في حياة الأمم والشعوب عبر تاريخها الحضاري كثير من القضايا والمشكلات؛ بعضها ذات خطر عظيم، وأهمية كبرى لارتباطها بالمنطلقات الثابتة والأهداف الغائية، وما يستلزمه ذلك من معالجات وحلول تنسجم مع المرجعية التشريعية والقيم الأخلاقية من ناحية، ومع العقل والواقع من ناحية أخرى ومهما اختلفت وجهات النظر، وتعددت الآراء وتنوعت الرؤى والتناولات لدراسة تلك القضايا والمشكلات فإن هناك أمرين مهمين وبعدين محددين ينبغي استحضارهما والتقيد بما يفرضانه من ضوابط وقيود ومحددات؛ تشكل في بعض أبعادهما خطوطاً حمراء لا يسمح بتجاوزها مطلقاً:
الأمر الأول: الوحدة الوطنية التي هي في الحقيقة المنجز المقدس، إذا تحققت تلك الوحدة كأنموذج واعد فريد في أروع صورة وأجمل تطبيق واصطبغت بالصبغة الوطنية المتميزة بمفهوم حديث لا يتعارض مع الثوابت العقدية والشرعية والعادات والتقاليد العربية الإسلامية، بل منها ينطلق وعليها يعتمد ويستلهم الدروس والعبر، وفي الوقت نفسه تتجاوب مع متطلبات الحركة التاريخية على المستوى المحلي والإقليمي والعالمي بعبقرية فذةٍ وتوازنٍ بديع.
إنَّ هذا المنجز المقدس لا يصح أبدا الإخلال به، ولا التأثير عليه بما ينال من مقوماته وخصائصه، أو يزعزع ثوابته ويشكك في تاريخه ونجاحاته، كما يجب أن ينظر الجميع إلى هذه الوحدة على أنها من أجل النعم وأحقها بالشكر، وأن تندرج تحت رايتها الآراء وإن اختلفت والرؤى وإن تناقضت لتصهرها هذه الوحدة في بوتقة الوطن ومصالحه العليا إلى أن تصبح تنوعاً إيجابياً خيراً مثرياً لا خلافاً ممزقاً مفرقاً.
والأمر الثاني: قيم الثقافة الوطنية التي هي في الحقيقة قيم الإسلام الحنيف والأُرومة العربية الأصيلة بما ترتكز عليه من فطرة سوية وعقيدة صافية نقية، وتشريعات عادلة حكيمة لها زخمها العلمي وتراثها الفقهي الزاخر.
ولعل من أهم ما تتميز به ثقافتنا الوطنية أنها تنبثق من قيم الإسلام وأخلاقه التي لم يشهد لها التاريخ مثيلا في احتواء الأمم والشعوب بإقرارها التعددية والتنوع والتعامل الإيجابي مع ذلك كله في مجمل تاريخ الإسلام وحضارته.
ولا غرو فقد جاء الإسلام رسالة سماوية إنسانية في مبادئها وقيمها ومنطلقاتها وغاياتها وعالمية في الفكر والثقافة لذلك ازدهرت العلوم والفنون والآداب في الدول الإسلامية ومدنها في مختلف أطوار تلك الحضارة وكانت مراكز إشعاع حضاري في مسارها العام ولم يند عن ذلك إلا القليل.
ولا غرو – أيضاً – أن يشع الفكر وتزدهر الثقافة في وطننا الحبيب مهد الرسالة وموطن العروبة ومهوى الأفئدة. ليثبت للعالم مرة أخرى قدرة ثقافتنا الوطنية بأسلوبها الحضاري المميز وإنسانيتها النبيلة على حل القضايا المصيرية والمشكلات الطارئة بروح تستمد قوتها من قيم الإسلام السامقة وتستلهم التاريخ المشرق لإنتاج أدوات حضارية راقية في حوار متسامح وجدلية إيجابية يرفدها ذلك الزخم العلمي والموروث الحضاري والخصوصية المحلية، جدلية إيجابية تبني ولا تهدم، توحد ولا تفرق.
المصدر: موقع “الإسلام الدعوي والإرشادي”.