بقلم: ماري صوفيا
كانت الكويت مركزًا اقتصاديًا مزدهرًا في الخليج إلى أن وقعت الحرب مع جارتها العراق عام 1990 التي أضرتها كثيرًا حقًا، ومنذ ذلك الحين عادت إلى طبيعتها على خلفية ثروتها النفطية، ولكن اليوم ومع استقرار أسعار خام برنت حول مستوى 50 دولاراً للبرميل بعد انخفاضها من المستويات المرتفعة التي وصلت ل110 دولارات للبرميل، تحاول الكويت مرة أخرى التكيّف مع سيناريو اقتصادي جديد.
وما زالت الكويت تعتمد بشكل كبير على عائدات النفط، وهذا قد يجعلها قد تواجه واقعاً صعباً إذا فشلت في التحرك مع الزمن، ومقارنة مع نظرائها في الخليج مثل الإمارات والمملكة العربية السعودية التي دفعت بإصلاحات لمواجهة انخفاض البترودولار، كانت الكويت بطيئة نسبياً في ردها، وبغض النظر عن ذلك، بذلت الحكومة جهودًا لخفض الإنفاق، حيث حررت أسعار الوقود وألغت الدعم في العام الماضي، ومع ذلك، فقد واجهت الحكومة معارضة شديدة من المواطنين والبرلمان بسبب إطلاقها لتدابير للتقشف، ولكن الحكومة تتراجع رغم ذلك، وفي كلمة ألقاها أمام البرلمان العام الماضي، قال أمير الكويت الشيخ صباح الأحمد الجابر الصباح للمشرعين: إن إجراءات خفض التكاليف أمر لا مفر منه من أجل البقاء على قيد الحياة، “أنا على يقين من أن مجلسكم المحترم وإخواني وأبنائي، جميع المواطنين، يدركون أن خفض الإنفاق العام من خلال اتخاذ تدابير حذرة لإصلاح الخلل في ميزانية الدولة، ووقف الهدر ونزيف مصادرنا الوطنية.. أصبح حتمياً”.
وقد يكون السبب في تباطؤ وتيرة تنفيذ الإصلاحات في الكويت هو توافر مخزون مالي كبير تراكم على مر السنين؛ مما يجعلها في وضع مريح مقارنة ببعض الدول الخليجية الأخرى، يقول نمر كنفاني، الخبير الاقتصادي البارز في NBK Economic Research””: “لقد شهد الاقتصاد صعودًا جيدًا في ظل الظروف الحالية لأسعار النفط المنخفضة منذ عام 2014، وهذا يرجع إلى حد كبير إلى الوضع المالي القوي للكويت، والذي يسمح لها بالحفاظ على موقف مالي مساند نسبياً من خلال إنفاقها الرأسمالي، وﻧﺗوﻗﻊ أن ﯾظل اﻟﻧﻣو ﻏﯾر اﻟﻧﻔطﻲ ﻋﻧد ﺣواﻟﻲ 3.5 و4٪ في عامي 2017 و2018، إن ﺳﻌر اﻟﻧﻔط اﻟﻣﺎﻟﻲ اﻟﻣرﺗﻔﻊ ﻓﻲ اﻟﺑﻼد اﻟذي ﯾﺑﻟﻎ 50 دوﻻراً ﺗﻘرﯾﺑﺎً ﯾﺟﻌل ﻣن دول ﻣﺟﻟس اﻟﺗﻌﺎون اﻟﺧﻟﯾﺟﻲ أﮐﺛر اﻟﻣﺳﺎﺣﺎت اﻟﻣﺎﻟﯾﺔ، وقد سمح ذلك للكويت باتخاذ نهج تدريجي أكثر للتكيف المالي في بيئة أسعار النفط المنخفضة الحالية.
وبغض النظر عن موقعها المريح، فإن الدولة تقوم ببعض من الإصلاحات التي تجري على مستوى دول مجلس التعاون الخليجي مثل تطبيق ضريبة القيمة المضافة (VAT) في السنوات القادمة وخفض الدعم، ويشير كنفاني إلى ذلك قائلاً: ومع ذلك، فإن الحكومة تتحرك قدمًا بشكل تدريجي لإدخال مصادر جديدة للدخل مثل ضريبة القيمة المضافة وضريبة أرباح الشركات، كما اتخذت خطوات لخفض فاتورة الدعم عن طريق زيادة أسعار الوقود ومن المقرر أن ترفع أسعار الكهرباء والمياه في وقت لاحق من هذا العام، كل هذه التدابير هي موضع ترحيب، كما يجب أن يتم تنفيذها بطريقة تضمن عدم التراجع عنها بسهولة بمجرد ارتفاع أسعار النفط، ولقد كانت المحادثات حول ضريبة الدخل وضريبة التحويلات على العمالة الوافدة غير حاسمة إلى حد كبير حتى الآن بسبب انقسام الخبراء على الفوائد التي توفرها للضرائب.
