عزَّزت الانتقادات الأخيرة من قِبل الرئيس المصري عبدالفتاح السيسي بحق شيخ الأزهر أحمد الطيب (71 عاماً)، حقيقة وجود خلاف كبير بينهما، نتيجة تعاطي الأخير مع القضايا الدينية التي يطرحها السيسي.
وأكدت تقارير صحفية أن الخلاف بين السيسي والطيب تعاظم في الآونة الأخيرة، فيما رأى مراقبون أن هذه التقارير بمثابة ضغوط على شيخ الأزهر لحثّه على التنحي؛ حيث يحظُر الدستور إقالته.
وكان المركز الإعلامي للأزهر أصدر بياناً في أبريل 2015م نفى فيه عزم شيخ الأزهر على تقديم استقالته، بعد أنباء صحفية مشابهة.
وقال البيان: “الإمام الأكبر أكد بوضوح أنه ليس ممن يتخلى عن أمانته وواجبه، وأنه باقٍ في عمله لخدمة الدين والوطن”.
وصعَّدت وسائل الإعلام الموالية للرئيس هجومها على شيخ الأزهر، عقب توجيه السيسي اللوم للطيب أثناء حضورهما احتفالاً لعيد الشرطة في 24 يناير الماضي؛ حيث قال: “تعبتني يا فضيلة الإمام”، وذلك لعدم تعاطي شيخ الأزهر مع دعوة رئيس الجمهورية بضرورة القيام بـ”ثورة دينية”.
وبالرغم من الخبرة السابقة للطيب في التعاطي مع المسؤولين، من خلال عضويته بالحزب الوطني الديمقراطي، الذي أطاحت بحكمه ثورة 25 يناير، فإنه لا يجد سبيلاً في التقارب مع الرئيس الحالي، مما يدفع الأخير إلى توجيه انتقادات دائمة لشيخ الأزهر.
ففي احتفالية دينية سابقة، وبينما كان السيسي يتحدث عن استشراء التطرف الإسلامي في العالم وعدم مراجعة علماء الدين لكتب التراث، التي رأى أن بعضها يحمل غلواً، وجَّه السيسي خطابه إلى شيخ الأزهر قائلاً: “سأحاججكم أمام الله”.
وزاد عن ذلك في مناسبة أخرى، قائلاً: “فضيلة الإمام كل ما أشوفه بقول له إنت بتعذبني”.
إحدى المناسبات: “ليس معقولاً أن يكون الفكر الذي نقدسه على مدى مئات السنين يدفع الأمة بكاملها إلى القلق والخطر والقتل والتدمير في الدنيا كلها”.
ويرى خبراء أن منصب شيخ الأزهر محصَّن وفقاً للدستور، وأن انتقادات الرئيس المتواصلة بحق الإمام الأكبر تتعارض مع استقلالية الأزهر وتنتقص من مكانة المنصب الذي يلقب صاحبه بإمام المسلمين.
واعتبروا أن بعض الإعلاميين الموالين لحكم الرئيس السيسي يمارسون ضغوطاً على شيخ الأزهر لدفعه إلى الاستقالة.
وقال رئيس تحرير جريدة “الدستور” (خاصة) محمد الباز، في مقال له بعنوان “لماذا لا يستقيل شيخ الأزهر؟”: “افعلها قبل أن تضيق عليك الأرض بما رحبت”.
وأفادت تقارير إعلامية أخرى بأن الخلاف بين شيخ الأزهر والرئيس دفع الأخير إلى تكليف مستشاره للشؤون الدينية أسامة الأزهري بإدارة ملف “تجديد الخطاب الديني”، ما اعتبره مراقبون تمهيداً لخلافة الأزهري للشيخ الحالي أحمد الطيب.
ويتم اختيار شيخ الأزهر من بين 52 عضواً بهيئة كبار العلماء، من بينهم أعضاء غير مصريين، وبالرغم من حظر الدستور المصري عزل شيخ الأزهر، فإن المنادين بإقالته يتذرعون بوجود قانون “عزل رؤساء الهيئات المستقلة والجهات الرقابية” الذي أقره السيسي مؤخراً.
هذا وقد رأى أستاذ الفقه المقارن والبرلماني المصري السابق عز الدين الكومي، في تصريحات صحفية له، أن شيخ الأزهر لن يخالف الرئيس في حال طلب منه الاستقالة، قائلاً: “لا يملك شيخ الأزهر الحالي جرأة الاعتراض على قرارات السيسي”.
