الذي يستمرئ الزنا لا يستثار ولا يصل إلى درجة الإشباع إلا من إحساسه بالمخالفة والتخفي
التطور التقني كالنظارة والكاميرا ثلاثية الأبعاد ساعد قليلي الإيمان على ممارسة ما يعرف بالجنس الافتراضي
ضعيف الإيمان ليس بحاجة للبحث عن المواقع الإباحية فالشركات العالمية توظف الجنس من خلال عرضها لمنتجاتها
أخي القارئ الكريم، كنت أود أن أنهي هذا الموضوع بالإجابة عن السؤال كيف أحمي أولادي من «الشذوذ الجنسي»؟ ولكن هالني ليس فقط حجم التساؤلات حول الموضوع! ولكن نوعية الأسئلة، وسأحاول الإجابة عن بعضها، ويمكن للقارئ الكريم مراسلتي على الخاص لو أراد.
هل يقتصر الشذوذ الجنسي على ما تفضلت بإيضاحه فقط على العلاقات المثلية؟ وما مسؤولية الفرد عن فعله؟
– من حيث المسؤولية، سبق أن أكدت في العدد السابق أن الشاذ مسؤول مسؤولية كاملة عن فعله عندما تحدثت عن الشذوذ المثلي، وأؤكد هنا كل أنواع الشذوذ التي سنتناول الأشهر منها فقط، فرغم أن العلم أثبت إرادة الشاذ وحريته في فعله، وأن لا علاقة للجينات بالشذوذ؛ وبالتالي فهو انحراف سلوكي مسؤول عنه فاعله، فإننا نستند إلى مرجعيتنا الإسلامية، وهي أن الله عادل ولا يجازي بعقاب إلا عند حرية الاختيار.
سنعيد تعريف الشذوذ الجنسي بأنه أي علاقة محرمة (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {7}) (المؤمنون).
قد يقول قائل: إن الزنا علاقة محرمة شرعاً لكنها غير شاذة؟
إن الشذوذ الذي أعنيه هنا أن الذي يستمرئ الزنا يتعود على شكل علاقة شاذة من محورين؛ محور نفسي وهو أنه لا يستثار ولا يصل إلى درجة الإشباع إلا من إحساسه بالمخالفة والتخفي وشعوره أنه يتعدى الحدود ويخترق ما هو ممنوع ويأخذ ما لا يحل له، وفي ذلك إشباع لشهوة السيطرة والغلبة والتعدي وما يصاحبها من توجس واضطراب، فيرتبط التصور الذهني للتهيئة الجنسية بهذه البيئة النفسية غير السوية؛ لذا فإن هذا النوع من الشواذ عندما يتناول زوجته الحلال في جو من الهدوء والاستقرار النفسي، فقد لا يستطيع أن يصل إلى درجة الإشباع والرضا، لذا فهو يتطلع إلى الاقتناص حتى ولو خادمته أو زوجة صديقه، المهم هو بيئة الاضطراب النفسي التي تثير عنده الرغبة.
أما المحور الآخر، فهو يتعلق بكيفية العلاقة، فالمرأة البغي أو التي تقبل بعلاقة محرمة، التي من المتوقع ألا تقتصر على شريك واحد سيكون لديها من الأساليب بل والمبالغات الجنسية ما لم تعلمه أو تتقنه الزوجة، فلا يمكن مقارنة من تحترف الجنس أو من تنحرف تلبية لرغبة، والزوجة مهما اعتنت بعلاقتها الحميمية مع زوجها، فما بالنا بمن تهمل هذا الجانب المهم من العلاقة الزوجية بحجة رعاية البيت وتربية الأبناء؟!
شتان بين الشاب الذي قد يضعف وتزل قدمه ثم يتذكر الله فيتوب، ومن يتخذ الزنا ديدناً، والشيطان يسول ويبرر له خطيئته، مرجئاً التوبة لحين زواجه، ولا يدرك أنه باتباعه طريق الغي وإصراره على معصية الله قد دمر نفسه ورسخ في وجدانه النموذج الشاذ للعلاقة الجنسية، بحيث يصعب عليه بل قد يستحيل عليه القيام بها في إطار الحلال الطيب.
