ـ العوامل الرئيسة المؤثرة في اختيار الزوجة هي المال والجمال والحسب والنسب والدين
ـ من تزوج أغنى فتاة وأكثرهن جمالاً وأعلاهن نسباً ولكنها مُضيعة لدينها فقد خسر كل شيء
ـ معايير الاختيار يجب أن تخضع للقيم التي ترتضيها البيئة الاجتماعية التي تنتمي إليها الأسرة
بيَّنا في العدد السابق أن منهجية اختيار شريك الحياة تتكون من ثلاثة محاور؛ هي:
أولاً: مفاهيم أساسية تساعد في ترشيد عملية الاختيار.
ثانياً: العوامل المؤثرة في الاختيار.
ثالثاً: كيفية اختيار شريك العمر.
وعرضنا المحور الأول، وسنتناول هنا المحور الثاني: العوامل المؤثرة في الاختيار.
حدد الرسول صلوات الله وسلامه عليه الإطار العام للعوامل المؤثرة في الحديث: «تنكح المرأة لأربع: لمالها، ولحسبها، ولجمالها، ولدينها؛ فاظفر بذات الدين تربت يداك»(صحيح البخاري: كتاب النكاح، باب الأكفاء في الدين)؛ أي أن العوامل الرئيسة المؤثرة في اختيار الزوجة هي المال والجمال والحسب والنسب والدين، ولكن ليست الأربع عوامل لها نفس الوزن الترجيحي؛ فعنصر الدين له الوزن المطلق، فمن تزوج أغنى فتاة وأكثرهن جمالاً وأعلاهن نسباً ولكنها مُضيعة لدينها فقد خسر كل شيء، ولا أجد خلافاً لنفس المعنى عند اختيار الفتاة لمن يتقدمون لخطبتها، والأصل أن يبحث كلٌّ من الشاب وولي الفتاة على من يعين على طاعة الله، وفي ذلك البركة والتوفيق من الله، كما ورد عنه صلى الله عليه وسلم أنه قال: «إذا أتاكم من ترضون خلقه ودينه فزوّجوه، إلا تفعلوا تكن فتنة في الأرض وفساد عريض» (أخرجه ابن ماجه في سننه، كتاب النكاح، باب الأكفاء).
أما باقي العناصر فلا يمكن إغفالها، ولكنها نسبية؛ فالجمال أوضحه الحديث الذي يعدد فيه الرسول صلى الله عليه وسلم سمات الزوجة الصالحة وذكر منها: «.. ألا أخبرك بخير ما يكنز المرء؟ المرأة الصالحة، إذا نظر إليها سرته، وإذا أمرها أطاعته، وإذا غاب عنها حفظته» (سنن أبي داود: كتاب الزكاة، باب في حقوق المال).
وهذه لفتة مهمة جداً «سرّته» هو وليست والدته وليست أخته.. بل النظر إليها كزوجة سره هو، وعليه فلا معنى أن تقول الأم رأيها في مستوى جمال من يتقدم ابنها لخطبتها؛ لأنه هو – وهو فقط – الذي يراها كزوجة، وهو فقط الذي يقدر هذه المشاعر وتلك الأحاسيس الزوجية، بعكس الحسب والنسب؛ فتقديره ليس شخصياً بل يخضع للمعايير والقيم التي ترتضيها البيئة الاجتماعية التي تنتمي إليها الأسرة؛ لذا فرأي الأسرة مهم في تقدير مدى التوافق الاجتماعي والثقافي لأسرة الأخرى محل المصاهرة.
بعيداً عن التنظير، سأحاول عرض منهجية عملية أسأل الله أن يوفقني وتكون عوناً ليس فقط لكل شاب وفتاة في مرحلة اختيار شريك العمر، بل أيضاً للأسرة كيف تدعم أبناءها في هذا القرار المهم جداً في حياة الإنسان.
