التربية الإيمانية بما يتوافق مع النمو الإدراكي للأبناء العاصمة من قاصمة الولوج في نفق الشذوذ
مع نمو الطفل إلى مرحلة الصبا ثم البلوغ تنمو أعضاؤه وتتولد رغباته وتزداد تساؤلاته عما يحدث
ليس لدينا إحصاءات تبين حجم الشذوذ بالمجتمعات العربية لكن كثيراً من المؤشرات تفصح أنها صادمة
مطلوب إشباع الأولاد حباً وعطفاً من والديهما حتى لا ينجذبوا إلى أي مصدر آخر يعاملهم بلطف
وجود ولد شاذ في فصل دراسي قد يؤدي إلى كارثة حتى ولو كان في المرحلة الابتدائية
غالباً يصاب مدمن الجنس الافتراضي بحالة من الفشل النفسي لإتمام العلاقة الطبيعية رغم كفاءة صحته
للإجابة عن سؤال «كيف أحمي أولادي من الشذوذ الجنسي؟» تطرقنا في العددين السابقين إلى تعريف الشذوذ الجنسي، وخلصنا إلى أنه أي علاقة محرمة؛ (وَالَّذِينَ هُمْ لِفُرُوجِهِمْ حَافِظُونَ {5} إِلَّا عَلَى أَزْوَاجِهِمْ أوْ مَا مَلَكَتْ أَيْمَانُهُمْ فَإِنَّهُمْ غَيْرُ مَلُومِينَ {6} فَمَنِ ابْتَغَى وَرَاء ذَلِكَ فَأُوْلَئِكَ هُمُ الْعَادُونَ {7}) (المؤمنون)، ورددنا على الذي يدعي أن الزنا بين الرجل والمرأة علاقة محرمة شرعاً لكنها غير شاذة، قائلين بأن الشذوذ الذي نعنيه هنا أن الذي يستمرئ الزنا يحدث له اضطراب نفسي؛ حيث يصبح بعد توبته محتاجاً إلى فترة إصلاح وترميم حتى يستعذب العلاقة الشرعية؛ لأن الصورة الذهنية عن الجنس الحرام ستظل عالقة في ذهنه، وتعيق أداءه في الحلال، ويتوقف ذلك على مدى الولوج في هذا المستنقع الآسن والوقت الذي ظل فيه، حيث تأتيني حالات عن فشل العلاقة الزوجية نتيجة علاقات جنسية محرمة، سواء فشلاً تاماً، أو طلبات تعافها النفس السوية.. ثم تطرقنا إلى أكثر الأنواع انتشاراً.
أود أن أعيد وأركز في ختام هذه السلسلة على أن الشاذ مسؤول مسؤولية كاملة عن فعله، فرغم أن العلم أثبت إرادة وحرية الشاذ في فعله، وأنه لا علاقة للجينات بالشذوذ؛ وبالتالي فهو انحراف سلوكي مسؤول عنه فاعله، فإننا نستند إلى مرجعيتنا الإسلامية، وهي أن الله عادل، ولا يجازي بعقاب إلا عند حرية الاختيار، وما دام الله العادل قد فرض العقاب على الشواذ؛ فهم مسؤولون عن جرمهم.
عوامل الحماية:
أولاً: عوامل الحماية العامة لكل أنواع الشذوذ:
1- التربية الإيمانية والمعايشة في رحاب الله تعالى: من لا يردعه الخوف من الله فلا رادع له، ومن لا يعيش في رحاب الله فعيشته آسنة، إن التربية الإيمانية بما يتوافق مع النمو الإدراكي للأبناء وتعودهم على الحياة في رحاب الله والأنس به ومراقبته، هي العاصمة من قاصمة الولوج في نفق الشذوذ؛ فتراكم النمو الإيماني يحفظ بفضل الله الأبناء في سن المراهقة، وتنمو الرغبة الجنسية داخل بوتقة الحلم بالحلال الطيب، بل وتكون دافعة للعمل والتفوق حتى يتمكن الشاب من مؤنة الزواج، وتكون الفتاة بخلقها وسيرتها الطيبة وعفتها محط طلب المتميزين وتليق بهم.
2- التربية الجنسية: إن الإنسان جُبل على البحث عما يجهله، وقبل بزوغ الرغبة الجنسية يحاول اكتشاف أعضائه والعبث بها، وقد يمارس ذلك مع أقرانه، فإن لم يربَّ بالإجابة عن تساؤلاته ومراقبة سلوكه فقد يتطور الأمر إلى سلوكيات مدمرة.
ومع نمو الطفل إلى مرحلة الصبا ثم البلوغ تنمو أعضاؤه وتتولد رغباته وتزداد تساؤلاته عما يحدث، فإن لم يجد في منهج تربية إجابة مقنعة فسوف يبحث في الخارج، ومن انتشار الإنترنت والصفحات الهابطة أضعاف مضاعفة للصفحات الطيبة فقد يسقط في براثن الشذوذ.