الكويت الجديدة
ومع إدراك الكويت لمخاطر عدم الاستعداد للمستقبل الذي ينتظر النفط، فإن الكويت بصدد تشكيل خارطة طريق مستقبلية، ففي يناير من هذا العام، أطلقت الحكومة خطة اقتصادية طموحة أطلق عليها اسم “الكويت الجديدة”، التي تهدف إلى تحويل البلاد إلى مركز ثقافي واقتصادي، وفي تحدٍّ لجميع المنتقدين، وضعت الخطة أهدافًا لزيادة عائدات البلاد من 13.3 مليار دينار كويتي في العام المقبل لتصل إلى 50 مليار دينار بحلول عام 2035، وفي الوقت نفسه، ستعمل خطة الكويت الجديدة أيضًا على خفض اعتماد البلاد على العمالة الوافدة من خلال تخفيض النسبة الحالية من 70% إلى 60% بحلول عام 2035.
وعلى الرغم من أن الكويت كان لديها العديد من المخططات الاقتصادية قبل ذلك، فإن أياً منها لم يكن له تأثير كبير على البلاد، لكن الخبراء يقولون: إن الحكومة سوف تلتزم هذه المرة.
ويقول كنفاني: على الرغم من أن الخطط الاقتصادية السابقة وضعت أهدافًا طموحة في كثير من الأحيان، فإن نجاحها كان محدودًا في الغالب بسبب عدم التركيز على التشريعات وتحسين بيئة الأعمال، وفي السنوات الأخيرة، أدركت السلطات أنه لكي يتحول اقتصاد الكويت، نحتاج إلى التركيز على إعادة التفكير في القوانين الاقتصادية وتبسيط اللوائح في القطاع الخاص.
وبالفعل، فإن قانون الشركات الجديد والجهود المبذولة لتبسيط قواعد الأعمال هي مفتاح هذه المبادرة الجديدة، وقد بدأت تلك التغييرات بالفعل، والتخطيط الجديد لا يهدف فقط لزيادة الإيرادات، ولكنه يحاول إصلاح نظام التعليم أيضًا، وهي خطوة بالغة الأهمية بالنسبة للبلد.
ويضيف كنفاني أنه على الرغم من أن التغيير أمر بالغ الأهمية، فإن التأثير سيتم الشعور به فقط على المدى الطويل، وعنصر آخر حاسم هو التعليم، ولكن تأثيره لا يظهر إلا على المدى الطويل، وتشمل مبادرة الكويت الجديدة لعام 2035 محاولة لتحديث نظام التعليم في الكويت وتحسين إدارة المدارس العامة، وهذا الإصلاح ضروري لضمان أن تصبح القوى العاملة الكويتية في وضع جيد يمكنها من شغل الوظائف التي سيحتاجها الاقتصاد خلال 10 – 20 سنة.
ومن أجل حدوث تغيير مؤكد على المدى الطويل في الكويت يجب تحسين بيئة الأعمال وسهولة ممارستها.
ويقول الخبراء: إن الحكومة تحتاج إلى إشراك القطاع الخاص أكثر بحيث يصبح قادراً على التحرك أطول للوفاء بدور المنظم لتحسين المناخ الاقتصادي العام، ومن الأهمية بمكان أن تكون السلطات عازمة على المضي قدمًا في خططها لتبسيط البيئة التنظيمية وزيادة دور القطاع الخاص في الاقتصاد.. وفي هذا الصدد، فإن المضي قدمًا في الخصخصة أمر مهم للغاية، وهذا سيحرر الحكومة للتركيز على تنظيم النشاط الاقتصادي وتحسين الكفاءة، كما يشرح كنفاني.
وستكون لمشاركة القطاع الخاص والاستثمار الأجنبي أهمية حاسمة بالنسبة للكويت في السنوات القادمة، حيث إن البلاد ستتولى إنفاقاً ضخماً على البنية التحتية، وتحتاج البلاد إلى مليارات الدولارات التي سيتم ضخها في مشاريع كبرى مثل مدينة الحرير (سيلك سيتي)، وجسر الصبية، وميناء حاويات جزيرة بوبيان، ومرافق النفط والغاز الخاصة بهم، وهذه الأهداف، إلى جانب الأهداف المحددة في خطة الكويت الجديدة، ستضع الكويت بقوة على مسار التنويع الاقتصادي في السنوات المقبلة.