يعتبر التراث الإسلامي في المغرب ثمرة عدة قرون من الحضور في هذا البلد، وهي فترة تتميز بالعطاء الكبير والتنوع الشديد أدباً وعلماً وهندسة وصناعة وعادات وتقاليد مميزة بسلوك مجتمعي راقٍ، ومن أبرز ما اهتم به المسلمون في هذا البلد الموجود في شمال أفريقيا بناء المساجد عمارة وفناً، حتى أضحى ذلك علامة مميزة لهذا التراث.
تُحسب في المغرب آلاف المساجد التاريخية التي تعتبر تراثاً إنسانياً موسوماً بالجمال والبهاء، ومنها من ارتبط اسمه بجامعات علمية، أبرزها «القرويين»، التي تعتبر أول جامعة علمية شاملة من نوعها في العالم.
ولم يقتصر بناء المساجد على الماضي، فهو مازال مستمراً إلى اليوم، قوامه مال تطوع المجتمع وإشراف الدولة، كما يلاحظ الباحث في التاريخ الأكاديمي، عمر الفاسي، في تصريح لـ»المجتمع».
ويبرز الفاسي أن أول ما قام به المولى إدريس الأول (127هـ/ 743م – 177 هـ/ 793م)، باني أول دولة وحضارة إسلامية في المملكة المغربية، هو بناء المسجد في العاصمة فاس.
وخلال مدة حكمه التي دامت خمس سنوات، وحّد فيها البلاد، وبنى في كل بلدة يحل بها مسجداً، وآخى بين المسلمين عرباً وأمازيغ.
إضافة إلى ذلك، فقد تزوج إدريس الأول من سيدة أمازيغية اسمها كنزة، والراجح أن اسمها يزة (اسم أمازيغي)، وكان المسجد عنواناً للقاءات المجتمعية، ومقراً للتخطيط المدني والعسكري.
ويؤكد الفاسي أنه في عهد الدولة الموحدية التي امتدت إلى الأندلس وتوغلت في أفريقيا، كان العنوان البارز في التراث الإسلامي هو الفخامة في تناسب تام مع ما وصلت إليه الدولة من علو وازدهار في جميع الميادين.
ويتجلى ذلك أيضاً في عمارة المساجد، وتظهر في بناء ثلاث صوامع مازالت شاهدة حتى الآن على دور المسجد في الحياة العامة، وهي: مسجد الكتبية بمراكش، ومسجد حسان بالرباط، وصومعة الخيرالدة بإشبيلية الأندلسية.
ويضيف الفاسي: خلال الدولة المرينية مثلاً اتجه الفن الإسلامي إلى التفاصيل الدقيقة بتبني النقش على الجبس، بعدما ساد النقش على الخشب والحجر في فرات سابقة، ويوضح أن فلسفة المرينيين كانت تقوم على ابتكار «الجمال الزائل»، حتى إذا أبدعوا تحفة في نقش الجبس كان الزمن كفيلاً بمحوها، على حد تعبيره.
من جهته، أكد الأكاديمي والباحث أحمد متفكر، في تصريح لـ»المجتمع»، أن التراث الإسلامي في المغرب غني بتنوعه، والمساجد المبنية هي انعكاس على هذا الأمر.
ويشير متفكر، صاحب كتاب «مساجد مراكش»، إلى أن عمارة المساجد استندت إلى ركيزة دينية، فقد ائتمر الناس بأمر الله في بناء المساجد، وأن يعمروها بعبادته وإقامة الصلاة فيها، ووعد بناة المساجد بأن يجعل لهم بيتاً في الجنة.
ويضيف أنه في المسجد يتعلم المسلم التواضع والمساواة والعطف والبر والالتزام بكل واجب، كما يعتبر المسجد في الإسلام دعامة قوية من أهم الدعائم التي قام عليها المجتمع الإسلامي.
ويشير متفكر إلى أن المسجد هو الذي يغرس في قلب المسلم التربية الربانية، ففي المسجد يلتقي المسلم مع أخيه المسلم على هدف واحد ووجهة واحدة هي عبادة الله تعالى، كما أن في المسجد تشكلت النواة الأولى للمدرسة التي سيتعلم فيها الكبير والصغير، والشريف والوضيع، الأبيض والأسود.
ويعود الأكاديمي عمر الفاسي للتذكير بأن اهتمام المغاربة ببناء المساجد لم يكن تكلفاً، وإنما سلوك مدني، مبرزاً أنه لم يكن غريباً أن يتمكن المذهب المالكي في عموم البلاد.
ويؤكد الفاسي أن التوجه إلى عمارة المساجد كان له أبعاد متنوعة؛ دينية وفنية ومجتمعية، بالنظر إلى كون المكان مقدساً ولا يمكن أن تطاله يد عابث أو تدنسه قدم متهور.
وبالتالي، فإن الجهود كانت تتوحد من أجل أن تكون المساجد في أبهى حلة، تستقبل جموع المصلين، وتؤسس لمجتمع متضامن ومتطور.
ويوضح أن بصمة المغاربة في التراث الإسلامي لم تكن حديثاً يُروى ويحتاج إلى وثيقة، وإنما سلوك يُقتدى وأثر يُشاهَد.