كما أن التربية الجنسية تساعد المقبلين على الزواج من وضع تصور طبيعي للقاء دون خوف يحول دون وصولهم إلى نشوة اللقاء، أو قد يدفعهم إما إلى البحث العشوائي في غابة الإنترنت أو نصيحة للشاب من شيطان بالتجريب، الذي قد يودي به إلى التهلكة، هناك بفضل الله عشرات الصفحات الإسلامية الطبية التي تشرح التربية الجنسية من سنتين حتى أوضاع العلاقة، وتقدم حلولاً علمية للعديد من المشكلات التي قد يواجهها الزوجان في علاقتهما، بمنهجية علمية وحياء.
إن التربية الجنسية مطلب مهم حتى للمتزوجين لقيمة وأهمية العلاقة الزوجية في بناء المودة والرحمة في بيوت المسلمين، ولكن من أين؟ (هذا هو المهم) حتى لا يكون هذا المطلب المهم منزلقاً للضياع من خلال صفحات الضلال التي تهدف إلى تدمير مجتمعاتنا باستثارة ليس فقط الغرائز الطبيعية ولكن تركيزهم على العلاقات الشاذة.
3- اتباع الضوابط الشرعية في مجتمعاتنا: سأركز فقط على الاختلاط، فالإسلام دين الفطرة، فهو يوائم بين النمو الطبيعي للنفس البشرية بكل نوازعها وضبطها طبقاً للنموذج الإسلامي دون إفراط أو تفريط؛ فالإفراط في العزل بين الجنسين، وجعل الطفل ينشأ في محيط مغلق من نفس نوع جنسه، قد يطمس عند البعض في نهايات مرحلة الصبا وبدايات البلوغ التصورات الطبيعة للارتباط الوجداني بالجنس الآخر وقد يرتبط بجنسه، للأسف ليس لدينا إحصاءات تبين حجم الشذوذ في المجتمعات العربية المغلقة، لكن كثيراً من المؤشرات تفصح أنها صادمة، وفي المقابل فإن التفريط في الالتزام الشرعي لضوابط الاختلاط خاصة مع انتشار المدارس الأجنبية التي تحرص أساساً على الثقافة الغربية قد هوى ببعض فئات المجتمع إلى هاوية العلاقات خارج منظومة الزواج.
4- التعجيل بالزواج لمن يستطيع: أصيبت مجتمعاتنا العربية في معظمها -تستوي في ذلك من تعاني الفاقة أو الوفرة- بآفة مدمرة وهي تأخير سن الزواج، إن متوسط سن البلوغ لدينا 12 – 14 سنة، ومتوسط سن الزواج تعدى 30 سنة! ومع أسباب ووسائل التفسخ القيمي الذي يسود مجتمعاتنا بانتشار الهواتف الذكية والإنترنت مع الأبناء، حتى قبل مرحلة البلوغ، وانتشار المواقع بل الإعلانات عن المواقع الإباحية، أو حتى أماكن تقديم الجنس من خلال مراكز التدليك أو التجميل، بالإضافة إلى انتشار العمالة المنزلية في الخليج.. كل ذلك وغيره الكثير سهل المتعة الحرام بأشكالها المختلفة.
في هذه البيئة التي تسود للأسف مجتمعاتنا الإسلامية يقضي أبناؤنا في المتوسط ما يقرب من عقدين من عمرهم في صراع بين تأجج الرغبة ومثيرات في مقابل منظومة القيم الإسلامية، يعاني فيها من يحميه الله من الزلل في براثن الخطيئة وقد ينجرف إلى الشذوذ معاناة تؤثر بالتأكيد سلباً عليه نفسياً وبدنياً.
ثانياً: عوامل الحماية الخاصة بأنواع من الشذوذ:
أ- الشذوذ المثلي (للجنسين):
1- بناء جسور من الثقة مع الأولاد، وتتضمن:
– ثقة الولد بنفسه: الاحترام والتقدير، التدريب على الدفاع عن النفس.
- ثقته في والديه: لا بد أن يحرص الوالدان على أن يكونا محل ثقة من أولادهما، بحيث لا يتردد خوفاً أو خجلاً من أن يسرد لهما أي تصرف يتعرض له.
2- الإشباع الوجداني: من المهم أن يشبع الأولاد حباً وعطفاً من والديهما، حتى لا ينجذبوا إلى أي مصدر يعاملهم بلطف تعويضاً لما يفتقدونه.
3- الاهتمام والرعاية الكاملة: يجب أن يكون الأولاد تحت رعاية واهتمام والديهما، ولا يتركاهم مع قريب أو جار أو حتى مدرس أو شيخ لمجرد أنه على خلق أو تبدو عليه أمارات الالتزام، كذلك عدم ترك الأولاد سواء من نفس الجنس أو مختلفين معاً دون رقابة، كما حثّنا الرسول صلى الله عليه وسلم على التفريق بينهم في المضاجع.
4- التوعية بما قد يتعرض له وكيف يتصرف: هنا يجب الحرص حتى لا نفتح باباً مغلقاً مما قد يجعل الولد يتساءل ويحاول أن يجرب.
