أكد الشيخ عبدالحميد البلالي، رئيس جمعية بشائر الخير الكويتية، المتخصصة في معالجة الإدمان والوقاية منه، أن إدمان المخدرات في الكويت آفة حقيقية مثل النار تزداد ولا تنقص، وتزيد يوماً بعد يوم، متهماً الإعلام بالتقصير في القيام بدوره في مواجهتها، ومرجعاً أسبابها إلى انشغال الوالدين والصحبة السيئة والإعلام المفتوح.
لكنه أشار، في حواره مع “المجتمع”، إلى أنه توجد استجابة كبيرة لدى فئة الشباب للعلاج منه والإقلاع عنه؛ حيث يتعافى الآلاف من الشباب، مدللاً بذلك على أن الإدمان ليس مرضاً مزمناً؛ عقلياً ومنطقياً وطبياً، بل هو اختيار وسلوك منحرف، وهو مرض مؤقت، يتم الشفاء منه.
تحولت لجنة بشائر الخير إلى جمعية بشائر الخير، كيف تحولت من لجنة إلى جمعية؟ وكيف كانت البداية؟
– أولاً نقدم الشكر الجزيل إلى مجلة «المجتمع» العريقة، التي لا تألو جهداً في تغطية قضايا المجتمع، وما يهم الأمة الإسلامية بالعالم كله وليس في الكويت فقط.
قضية المخدرات خطيرة جداً، وتؤرق المجتمع الكويتي وكل مجتمع في العالم، وهي بلا شك من أكبر القضايا المجتمعية في العالم أجمع، والكويت ليست استثناء عن بقية دول العالم.
وهذه الآفة تستشري وتنتشر في العالم كله، ولا يوجد أي بلد آمن من تلك الآفة الخطيرة، ونحن بدأنا عندما تلمسنا هذه المشكلة في بداية عام 1993م، وأحببنا أن نخوض هذه التجربة، بالرغم من أنه لم يكن لدينا خبرة كافية في هذا المجال، ولكن مع الوقت امتلكنا هذه الخبرة.
بدأنا كلجنة في جمعية الإصلاح الاجتماعي اسمها «لجنة التوعية الاجتماعية»، وكانت هذه اللجنة من قبل تسمى «لجنة المظاهر الدخيلة»، وبعد الغزو غيرناها إلى «لجنة التوعية الاجتماعية».
عملنا لمدة عام أو عامين، فوجدنا أنفسنا أننا قد برزنا في قضية المخدرات، فارتأينا كمجلس إدارة أن نتخصص فقط في المخدرات ونترك بقية الأمور لبقية اللجان، وتداولنا الأمر، وكيف نغير اسم اللجنة، وفي النهاية توصلنا إلى أن نطلق عليها «بشائر الخير»، وتجنبنا أن نطلق عليها أسماء مثل «أصدقاء المدمنين» وغيرها؛ حتى لا نقوم بتنفير من يأتي إلينا، ولا نرغب في تذكيرهم بالماضي، واخترنا اسماً فيه جاذبية وتفاؤل «بشائر الخير»، ومن ثم بدأنا العمل في تخصصنا هذا لمدة تقارب 7 سنوات، وقدمنا طلباً إلى وزارة الشؤون الاجتماعية والعمل بإنشاء جمعية، ووافقوا مشكورين، فتحولنا من لجنة إلى «جمعية بشائر الخير»، وأصبح لنا مقر منفرد، وبدأ العمل المؤسسي، وكنا في كل يوم نزداد خبرة ونتلافي الأخطاء، وكان من الطبيعي جداً أن نقع في بعض الأخطاء، وبفضل الله تعلمنا من أخطائنا، وكما قيل: من الخطأ تتعلم الصواب.
هكذا تحولنا إلى جمعية مؤسسة، لها مجلس إدارة، وهيكلة، وأعمال ولجان تعمل تحتها في أماكن غطت كل الكويت.
هل لديكم شراكة مع بعض مؤسسات الدولة لمعالجة هذه الآفة الخطيرة؟
– أقوى شراكة عندنا أننا نعمل تحت مظلة وزارة الشؤون، لأننا في النهاية تابعون لها، ولكن أكبر شراكة بعد وزارة الشؤون هي وزارة الداخلية، حيث سمحوا لنا بالدخول إلى السجن مبكراً جداً حتى قبل أن نُشهر، وكان ذلك في البدايات حينما كنا تابعين لجمعية الإصلاح، حيث كنا ندخل إلى السجون ونلتقي مع المدمنين، ونجلس معهم جلسات فردية وجماعية، ونوجههم ونحاضر فيهم، ولمسنا نتائج إيجابية ورغبة جامحة عند السجناء للتوبة، وبدأ التفكير أنه بعد خروج هؤلاء إلى أين يذهبون، ولم يكن هناك برامج بخصوصهم غير برنامج وزارة الداخلية بأنها تقوم بالإشراف عليهم وتتابع مسارهم وحركاتهم، لذا كنا نقترح على مديري السجن وقادة وزارة الداخلية في المؤسسات الإصلاحية بمتابعتهم، إلى أن وجدنا صدى لطلباتنا، حيث وافقت الوزارة بإنشاء إدارة جديدة تسمى إدارة الرعاية اللاحقة، وهي تابعة لوزارة الداخلية، وهي خاصة بمدمني المخدرات بشكل خاص.
