مراعاة حساسية النفوس البشرية وملاطفتها بلطيف الخطاب ذوق بياني رفيع راعاه القرآن في بديع الخطاب إذ قال: (مَا وَدَّعَكَ رَبُّكَ وَمَا قَلَى {3}) (الضحى).
فالتوديع يكون بين الأحبة فخاطبه به، ولما كان القلى بين الأعداء تحنن في الخطاب وحذف منه ضمير المخاطبة، فقال: (وَمَا قَلَى).
وعندما أباح المولى عز وجل لنبيه صلى الله عليه وسلم أن تهبه امرأة نفسها دون مقابل مهر، وذلك مما خصه الله به دون غيره من الناس، تلطف البيان بأسلوب راعى فيه الحرج النفسي الشديد في هذا المقام، فقال (وَامْرَأَةً مُّؤْمِنَةً إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا خَالِصَةً لَّكَ مِن دُونِ الْمُؤْمِنِينَ) (الأحزاب: 50).
فقال (للنبي) ولم يخاطبه مباشرة بقوله: (إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ أَن يَسْتَنكِحَهَا).
فتلطف في الخطاب مراعاة للحرج النفسي في هذا المقام فجعل مقام النبوة هو علة الإباحة في هذا المقام فقال: (إِن وَهَبَتْ نَفْسَهَا لِلنَّبِيِّ إِنْ أَرَادَ النَّبِيُّ).
ثم عندما خف الحرج في المقال باشره بالخطاب فقال: (خَالِصَةً لَّكَ).
وما أجمله من بيان وأرقاه أيضاً، عندما عاتب نبيه فقال: (عَبَسَ وَتَوَلَّى {1} أَن جَاءهُ الْأَعْمَى {2} وَمَا يُدْرِيكَ لَعَلَّهُ يَزَّكَّى {3}) فغيبه في العتاب، ثم تحنن به في الخطاب، والتفت إليه البيان بعد غياب!
_________________
المصدر: “إسلام أون لاين”.