد انتهى بها الأمر في مخيم “دجابال” سيئ السمعة شرقي تشاد.
رغم تلك المعاناة المزدوجة، لم تفقد آمنة أملها في الحياة، وقررت أن تكون أول رائدة أعمال في المخيم، بحسب تقرير لمؤسسة “جلوبال إمباكت” الإنسانية الأمريكية، في ديسمبر الماضي.
افتتحت آمنة عام 2015 متجراً صغيراً في إحدى الخيم، لبيع مواد أساسية، مثل الأرز، والسكر، والصابون، وغيرها، بهدف تحقيق مصدر إضافي للدخل ومعاونة أسرتها على الاكتفاء الذاتي.
شركة ملابس
في عام 2006، انتقلت مونيكا فرومسافانه إلى مدينة نيويورك الأمريكية رغمًا عنها؛ فقد فر والداها من “لاوس”، في جنوب شرقي آسيا، بسبب الحرب الأهلية نهاية سبعينيات القرن الماضي، واستقر بهما الحال في الأرجنتين، حيث عانا مآسي اللجوء، قبل أن ينتقلا إلى الولايات المتحدة الأمريكية، أملاً في أن تجد البنة مستقبلا أفضل.
وفق تقرير لصحيفة “ذي إنتروبينور” الأمريكية، في مايو الماضي، عملت مونيكا في البداية في مصنع للشوكولاتة، تقاضت فيه 5 دولارات عن كل ساعة عمل.
عن تلك التجربة قالت إنها كانت تعمل في كل أقسام المصنع، وفي جميع الأوقات، وهو ما شجع مسؤولي المصنع على ترقيتها إلى منصب مدير.
بعدها، انتقلت مونيكا للعمل ضمن فريق مبيعات سلسلة محلات “بربري” الشهيرة للأزياء، وكانت تلك الخطوة بدايتها الفعلية لدخول عالم الأضواء.
وفي عام 2014 عرضت مونيكا في معرض عام بنيويورك أول قطعة ملابس صممتها بنفسها، وقد لاقت استحساناً من مستثمرين، وحصلت على شراكة مكنتها من إنشاء شركتها الخاصة “مودا بوكس”، والتي حققت في عامها الأول أرباحاً قدرت بمليون دولار.
وفي العام الثالث بلغت أرباح شركة “مونيكا” 4 ملايين دولار، بعد حياة قالت عنها: “كنا نعيش حياة الفقر التي يعرفها كل لاجئ، حيث التجمعات السكنية التي تفتقد لمصادر الكهرباء والماء”.