لقد حذرنا الرسول صلى الله عليه وسلم من الإصرار على المعصية حيث قال: «إِنَّ العَبْدَ إِذَا أَخْطَأَ خَطِيئَةً نُكِتَتْ فِي قَلْبِهِ نُكْتَةٌ سَوْدَاءُ، فَإِذَا هُوَ نَزَعَ وَاسْتَغْفَرَ وَتَابَ سُقِلَ قَلْبُهُ، وَإِنْ عَادَ زِيدَ فِيهَا حَتَّى تَعْلُوَ قَلْبَهُ، وَهُوَ الرَّانُ الَّذِي ذَكَرَ اللَّهُ: كَلَّا بَلْ رَانَ عَلَى قُلُوبِهِمْ مَا كَانُوا يَكْسِبُونَ».
يا دكتور.. كيف أحمي زوجي من جنس الإنترنت؟
– لذا، سنتناول نوعاً آخر من أنواع الشذوذ أو الانحراف الجنسي، وهو ما يعرف بالجنس الافتراضي (Virtual Sex)، نسبة إلى ما أوجده الإنترنت من العالم التخيلي الذي أطلق عليه “العالم الافتراضي”.
استغل أولياء الشيطان ما تتيحه شبكة الإنترنت من تواصل عالمي فانتشرت المواقع القذرة، كما استغل ضعاف الإيمان ما تتيحه أدوات التواصل الاجتماعي من إخفاء شخصية أصحاب الحسابات -لحد ما- بالتواصل الإباحي، وقد تنوعت وتطورت أساليب التواصل الإباحي من صوت وصورة وفيديو وبث حي، كما ساعد التطور التقني مثل النظارة والكاميرا ثلاثية الأبعاد قليلي الإيمان على ممارسة ما يعرف بالجنس الافتراضي.
وهنا علينا أن نتذكر أن الله تعالى أمرنا بغض البصر؛ (قُل لِّلْمُؤْمِنِينَ يَغُضُّوا مِنْ أَبْصَارِهِمْ وَيَحْفَظُوا فُرُوجَهُمْ ذَلِكَ أَزْكَى لَهُمْ إِنَّ اللَّهَ خَبِيرٌ بِمَا يَصْنَعُونَ {30} وَقُل لِّلْمُؤْمِنَاتِ يَغْضُضْنَ مِنْ أَبْصَارِهِنَّ وَيَحْفَظْنَ فُرُوجَهُنَّ وَلَا يُبْدِينَ زِينَتَهُنَّ إِلَّا مَا ظَهَرَ مِنْهَا) (النور).
فللأسف لم يعد ضعيف الإيمان في حاجة لأن يبحث عن المواقع الإباحية، فالشركات العالمية توظف الجنس من خلال عرضها لمنتجاتها من خلال الصور الجنسية التي تشير إلى المواقع الإباحية، بالإضافة إلى أن معظم التطبيقات الأساسية لتطبيقات النوافذ (Windows, Email, WhatsApp, Facebook) تحتوي على صور إباحية.
كيف يتحول الإنسان الذي كرمه الله إلى شاذ بإدمانه الجنس الافتراضي؟ وما تأثير ذلك على الأطفال والمراهقين والمتزوجين؟
– هناك أسباب كثيرة، والسبب الرئيس فيها الذي بضعفه تفعل باقي الأسباب هو قوة الإيمان وما يترتب عليها من الخوف من الرحمن والإحسان الذي عرفة الرسول صلى الله عليه وسلم في حديث جبريل: «الإحسان أن تعبد الله كأنك تراه، فإن لم تكن تراه فإنه يراك».
أما تأثير ذلك على الأطفال، فللأسف إن انحراف الآباء أو انشغالهم عن الأبناء يتيح -وأؤكد مرة ثانية يتيح ولا أقول قد يتيح- للأبناء الاطلاع على صور إباحية التي عادة ما تكون مفتاحاً للفديوهات، ومع حب الاستطلاع ومحاولة المحاكاة، ينعزل الطفل عن الأسرة التي للأسف ما ترتاح من إزعاجه بانفراده بـ”الآيباد” أو “الموبايل” في غرفته، ولا تعلم -وقد لا تكترث- بسقوطه في عالم الضياع.
