فوجئ الأبناء بعد وفاة والدهم بأنه يملك أموالاً طائلة، وكان يدعي تواضع حالته المادية، هو لم يقصر معهم في التعليم والمأكل والمشرب والزواج، كما هو حال جميع الآباء متوسطي الحال، وسكن الأبناء في شقق غالية حتى كبر أبناؤهم ودخلوا الجامعة، وسياراتهم بالأقساط، لكنهم قنوعون لأن هذه حياتهم التي عاشوها من قبل، ويعلمون أن أباهم لا يملك شيئاً، وحتى زوجته (أمهم) لم تطلب منه شيئاً حتى لا تثقل كاهله.
تقول البنت: لقد عشنا حياة صعبة (تمرمطنا) فيها، وكان بإمكانه أن يساعدنا جميعاً، وكان بإمكانه شراء بيت لكل واحد منا، ويشتري سيارات لنا ولأبنائنا، ولو فعل ذلك لوفرنا على أنفسنا أموالاً هدرناها بالإيجارات والأقساط، رحمك الله يا والدي.
ويقول الابن: لو ساعدنا في شراء البيت، وسددنا له بالأقساط بدلاً من أن ندفع الإيجار الغالي لكان أجدى.
أما الزوجة الأرملة، فقد أصابتها الدهشة من أملاك زوجها الذي زاد حرصه على حده وأصبح «بخيلاً»، وآثرت الصمت حتى لا تفتن أبناءه، وحتى لا تصاب بجلطة.
تم توزيع الورث سريعاً، واشترى كل واحد من الأبناء منزلاً له، وسددوا ديونهم، وهناك من فتح له مشروعاً، وهناك من سافر بعد انقطاع، وظهرت أطقم الألماس والحقائب والأحذية وساعات الماركات، وعاشوا بسعادة وهناء، بعد ضنك وشقاء.
وهناك من بنى بيتاً آخر بنظام الشقق لأبنائه وبناته، وقال لكل واحد منهم: هذه الشقة لك إذا تزوجت، سيتم تأجيرها الآن، وإيجارها لك.
أما الأم الصامتة.. فقد تزوجت لتجدد حياتها، بعد انغلاق وحكرة.
هذه ليست رواية تمثيلية مما نشاهده في التلفزيون، بل هي مجموعة حقائق للأب البخيل، تم جمعها في قصة واحدة، لنقرب مدى الأثر السلبي عندما يمارس الآباء الأغنياء البخل على أنفسهم وأهليهم وأبنائهم باسم «الحرص»، وعدم الدلال أو الدلع، ودعهم يتعلموا من هذه الحياة، ودعهم يكافحوا كما كافحنا.. إلخ من شعارات يوهمون بها أنفسهم، والنتيجة أنه مات ولم يستمتع لا هو ولا زوجته ولا عياله، وترك هذه الأموال الطائلة ورثاً بدلاً من أن تكون عطاء وهبة ونفقة على الأبناء.
قال تعالى: (لينفق ذو سعة من سعته)، وقال رسول الله صلى الله عليه وسلم: «دينار أنفقته في سبيل الله، ودينار أنفقته في رقبة، ودينار تصدقت به على مسكين، ودينار أنفقته على أهلك، أعظمها أجراً الذي أنفقته على أهلك»، وقال: «خصلتان لا تجتمعان في مؤمن: البخل وسوء الخلق»، وقال: «اللهم إني أعوذ بك من البخل..».
وليس الأمر على الزوج فقط، فكم امرأة غنية أبت مساعدة زوجها، وعاشت معه في بيت متواضع، ونفقة متواضعة، وماتت ولم تسعد بأموالها، وذهبت لورثتها!
والشح أعم وأشد، فالبخل يكون على الآخرين، والشح بخل على نفسه وعلى غيره.
ولا ترجو السماحة من بخيل فما في النار للظمآن ماء
الفرق بين الحرص والبخل شعور وإحساس، واعرف ماذا يقول عنك الناس، فلا تقسوا على أبنائكم وزوجاتكم ولا على أنفسكم، فكثير من الناس يجمع المال، فلا هو متع نفسه وأهله، ولا هو أنفقها في الخير، وبالكاد يخرج الزكاة، ولعمري هذا محروم في الدنيا والآخرة، محروم من السعادة بما أنعم الله عليه من مال، ومحروم من الأجر في الآخرة، وفي النهاية سيموت الإنسان وتذهب أمواله إلى ورثته، رجلاً كان أو امرأة.
أعجبتني امرأة غنية، قالت: أنا ليس لدي عيال، فاشترت منازل لجميع أبناء إخوانها وأخواتها بالتساوي، وعملت مشاريع خيرية أخرى، فلله درها.
(قل من حرّم زينة الله التي أخرج لعباده والطيبات من الرزق).
يُنشر بالتزامن مع صحيفة “الأنباء” الكويتية.