أرسل إليك هذا الخطاب عبر أثير الكلمات وهدير الغصّات التي يتجرعها محبوك الذين يَرَوْن في أمثالك ميزان الاتزان وعنوان التضحية في سبيل القناعات.
نعم هناك من حاول التشكيك في مقاصدك وسبر دوافعك، لكنهم أيقنوا صدق حرصك وسلامة موقفك حين كشفت لهم الأيام قبح الفساد الذي كنت تراه وكان محجوباً عن أنظار الحائرين العاجزين من أبناء الوطن، من كانوا يتحسرون على شره الناهبين وضمور المطالبين بالإصلاحات أمام اكتساح أدوات التقزيم وموجات الشيطنة.
لقد كنت ورفاقك من أشجع من واجهها، تصاغرت في عينك حين هالت غيرك مفاعيلها واستفحلت سطحيتها وقذارة ألعابها، بقيت على عهدك ما غيّرت ثوابتك ولا بدّلت مبادئك بل تنقلت من مرحلة لأخرى واكبت فيها منعطفات الحراك وكنت في مقدمة الركب حين كانت المساحات متاحة للنزول إلى الميدان، وحين ضاقت الآفاق توجّهت للبرلمان واستعدت الدور والتأثير فاستجمعت رسوخ المنطلقات ومرونة التعاطي مع المتغيرات في مواءمات لا يتقنها إلا سياسي محترف عركته التحديات فما زادته إلا وضوحاً للرؤية ونوراً في الطريق.
يقبع د. جمعان خلف القضبان مع أكبر أبنائه وثلةٍ من رفاقه لدخوله بيت الشعب، وقد كان يوماً بيته ملاذاً للشعب حين جمعتهم شرارة الحراك الأولى، واستجاب صاحب السمو لصدى نداءات الأحرار فأعاد التشكيل والتكليف قبل أن تتمادى الأمور لاحقاً وتأخذ منحى آخر.
أخي د. جمعان، لقد تعلَّمتَ في بواكير خطاك على هذا الدرب أن البدايات المحرقة مآلها نهايات مشرقة، وأن التضحيات التي تبذلها في سبيل قناعاتك لن تذهب أدراج الرياح، فهناك جيل يتأسى يرى في أمثالك نموذج البطل الذي ضحّى وستَروي مضامين خطاباتك شجرة وارفة لا تَبلى، بات لنا ما نرويه في محاضن التوجيه عن الشرف وقوة الموقف في مواجهة الزيف أو التزلف.
إن الابتلاءات حتى وإن صاحبتها مرارة ففي طياتها عبقٌ لأصحاب المبادئ، يتغشى القلوب سكونٌ ينزع عنها رِعابَ السجون، وفِي مثل ابتلائك يا د. جمعان تتجسد معانٍ للقيم لا يسهل بلوغها في متاهات الحياة وانشغالات الواقع، لدي يقين أن هذه التجربة سترقى بشعورك ويرسخ فيها إصرارك بإيمانك وقناعاتك التي ناضلت لأجلها وبذلت التضحيات ليعيشها غيرك كما عشتها أنت، فكن واثق الخطى والله معنا ولن يترنا أعمالنا.. (إِلَّا الَّذِينَ آمَنُوا وَعَمِلُوا الصَّالِحَاتِ وَتَوَاصَوْا بِالْحَقِّ وَتَوَاصَوْا بِالصَّبْرِ {3}) (العصر).