الأخطار:
قد ينزلق الطفل عبر الإنترنت في شبكات دعارة الأطفال أو التعرف على العلاقات المثلية، لكنه على الأقل كوّن صورة شاذة عن الجنس في خياله، كما قد يحاول الطفل تقليد ما يراه، ويكون مهيأ نفسياً للتناول الجنسي أياً كانت الصورة، وبقدر ما سيظل أسيراً لهذا العالم المظلم بقدر ما يستحوذ عليه، وتزداد الشقة بينه وبين مفهوم العلاقة الحميمية الطبيعية الحلال في منظومة الزواج.
ناهيك عما تحدثه الإثارة المبكرة من التهاب للقشرة الكظرية، والأعضاء الجنسية التي في طور النمو.
أما المراهقون والشباب فهم أكثر الفئات عرضة في مجتمعاتنا، التي صعّبت الحلال، فوجدوا في هذا العالم متنفساً، بالإضافة إلى ما سبق من أخطار، فإن الشاب إما أن يعيش حالة الإدمان، ويجد في الوهم والخيال الجنسي تفريغاً لطاقته، أو باباً للتعرف على من يشاركه طريق الشيطان.
تأثيره على المتزوجين:
قد يبرر المتزوج تواجده في صفحات الغواية بأنه يريد أن يتعلم أو أنه يستثير نفسه حتى يقضي وطره مع أهله، كل ذلك من غواية الشيطان حيث سرعان ما ينزلق في الهاوية بمجرد طرْق الباب.
الأضرار:
إن المقارنة بين الصورة الذهنية لبنات الهوى على صفحات الضلال والزوجة ستكون لجانب الغواية؛ وبالتالي لن يجد مرتاد هذه المواقع الإشباع بزوجه، وقد يصل الأمر إلى أنه يتعمد اللقاء في الظلام، سائلاً زوجه ألا تتحدث حتى يمارس معها ما خزنته ذاكرته من الخيال الجنسي، وإن انفعلت زوجته وأفسدت عليه تخيلاته لا يستطيع الاستمرار.
من الحالات الشاذة التي عرضت عليَّ أن زوجة تشتكي إدمان زوجها على الجنس من خلال الإنترنت مع ممارسة العادة السرية، وأنها كانت تحاول إغراءه بكل السبل طلباً لحقها الشرعي دون جدوى، وفي رأيي أن هذا الزوج الشاذ لو التقي بالنساء اللائي يمارس معهن الجنس من خلال الإنترنت فلن يستطيع؛ لأنه أدمن هذا الشكل الشاذ، فلن يستطيع الممارسة الطبيعية.
من واقع ما عرض عليَّ من مشكلات عائلية، أرى أن هذا النوع من الشذوذ الجنسي هو الأكثر انتشاراً، وللأسف يقع فيه بعض من يدعون أنهم يؤدون العبادات من صلاة وصيام.. ولو كانوا حقاً يقيمون الصلاة لنهتهم عن الفحشاء والمنكر.
الآثار:
على مستوى الفرد يدمر إدمان الجنس الافتراضي فاعله ويبعده عن طريق الله، فيهبط مستواه المهني وتنقطع صلاته الاجتماعية إلا مع من هم على شاكلته، أما على المستوى العائلي فتنهار أسرته بانقطاعه عنها، وقد يكون سبباً في انحراف أسرته، فالزوجة إن لم يكن لها من الدين ما يعصمها، فقد يبرر لها الشيطان انحراف زوجها، أو قد يجرفها زوجها معه لتشاركه طريق الغواية، أو أنها تنأى بنفسها وأولادها عن هذا المستنقع من الرذيلة وتطلب الطلاق.
أما الأولاد فعادة ما يكتشفون فساد والدهم، فمهما بلغ من حذر إلا أن المصر على المعصية يفضحه الله، أو على الأقل هو في ملهاته مشغول عنهم، فلا قدوة ولا تربية، فالمحصلة ضياع الأولاد، وانهيار الأسرة.