1- صياغة الصورة الذهنية عن الحياة الزوجية التي يأملها:
يجب على كل شاب وفتاة أن يكون له تصور واضح عن سمات وملامح وخصائص الحياة الزوجية التي يحلم أن يعيشها، ومن ثَم من سيشاركه فيها ويعينه عليها.
إن الصورة الذهنية عن الحياة الزوجية المأمولة هي انعكاس ونتاج رؤيته لذاته وقدراته وعطائه الذي يمكن أن يساهم به في بناء هذه الحياة الزوجية التي يحلم بها.
إن صياغة الصورة الذهنية عن الحياة الزوجية بوضوح يساعدنا على اختيار الزوج المناسب الذي يجب أن يكون عوناً لنا على تحقيقها، وكلما كانت الصورة الذهنية عن الحياة الزوجية المأمولة واضحة ومحددة المعالم وحاضرة عند تقييمنا واتخاذنا لقرار الزواج؛ ساعدنا ذلك على تقييم شريك حياتنا المرتقب بموضوعية بناء على معايير واضحة وقناعات راسخة عن قرار اختيار الزوج الأنسب لنا.
رغم أن الصورة الذهنية عن الحياة الزوجية المأمولة بصمة نفسية؛ بمعنى أنها رؤية خاصة ذاتية تعكس سمات الشاب أو الفتاة؛ فإن هناك إطاراً عاماً يمكن الاسترشاد به، وسأتناوله من خلال عدة تساؤلات يمكن أن تمثل الإجابة عنها ملامح لبعض خصائص الصورة الذهنية للحياة الزوجية التي يحلم بها الشاب أو الفتاة، ولكن عليه ألا يكتفي بها بل يبني عليها بما يكمل الصورة الخاصة بحلمه هو.
ومن الجدير بالذكر أن نماذج الحياة الزوجية التي يراها كلٌّ من الشاب والفتاة سواء في بيته بين أمه وأبيه أو بيوت أقاربه أو أصدقائه أو جيرانه يساعدهما ذلك على استكمال الصورة الذهنية عن الحياة الزوجية المأمولة، كما أن الاطلاع على النموذج الأمثل للحياة الزوجية في بيوت سيدنا محمد صلى الله عليه وسلم، وكيف كانت نماذج الحياة الزوجية التي عاشها مع أمهات المؤمنين، وكذلك سيرة الصحابة والتابعين والصالحين من المعاصرين، كذلك تقدم أدوات الثقافة العديد من نماذج الحياة الزوجية، كل ذلك يعطي تصوراً لنماذج متباينة من صور الحياة الزوجية تساعده على صياغة الصورة الذهنية عن الحياة الزوجية المأمولة لهما بكل خصوصياتها.
والآن نعرض لبعض التساؤلات التي نرجو أن تساعدك على رسم الصورة الذهنية المناسبة لك عن حياتك الزوجية:
1- لماذا أتزوج؟ ما الدوافع للزواج؟
2- ما الأهداف التي أحرص على تحقيقها من الزواج؟
3- ما شكل العلاقة الزوجية التي يجب أن تكون مع زوجي:
– من حيث إدارة حياتنا: ما مفهوم القوامة، الشورى؟
– من حيث إدارة الخلافات: ما مسؤولية كل طرف؟ وما المسؤوليات المشتركة؟
– من حيث خصوصية كل طرف: ما درجة الخصوصية التي من حق كل طرف الاحتفاظ بها دون تدخل من الآخر؟
– من حيث العلاقة المالية ونطاق الخصوصية المادية لكل طرف.
– من حيث العلاقة العاطفية ومستوى وكيفية التعبير عنها.
5- ما السمات المادية للحياة الزوجية؟
– من حيث المستوى وبيئة المعيشة: مع الأهل أم باستقلالية.
– من حيث الشكل وعناصر الإنفاق: الثقافة، الترويح.
– عمل الزوجة وضوابطه.
– هل على الزوجة أن تساهم في الأعباء المادية.. إلخ.