5- تفقد أحوال الأولاد: يجب ملاحظة الأولاد سواء أكانت شكوى من آلام العورة أو أي إفرازات في الملابس الداخلية، أو لبس ملابس الجنس الآخر أو تقليدهم في سلوكياتهم أو مقتنياتهم.
6- الرفقة: للأسف إن وجود ولد شاذ في فصل دراسي، قد يؤدي إلى كارثة حتى ولو كان في المرحلة الابتدائية (تشتكي إحدى الأمهات من أن ابنها في الصف الرابع الابتدائي طلب منه صديقه أن يفعل به!)؛ لذا يجب ليس فقط ملاحظة الأبناء بل ملاحظة أصدقائهم.
ب- شذوذ الجنس الافتراضي (Virtual Sex):
وهو أكثر أنواع الشذوذ انتشاراً بل هو المدخل عادة لباقي أنواع الشذوذ، لذا يجب أن تتضافر جهود عدة للحد من آثاره السلبية.
على مستوى الدولة يجب سن التشريعات التي تبيح تتبع المواقع المحلية وإغلاقها، وعمل حجب للمواقع العالمية، للأسف في الواقع تغلق بعض الدول المواقع المناهضة لسياستها، لكنها تتعلل بحرية الرأي لعدم حجب أو إغلاق المواقع الهابطة!
لا بد من تقييد انتشار الموبايل بين الأولاد ومتابعة ما يتصفحون، وتزويده بمرشحات تمنع اطلاعهم على المواقع الهابطة.
بالنسبة لشكوى الزوجات من اطلاع أزواجهن على المواقع الإباحية، يمكن للزوجة أن تؤدي دوراً إيجابياً في ذلك الشذوذ، ولها بفضل الله الأجر العظيم:
1- تقرأ وتطلع على الصفحات الإسلامية العلمية، لتنمي معارفها ومهاراتها في التعامل الجنسي مع زوجها، وتدعوه لمشاركتها في ذلك.
2- التفنن في محاولة إرضاء زوجها (المريض) وجذبه وملء حياته الجنسية.
3- تذكيره دائماً بعقوبة معصيته، كتابة الآيات والأحاديث الخاصة بغض البصر وعقاب من يتعدى حدود الله ووضعها في مجال بصره أينما ولى، وإن كان لهما أولاد تذكّره كيف تكون صورته أمامهم إذا ما اكتشفوا سقوطه في وحل الرذيلة، وإنه مهما حاول إلغاء المواقع الإباحية التي يشاهدها، فإن إتقان الأولاد للكمبيوتر أفضل منه، وقد يتمكنون من ذلك، وعليه ألا يعتقد أن الله سوف يستره على جرمه مدى العمر بل سيفضحه ما لم يستغفر ويتوب إلى الله تعالى.
4- بيان الآثار السلبية لذلك على صحته النفسية والجسدية بصفة عامة وعلى كفاءة أدائه الجنسي معها.
5- جذبه إلى الاهتمام بأنشطة مشتركة؛ قراءة كتاب في موضوع يستهويه، مشاهدة فيلم ذي قيمة، التريّض، عمل اجتماعي تطوعي.
ملاحظة مهمة للزوجة التي ابتليت بزوج أدمن الجنس الافتراضي:
رغم قيمة وأهمية الجهود التي تبذلينها لإقناع زوجك بالإقلاع عن تلك المعصية العظيمة، فإن هذا النوع من المعاصي يدمر نموذج التفاعل الجنسي الطبيعي لدى الرجل، وعادة بل في أغلب الأحوال يصاب الرجل بحالة من الفشل النفسي لإتمام العلاقة رغم كفاءة صحته الجسدية؛ لذا فهو يحتاج منك دعمه النفسي حتى يستعيد توازنه الداخلي؛ لأن الصور الذهنية المخزنة لديه التي كانت سبباً في استثارته تتسابق في الظهور وهو في صراع بين استعادتها حتى يتمكن من اللقاء أو طمسها والاعتماد على الواقع في محاولة إتمام اللقاء، مما يؤدي عادة إلى فشله الذي قد يدفعه للانتكاس؛ لذا فإن تفهمك للصراع الذي يعانيه هو -بعد توفيق الله له بتوبته- سبب أساسي في شفائه وعودته لطبيعته.
ورداً على التساؤل: كم سأظل أعاني معه حتى يستعيد حالته الطبيعية؟
هذا يتوقف على الفترة التي مكثها في مستنقع الرذيلة، ومدى نوعية التفاعل (هل مجرد صور؟ ممارسة مع الذات عبر الفيديو) وعمق تأثيرها عليه، والفترة الزمنية التي كل يقضيها في كل لقاء، ثم -وهذا هو الأهم- مدى تأثيرك أنت عليه.
نسأل أن يجنبنا وأزواجنا وذرياتنا والمسلمين الفواحش ما ظهر منها وما بطن، وأن يسترنا بستره الجميل.