فيما اعتبر مراقبون أن الطيب لم يحوّل الأزهر إلى مؤسسة متملقة للسلطة، وأنه رفض قرار “غريمه” وزير الأوقاف محمد مختار، القاضي بتوحيد خطبة الجمعة، إلا أن دعوته بتحريم التظاهر عقب رحيل الرئيس الأسبق حسني مبارك تجهض هذا التوجه.
وفي حين اعتُبر ظهور الطيب إلى جوار السيسي، أثناء إعلانه في 30 يونيو 2013م تنحية الرئيس الأسبق محمد مرسي عن الحكم، إقحاماً للأزهر في الشأن السياسي، رأى البعض أن إعلانه التبرؤ من دماء الضحايا الذين سقطوا عقب فض اعتصام أنصار الرئيس مرسي بميداني “رابعة والنهضة” في 14 أغسطس، ينافي هذا الموقف.
وقال الإعلامي الشهير إبراهيم عيسى، وهو من أشد المنتقدين للطيب: “الدولة تترك شيخ الأزهر رغم موقفه المحايد البارد من فض رابعة”.
يرى الشيخ عبد العزيز رجب – من علماء الأزهر – أن الطيب “أحد ورثة” نظام الرئيس الأسبق حسني مبارك ممن يسببون قلقا للسيسي، كونه كان عضواً بلجنة سياسات الحزب الوطني.
كما أن السيسي – والحديث لرجب – يرى أن ولاء الطيب لا يزال لدولة مبارك العميقة، وأنه يراعي حساباته الخاصة ولن يجازف بحرق كل أوراقه لأجله.
ويتابع “هدف الضغط على أحمد الطيب هو إجباره على الانصياع الكامل لكل طلبات السيسي، التي يرفضها بعض المقربين منه ممن لا يزال فيهم رمق للخير، وبالتالي فالهدف إجباره على تغيير مواقفه غير المتجانسة مع توجهات رئيس الجمهورية أو دفعه للاستقالة”.
وذهب الشيخ عبد العزيز إلى أن ثقل الطيب، خاصة لدى الطرق الصوفية وعائلات الصعيد، يجعل التخلص منه أمرا عسيرا، ويتيح له أن يكون ندا لقرارات يؤيدها السيسي ولو من وراء ستار، مثل الموقف من الخطبة المكتوبة، مشيرا إلى أنه في حال أُجبر على الاستقالة فالبديل إما علي جمعة أو أسامة العبد.
محض خيال
بدوره، قال أستاذ الفقه المقارن والبرلماني السابق عز الدين الكومي: إن عتاب زعيم الانقلاب للطيب هو رسالة مفادها بأنه “قد نفد رصيدكم لدينا وانتهى دوركم عندنا”.
ويرى الكومي أن الطيب ليس الشخص الذي يملك جرأة الاعتراض على قرارات السيسي، وإن كان الأخير يبحث عمن هو أكثر ولاءً منه، “لكن عادة الانقلابيين المستقرة هي التخلص ممن دعموا وشاركوا ابتداء في وقوع الانقلاب، كون قائد الانقلاب لا يثق فيهم، وحتى لا يكون لأحد منة عليه”.
وأشار إلى وجود تسريبات تفيد بترشيح المفتي السابق علي جمعة أو وزير الأوقاف الحالي محمد مختار جمعة لتولي المنصب عقب الإطاحة بالطيب، لافتاً إلى أن حظوظ الأول أكثر.
في المقابل، يرى رئيس حزب الجيل الديمقراطي ناجي الشهابي أن “هجوم بعض الإعلاميين على شيخ الأزهر لا يعبر عن موقف الدولة المصرية، وأنه من قبيل التطوع المبني على خيالات بأن ذلك يحقق مراد السيسي، وهو الأمر الذي لا حقيقة له”.
وأضاف لـ”الجزيرة نت” أن شيخ الأزهر يحظى بمكانة مرموقة ومقام سام، والدستور منح منصبه حصانة كاملة؛ فهو غير قابل للعزل، كما أنه رجل صلب صاحب مواقف شجاعة في حماية الأزهر ومكانته، وواجهته مواقف صعبة ومشاكل كثيرة خرج منها منتصرا بالإصرار على عدم التنازل، على حد تعبير الشهابي.
وشدد على أن السيسي والدولة المصرية يعرفان تلك المكانة المحفوظة للطيب في نفوس المسلمين بالعالم التي لا يُتصور معها أن يتم السعي لإقصائه، “ومن ثم فما يقوم به بعض الإعلاميين من مطالبة الطيب بالاستقالة لا يمكن وصفه إلا بالغباء”.