6- ما مستوى الالتزام الديني والدور الذي يمكن أن تمارسه الأسرة المرتقبة في الحياة؟
7- ما الرؤية عن الأبناء؟
– من حيث العدد.
– من حيث تربيتهم.
– من حيث قيمهم والآمال المرتبطة بهم.
8- ما سمات العلاقة مع الأهل؟
يلاحظ أن بعض الإجابات يجب أن تكون واضحة ومحددة، فقد يرى شاب أن على زوجته المشاركة الكاملة في الأعباء المادية للحياة، وقد يصل الأمر بأن أموالها ملكية مشتركة هو صاحب الحق في إدارتها، وقد يعف آخر ويرى أن الإنفاق على البيت مسؤوليته هو فقط، بل يمنع زوجته من أي إنفاق ولو عن طيب نفس، وهناك بعض الإجابات يُكتفى فيها بأطر عامة مثل العلاقة مع الأهل، فقد يرى البعض المبالغة في الاستقلالية بحيث تأخذ الشكل الرسمي، مثل: تحديد موعد زيارة مسبقاً، والاستئذان تليفونياً، وفي المقابل قد يبالغ آخر في الاندماج العائلي حتى إنه يرى أن من حق الإخوة أن يكون معهم مفتاح الشقة، وعند زياراتهم تكون الشقة كلها مشاعاً لهم.
ونحن لسنا بصدد تقييم الصورة الذهنية عن الحياة الزوجية، فهي ثمرة معين ثقافي وتجارب وطبيعة شخصية، ولكن يمكن القول: إنه كلما ارتقى الشاب/ الفتاة بمستوى المعين الثقافي، وحاول استخلاص العبرة والدروس المستفادة من تجارب الآخرين وخُلق المسلم السوي، وحاول أن يحاكي بيوت الصالحين ونهجهم في حياتهم الزوجية، وكيف كانت عوناً لهم على مرضاة الله فسعدوا في الدارين، وبما يتواءم مع شخصيته وإمكاناته وبيئته هو؛ ساعده ذلك على صياغة صورة ذهنية طيبة عن حياته الزوجية المأمولة، ومن ثم اختيار الشريك الذي يكون عوناً على بنائها.
المهم والذي نؤكده هو أن تكون هناك صورة ذهنية واضحة عن الحياة الزوجية التي يطمح كل شاب وفتاة لتحقيقها، ويسأل الله أن يوفقه في ذلك، بحيث تكون نابعة من نفسه، ومعبرة عن ذاته، ومتوافقة مع إمكاناته النفسية والثقافية والمادية.
2- صياغة النموذج الأمثل:
بناءً على سمات الصورة الذهنية عن الحياة الزوجية المأمولة تتحدد سمات النموذج الأمثل للزوج الذي يشاركنا في تحقيق هذه الصورة الذهنية للحياة الزوجية التي نحلم بها.
من الطبيعي – بل من المؤكد – أننا لن نجد في الواقع ما يطابق النموذج الأمثل لشريك الحياة المرتقب، ولكن سمات هذا النموذج تكون معياراً للقياس وبيان الفجوة التي يجب أن نسأل أنفسنا: هل نحن – ومن نقرر أن يكون زوجاً لنا – قادرون على التفاعل معاً لبنائها؟ وما التضحيات التي يجب أن نبذلها لتغطية هذه الفجوة؟ وهل نحن قادرون على ذلك أم لا؟
يجب أن تكون تصوراتنا موضوعية وواقعية وعلى قدر ما نملك من طاقات وإمكانات تساعدنا على بناء ذلك في حياتنا.
أيضاً يجب النبيه هنا على معيار مهم جداً وهو عدم الخلط بين الإمكانية الحالية والإمكانية المستقبلية؛ فمثلاً المستوى المادي قد لا يتوافر الآن بكل ما نرجو، ولكن بناءً على التعرف على سيرة الحياة والاستعدادات للمستقبل وقدرات الشاب يمكن التنبؤ بإمكانية تحقيق – بمشيئة الله – المستوى المادي المأمول.
