قالت وكالة “بلومبيرج”: إن تضخم الوظائف العامة في دول الخليج يشبه إلى حد كبير الرواتب التي تدفع للمتقاعدين في مناطق أخرى من العالم، لكن التخفيض على هذا الصعيد قد يحطم الاتفاق الضمني مع المواطنين ويحفز الاضطرابات العامة.
وأشارت إلى اعتياد موظفي الحكومة على الروتين، وقالت: إنه في الكويت يعتبر التطرق لهذا الموضوع من الأمور الصعبة للغاية، فقد كانت الحكومة تحاول تقليص فاتورة الأجور التي تستهلك أكثر من نصف ميزانيتها، وهي نسبة غير عادية حتى في المعايير الخليجية وطلبت من الموظفين الحكوميين العام الماضي الالتزام بنظام البصمة لتأكيد الحضور إلى مواقع العمل وكان نتيجة ذلك أن استقال نحو 5 آلاف موظف في الفترة التالية لتطبيق النظام وكان كثير من هؤلاء نادرا ما يحضرون إلى العمل واصبحوا يتخوفون من وقوعهم تحت طائلة النظام الجديد، وفقا لما نسبته الوكالة إلى وكيل وزارة المالية خليفة حمادة.
أسعار النفط مهمة
وتقول الوكالة: إن الكويت تتمتع بأدنى نقطة تعادل لأسعار النفط بين دول الخليج برغم ارتفاعها من مستوى 46.9 دولار في عام 2017 إلى 48.1 دولار في عام 2018، مقارنة مع السعودية التي لديها أعلى معدل يبلغ 87.9 دولار في عام 2018 وهو ما يعكس صعوبة الموقف السعودي.
التضخم الحكومي
وخلافاً لذلك، يرصد خليفة حمادة تضخم الوظائف الحكومية ويقول: إن عدد موظفي وزارة المالية عندما التحق بالعمل عام 1987 لم يكن يتجاوز 700 موظف وقد ارتفع عددهم بنسبة 400% في غضون 20 عاماً ليصل إلى 3500 موظف، وذلك مقابل زيادة لم تتجاوز 10% في حجم أعباء العمل في الوزارة.
ويتذكر الاستشاري الكويتي وليد السعيد الذي ترأس ذات مرة إحدى الدوائر الحكومية السؤال الأول الذي تلقاه من مواطن كويتي باحث عن عمل يبلغ 22 عاماً في مقابلة لتعيينه هو: «ما العمر الذي يمكنني عنده أن أتقاعد؟».
ويقول السعيد: إنه برغم التغير التدريجي على نظرة الخريجين نحو دخول سوق العمل، فإن القطاع الخاص المعروف بانخفاض الأجور مقارنة مع القطاع العام يهيمن عليه الأجانب الذين تحاول الحكومات الخليجية الحد منهم على غرار قرار السعودية إلزام الشركات بتوظيف نسبة أعلى من المواطنين، وحظر الكثير من الوظائف على الوافدين فضلاً عن فرض ضرائب عليهم وعلى من يعيلونهم.
انخفاض العمالة
مع ذلك، فإن الاستغناء عن الأجانب قد ينجم عنه انخفاض العمالة؛ وبالتالي إفلاس بعض الشركات إذا أجبرت على تعيين المواطنين برواتب تنافس مثيلاتها في القطاع العام، وتقول إحدى الإحصائيات: إن السعودية سرّحت 446 ألف وافد العام الماضي، مقابل تعيين 103 آلاف سعودي فقط.
وأضافت الوكالة أن جميع دول الخليج لديها نماذج من هذه المشكلة حيث الحكومة هي الملاذ الأول للتوظيف، حتى لو لم يكن لديها ما يفعله هؤلاء الموظفون، ويعتبر هذا جزءاً من اتفاق ضمني بين الأنظمة الحاكمة والمواطنين.
والآن، وبعد سنوات من انخفاض أسعار النفط وزيادة الوعي بأن النفط سينفد في يوم من الأيام، يسعى الحكام الخليجيون إلى إصلاح المالية العامة لدولهم، ويبدو أن إصلاح نظام الرواتب والأجور الذي يعتبر أكبر بند للإنفاق الحكومي في معظم الحالات سيكون محطة البداية الرئيسية ولكنه أصبح احد الأمور الشائكة التي ينطوي الاقتراب منها على مخاطر سياسية عالية.
