في ظل المنعطف التاريخي الذي تمر به القضية الفلسطينية وقضية القدس بعد قرار الإدارة الأمريكية بالاعتراف بالقدس عاصمة للاحتلال «الإسرائيلي»، وانسجاماً مع المسؤولية الأخلاقية والتاريخية تجاه القدس قضية الأمة، تداعت الكويت بكل أطيافها ومؤسساتها للتعبير عن رفضهم واستنكارهم لهذا الاعتداء الآثم والتجني الصارخ لكل الأعراف والقيم تجاه قضية القدس.
إن قرار «ترمب» باغتيال هوية القدس من خلال الاعتراف بالمدينة عاصمة للاحتلال الصهيوني، باطل بكل المعايير القانونية والشرعية، وأن الولايات المتحدة أكدت بهذا القرار أنها وسيط غير نزيه وشريك مباشر بالعدوان والاستعمار مع الاحتلال «الإسرائيلي».
إن القدس عاصمة فلسطين، وتشكل بمقدساتها الإسلامية والمسيحية حقاً أصيلاً له جذوره التاريخية والدينية والقانونية والإنسانية، ولا يمكن لأي دولة أو هيئة أو شخصية في العالم أن تنتقص من هذا الحق، وكل القرارات التي تعارض الحق العربي والإسلامي والمسيحي في المدينة هي قرارات عدوانية تتشارك مع الاحتلال «الإسرائيلي» في الاحتلال والاستعمار، وتتعارض مع الحق والتاريخ والقانون والإجماع الدولي.
لقد جاء الحدث منبهاً الأمة العربية والإسلامية، وفرض المطالبة بتوحيد الصفوف وتجاوز الخلافات للوقوف أمام خطر شرعنة الاحتلال في مدينة القدس، وندعو إلى استكمال مسيرة المصالحة الفلسطينية، على أن يتبع ذلك مصالحة عربية وإسلامية في دولنا، لأن القدس تستمد قوتها من قوة إخوانها وأشقائها.
إن القدس واحدة لا تتجزأ ولا تقبل التقاسم أو الشراكة بين الحق والباطل، وأن الفلسطينيين والعرب والمسلمين والمسيحيين هم أصحاب الأرض وأبناؤها الذين سكنوها قبل آلاف السنين، ولا يمكن القبول بالتفريط بالقدس أو التنازل عنها أو الاستسلام لقرار «ترمب» العدائي العنصري، وعلينا مواجهته بالطرق والوسائل كافة.
إننا كأمة فاعلة ومساندة علينا أن نثمن موقف أهلنا الصامدين المنتفضين في القدس والضفة الغربية وقطاع غزة والأراضي الفلسطينية المحتلة عام 1948م، الذين شكلوا صمام أمان للقضية، وندعوهم إلى مواصلة حراكهم الثائر والمنتفض، واستخدام أنواع المقاومة والنضال ضد الاحتلال «الإسرائيلي» ولإسقاط القرار الأمريكي «الإسرائيلي» ورفضه، ونحيّي موقف أبناء الشعب الفلسطيني الذين عبروا عن التزام لا يفتر ونضال يزداد إصراراً ورفضاً للقرار الأمريكي، في تكامل مع أهلنا في الداخل والجماهير العربية والإسلامية وأحرار العالم.
لقد قالت الجماهير المنتفضة كلمتها، وسجلت موقفاً مشرفاً سيحفظه لها التاريخ والأجيال القادمة، وندعو إلى استمرار الحراك الوطني في كويت الإباء والإنسانية لمؤازرة القدس والدفاع عن قضيتها العادلة، إن الجهود الشعبية المشرفة التي تصدت لها لجنة القدس المنبثقة عن جمعيات النفع العام تستدعي منا تشكيل حاضنة شعبية أوسع تتوافق وتطلعات الأمة تجاه قضية القدس، ومن أجل صدّ هجمة التطبيع التي يحاول الاحتلال من خلالها التسلل إلى عمق النسيج الاجتماعي والسياسي لشعوبنا.
علينا كأمة عربية وإسلامية أن نكون أكثر جرأة في إعلان الرفض القاطع لاختزال القدس بالشطر الشرقي من المدينة، ومن يريد أن يعترف بالقدس عاصمة لفلسطين فعليه الاعتراف بالقدس الموحدة عاصمة لكل فلسطين، وعلينا في المقابل رفض ما يسمى «صفقة القرن» الذي يجري الحديث عنه، وهو استمرار لمشاريع تستهدف تصفية القضية الفلسطينية.
من المهم في هذا الاستعراض أن نحيّي وسائل الإعلام الوطنية الكويتية والعربية والعالمية التي تضامنت مع قضية القدس، وقدمت أنموذجاً في الوقوف إلى جانب الحق بدعمه ومؤازرة أنصاره، ونعتبر ذلك جزءاً أساسياً في المهنية الإعلامية التي هدفها الحقيقة، ودورها رفض الاحتلال والاستعمار، وندعو الإعلاميين في القطاع العام والخاص كافة إلى استمرار دعم القضية الفلسطينية بسائر أدواتهم.
ختاماً؛ نحن على يقين بأن حقنا في القدس لا يتغير، ولا يُزوّر، وأن حصون الهوية العربية والإسلامية التي تُستهدف بالقدس لطالما أثبتت مناعتها وقدرتها على قلب المعادلات، ونحن على ثقة بدعم شعبنا الكويتي الأبيّ وكل شعوب أمتنا وأحرار العالم، ونثق ببسالة أهلنا في فلسطين عموماً والقدس خصوصاً، ونؤمن بأن الباطل لا يدوم مهما طال أمده، وأنّ فجر تحرير القدس آتٍ لا محالة.