مثال ذلك: قد لا يتوافر المستوى المادي الذي تحلم به الفتاة لحياتها الزوجية لدى الشاب المتقدم لخطبتها، ولكن إذا ما تبين أنه حصل على شهادة مهنية معتمدة عالمياً مكّنته من الالتحاق بعمل إضافي، وأنه ادخر وشارك في عملية تجارية ويدرس مع آخرين عمل شركة؛ فهذا ينبئ – والله ولي التوفيق – بمستقبل مالي طيب، وفي المقابل قد يكون هناك شاب حالياً أفضل منه مالياً ولكن مسيرة حياته: أنه منذ تخرجه في الجامعة عمل موظفاً، وما يزال على نفس الخط المهني دون أي مبادرة أو جرأة على تعديل أو تحسين مسار حياته.
إن المقارنة بين الشابين رغم أن الشاب الثاني أعلى مادياً من الشاب الأول فإن المستقبل المادي للشاب الأول أفضل، والله أعلم.
أيضاً قد يحلم الشاب بشريكة عمر ذات درجة عالية من الالتزام، ومشاركته الدعوية، والتأثير الإيجابي في المجتمع، والعمل بحلم نهضة الأمة، وقد لا يتوافر هذا المستوى في الفتاة المرشحة كزوجة، ولكن التعرف على تطور نمط حياتها يظهر مدى التقدم في معدل التزامها وتطور عال في مستوى ثقافتها الدينية كما أن محيط صداقتها مشجع ومحفز على الارتقاء، وأبدت تفاعلاً عند مناقشة الأمل المعقود عليها في مشاركته الدعوية، والتأثير الإيجابي والعمل على نهضة الأمة، فرغم عدم مطابقة مواصفاتها الآن فإن لديها الإمكانية المستقبلية للتحقيق والتوافق مع الصورة الذهنية المأمولة عن الحياة الزوجية.
لذا كلما تضمنت الصورة الذهنية مدى إمكانية توافر طاقات وقدرات ومعايير يمكن أن تساهم في توقع المستقبل كان ذلك أجدى وأكثر نفعاً من تضمنها صفات وسمات وخصائص حالية فقط.
تتضمن سماتُ النموذج الأمثل لشريك الحياة المأمول أربعَ مجموعات بيانُها كالآتي:
1- مجموعة يجب توافرها:
حيث تتضمن هذه المجموعة كل العناصر الإيجابية التي يجب أن تتوافر في شريك العمر، ولا يمكن مطلقاً التنازل عن أي عنصر منها مهما كانت المغريات، ويجب الحذر – كل الحذر – عند تحديد هذه العناصر؛ لأن هذه المجموعة تحد من البدائل المتاحة، مثال ذلك: اشتراط أن يكون جامعياً، مصلياً، كريماً، يمتلك شقة، ذا شخصية مستقلة، فئة عمرية.. وغيرها.
2- مجموعة يجب عدم توافرها:
حيث تتضمن هذه المجموعة كل العناصر السلبية التي يجب ألا تكون في شريك العمر، ولا يمكن مطلقاً التنازل بقبول أي منها مثل: التدخين، فئة عمرية معينة، مهنة معينة، مستوى اجتماعي.. وغيرها.
إن عدم توافر كل عناصر المجموعة الأولى أو وجود أي عنصر من المجموعة الثانية يتطلب الاعتذار مباشرة دون الالتفات إلى أي مزايا مهما بلغت.
3- مجموعة يفضل توافرها:
حيث تتضمن هذه المجموعة بعض العناصر الإيجابية التي تمثل وزناً ترجيحياً وتفضيلاً عالياً، لكن عدم توافرها لا يمثل سبباً للرفض، مثل أن يمتلك سيارة.
4- مجموعة يفضل عدم توافرها:
حيث تتضمن هذه المجموعة بعض العناصر السلبية، التي يفضل عدم توافرها، ووجودها لا يمثل رفضاً، بل يمكن القبول والتعامل معها بحذر وعناية خاصة.