وفي حين يرى الأستاذ في كلية لندن للاقتصاد ستيفن هيرتوغ أن استمرار الضمان التاريخي للوظائف الحكومية في دول الخليج أصبح «أمراً غير مقبول أو لا يمكن الدفاع عنه»، إلا أنه في الوقت ذاته يقول: «إن التعرض لرواتب موظفي القطاع العام يعني التلاعب بمحور العقد الاجتماعي الخليجي».
هيمنة القطاع العام
وقالت الوكالة: إن متوسط عمالة القطاع العام في السعودية تبلغ 33% من إجمالي الأيدي العاملة في البلاد، مقابل متوسط 22% في دول مجلس التعاون و9% في الأسواق الناشئة وأخيراً 7% للمتوسط العالمي وفقاً لبيان صندوق النقد الدولي وبالتالي فان المعضلة تعتبر حادة بشكل خاص في أكبر دولة خليجية هي السعودية.
من جانب آخر، قالت الوكالة: إن الكويت وقطر بفضل تعداد السكان الأقل وارتفاع نصيب الفرد من إيرادات الطاقة لديهما بعض الوقت لإيجاد حل لهذه المشكلة أما السعودية فإنها ليست كذلك، حيث إن 70% من السعوديين هم دون الثلاثين من العمر.
وتحدث لـ”بلومبيرج” موظفة حكومية سعودية طلبت عدم الكشف عن هويتها فقالت أن رئيسها في العمل ظل يعمل بشكل غير رسمي وبواقع 3 أيام أسبوعياً فقط لسنوات، ولم يرتدع برغم تشديد قوانين الحضور والانصراف مؤخراً، وعندما زار أحد الوزراء الإدارة، ظهر موظفون لم تعرفهم من قبل في حين كانت أسماؤهم مدرجة على جدول الرواتب طوال سنوات.
رصد الحضور والانصراف
وقالت “بلومبيرج”: إنه يمكن للتقنيات الحديثة في التتبع والرصد والمراقبة، مثل البصمة الإلكترونية والبطاقات الممغنطة، وكاميرات المكاتب التعرف على «العمال الوهميين» الغائبين، وقد حاول حاكم دبي منذ سنتين القيام بتجربة أخرى، حيث رتب زيارة مفاجئة للمكاتب الحكومية في بداية أسبوع العمل، ورصد الكثير من المكاتب الفارغة من الموظفين.
صعوبة المعالجة
لكن “بلومبيرج” قالت: إن هذه الوسائل لن تقضي على ظاهرة العمالة الوهمية، عدا عن أن حضور الموظفين وانصرافهم في نهاية الدوام لن يحل المشكلة لاسيما أن الكثير منهم ليس لديه أي عمل يؤديه، وبالتالي فإنها لن تعالج التشوهات الأساسية في أسواق العمل الخليجية، علماً أن الكثير من الخريجين يرفضون العمل في القطاع الخاص انتظاراً للتعيين في الجهات الحكومية حيث الرواتب أعلى وعدد ساعات العمل أقل، ناهيك عن الإجازات الطويلة والمزايا المالية السخية.
من جانبه، قال مدير البحوث في مركز بروكينغز الدوحة في قطر نادر قباني: إن «على الأنظمة الخليجية تمكين المواطنين من الاستفادة من ثروات البلاد بطريقة أخرى غير الوظائف، وساق مثالاً من مدينة ألاسكا، التي توزع السلطات فيها أرباح النفط على المقيمين فيها، وقد لاقت مثل هذه المقترحات ترحيباً عالمياً حتى في دول مثل إيطاليا التي لا تتمتع بثروات نفطية».
ويعتقد قباني أن الكويت هي الجهة المثلى لبدء تطبيق مثل هذه الحلول لاسيما أنها اكثر دول الخليج ديمقراطية ولديها برلمان منتخب، ولكنه يستدرك قائلاً: إن المشكلة هي أن أحداً لم يطرح مثل هذا الحوار حتى الآن.