ومهمة هذه اللجنة أن من يخرج من السجن بما يسمى «الإفراج المشروط»؛ بمعنى إذا حكم عليه خمس سنوات يمكث سنة داخل السجن ثم يخرج، ويخرج من السجن إذا حقق الشروط التي تتيح له الخروج، وهي أن يحفظ جزءاً من القرآن الكريم، وأن يكون سلوكه حسناً داخل السجن، ويحضر جميع المحاضرات والدورات التي تقوم بها «بشائر الخير»، وبقية الإخوة المشاركين معنا من هيئة الشباب والرياضة، ووزارة الصحة، وفي حالة حضوره لكل هذه الدورات، وتنفيذ بقية الشروط؛ فيتم عقد لجنة «العفو الأميري»، ونحن شركاء في اللجنة، فإذا قرر الجميع بأن هذا السجين المدمن تنطبق عليه الشروط يؤمر بإخراجه، وكلمة «مشروط» معناها أنه يجب أن يلتزم بالأخلاق الحميدة، والابتعاد عن المخدر خارج السجن إلى أن تنتهي محكوميته.
حيث تقوم وزارة الداخلية كل أسبوع بعمل فحص مخدرات لهذا السجين المفرج عنه، ونحن كذلك نقوم بعمل إعادة تأهيله نفسياً واجتماعياً ودينياً وأخلاقياً، من خلال البرامج المتعددة الترفيهية والتربوية والنفسية.
من خلال خبرتكم بالمشاركة في علاج إدمان المخدرات، هل يعد الإدمان بالكويت آفة حقيقية، أم هالة إعلامية؟
– إدمان المخدرات في الكويت آفة حقيقية بالفعل، والإعلام لم يقم بدوره الكامل نحو هذا الأمر؛ فالآفة حقيقية، نلمسها ونعايشها، وهي مثل النار، تزداد ولا تنقص، وتزيد يوماً بعد يوم، من خلال عدة تطورات:
الأول: الفئة العمرية: فالفئة التي كانت تأتي إلينا في عام 1993 – 1996م، كانت تبدأ من 30 عاماً فما فوق، والآن الحالات تبدأ من سن 10 أعوام! فمعظم الحالات التي تأتينا اليوم تحت 20 عاماً، وقليل جداً يأتينا فوق الـ30 عاماً، وهذا تطور لافت.
الثاني: السعر: ففي البداية كان التعامل مع الحشيش، والخمور، والهيروين، وكانت غالية جداً، أما الجيل الجديد من المخدرات مثل الشبو، والكيميكل، فيُباع بأسعار زهيدة، بل إن بعض أنواع المخدرات يتم بيعها بواسطة الإنترنت!
لذا فهناك تطور في الفئة العمرية، ونوعية المخدرات، والأسعار، ونوع الجنس، في الماضي كان الإدمان مقصوراً على فئة الشباب، والآن صار يشمل الفتيات أيضاً، والموظفات؛ فالإدمان على المخدرات في الكويت أصبح آفة خطيرة جداً.
هل هناك استجابة للإقلاع عن إدمان المخدرات من قبل الشباب؟
– توجد استجابة كبيرة والحمد لله تعالى، ولولا هذه الاستجابة لما أمكنا أن نستمر في جهادنا ضد هذه الآفة الخطيرة، ولا نزعم أننا نجحنا بنسبة %100 ولكننا نستطيع أن نحدد نسبة نجاحنا بأنها تتراوح بين 50 و%60؛ لأن المراهق يمر دائماً بمرحلة صعبة من حياته، فهو يرى نفسه الأفضل والأحسن في كل شيء؛ لأنه لم يصل إلى سن النضج، لذلك من الصعب النجاح بشكل كامل مع هذه الفئة، وإن كنا ننجح بشكل عام، وأعداد التائبين تزداد.
مؤخراً، عقدنا محاضرة حضرها أكثر من 70 شخصاً، والمكان لم يتسع لآخرين، لذلك نبحث عن صالة كبيرة حتى تستوعب هذه الأعداد المتزايدة.
هل المدمن على المواد المخدرة يعد مريضاً نفسياً؟
– هناك خلاف في هذا الأمر، فرأي يقول: إنه مريض نفسي، ورأي آخر يخالفه، ونحن نرى أن الإدمان اختيار؛ لأنه سلوك، ولم يجبره أحد على التعاطي، وما دام هذا اختياره، فهو سلوك ناتج عنه برغبته وإرادته.
لكن متى يتحول إلى مرض؟ حينما يقع في الإدمان؛ فالمدمن بلا شك حالة مرضية، أما بداية الإدمان فهو سلوك واختيار، والله تعالى يعاقب على السلوك، والقوانين تعاقب على السلوك؛ فمنطقياً ألا يتم وصف السلوك على أنه مرض مزمن، بل هو اختيار وسلوك منحرف، وهو مرض مؤقت، يتم الشفاء منه.