شاء الله تعالى أن يجعل في الأمة مجددين ودعاة يأخذون بأيدي الناس إلى مظان الخير والهداية؛ فهم مشاعل تضيء للناس طريقهم، ويعد موت أحدهم انطفاء لأحد هذه المشاعل، لكن الله عز وجل جعل هذه الأمة أمة متجددة ومجدّدة.
وفي هذا العدد، نقف مع بعض من رحلوا عن عالمنا في شهر نوفمبر، وهم:
مصطفى مشهور.. المربي القدوة
إحدى الدعائم الرئيسة التي ارتكزت عليها «الإخوان» في التأسيس الثاني تحت قيادة عمر التلمساني
بين تاريخ وفاته، ومولده في 15 سبتمبر 1921م، بقرية السعديين التابعة لمركز منيا القمح بمحافظة الشرقية بمصر، حياة حفلت بمعاني التربية والقدوة؛ حيث اعتبر التربية على طريق الدعوة من ألزم الأمور وأهمها، فقد كانت وستظل معْلماً من معالمها، وثابتاً من ثوابتها، في الإصلاح والتغيير والبناء والتكوين.
نشأ مصطفى مشهور في أسرة كريمة، معروفة بتدينها، وفضلها، وكرمها، وانتمائها العربي الأصيل، واعتزازها بإسلامها.
التحق بكتَّاب القرية ليحفظ القرآن الكريم، وظل في مراحل التعليم المختلفة، حتى التحق بكلية العلوم التابعة لجامعة فؤاد الأول (جامعة القاهرة الآن)، وتخرج فيها عام 1942م، حاملاً شهادة البكالوريوس في العلوم، وبعد تخرجه عمل بوظيفة «متنبئ جوي» في مصلحة الأرصاد الجوية.
تعرف على دعوة الإخوان المسلمين وهو في سن الخامسة عشرة عام 1936م، وما إن بلغ سن الجامعة حتى تم اختياره ليكون أحد قادة «النظام الخاص» الذي أسسه الشيخ حسن البنَّا ليكون حائط صد ضد الإنجليز بمنطقة القنال، والصهاينة في فلسطين، إلا أنه اعتقل عام 1948م في قضية «السيارة الجيب» لمدة ثلاث سنوات.
بعد الإفراج عنه عاد لعمله، بعد اختيار المستشار حسن الهضيبي مرشداً عاماً للجماعة خلفاً للبنا، لكن سرعان ما حدثت الأزمة مع ضباط الثورة، واعتقل في مدينة مرسى مطروح من مكان عمله عام 1954م، وأفرج عنه عام 1964م، لكن سرعان ما اعتقل في العام التالي ليظل في السجن حتى عام 1971م.
خرج مشهور فكان أحد الدعائم الرئيسة التي ارتكزت عليها جماعة الإخوان في التأسيس الثاني تحت قيادة عمر التلمساني.
اختير عام 1986م نائباً للأستاذ محمد حامد أبو النصر، إلا أنه اعتبر مهندس الجماعة ومفكرها، فقد اهتم بالمنهج التربوي للجماعة، وظل كذلك حتى تم اختياره مرشداً عاماً للإخوان عام 1996م، ليظل قائداً لها حتى وفاته مساء الخميس 9 رمضان 1423هـ، الموافق 14 نوفمبر 2002م.>
خليل الحامدي.. خير سفير للجماعة الإسلامية
كان همزة الوصل بين الجماعة الإسلامية في باكستان والحركات الإسلامية بالبلاد العربية والإسلامية
ولد الشيخ خليل أحمد الحامدي في 23 يونيو 1929م بقرية «حامد» الواقعة في محافظة «فيروزبور» الهندية، وحفظ القرآن الكريم في طفولته، ثم التحق بالمدرسة الأعظمية في مدينة «كرنال» وتخرج فيها عام 1945م.
التحق الشيخ الحامدي بالجماعة الإسلامية في وقت مبكر، وظل بها حتى اختير مساعداً لمدير دار العروبة للدعوة الإسلامية، ثم صار مديراً لها بعد ثمانية أعوام، وأصبح أحد رموز الجماعة الإسلامية.
عمل أيضاً مديراً لمعهد المودودي العالمي للدراسات الإسلامية، ومديراً للمجلس التعليمي الإسلامي ومجمع المعارف الإسلامية، كما شغل عضوية الهيئة الخيرية الإسلامية العالمية بالكويت، والمجمع الملكي لبحوث الحضارة الإسلامية بالأردن.
كان يحرص على التربية وهداية الناس إلى الإسلام والطريق الصواب، فعمل واعظاً بالسجن المركزي بمدينة لاهور لمدة عام، وهدى الله على يديه كثيراً من السجناء.
كان الحامدي همزة الوصل بين الجماعة الإسلامية بباكستان والحركات الإسلامية في البلاد العربية والإسلامية، ونشط في ترجمة العديد من مؤلفات زعماء الحركة الإسلامية؛ مثل أبو الأعلى المودودي، وحسن البنا، وغيرهما، وزخرت المكتبات بالعديد من كتبه التي كان لها أثر معرفي وثقافي في العالم الإسلامي، وكان من مؤلفاته: «أبو الأعلى المودودي»، و«الإسلام في مواجهة التحديات المعاصرة»، و«حول تطبيق الشريعة الإسلامية في العصر الحاضر»، و«المبادئ الأساسية لفهم القرآن».
وبلغ من تأثيره أن قال عنه الشيخ قاضي حسين أحمد، أمير الجماعة الإسلامية السابق، يرحمه الله: «من أوصاف الشيخ الحامدي أنه لا ييأس مهما كانت الظروف، وكان يرشد الشباب بأن المستقبل للإسلام، وكان لجولاته في الدول العربية والإسلامية طيلة ثلاثين عاماً الأثر الكبير لمعرفة أحوال الشعوب الإسلامية والدعاة العاملين للإسلام».
وقال عنه د. يوسف القرضاوي: «كان الشيخ خليل الحامدي خير سفير للجماعة الإسلامية في المجامع والمجتمعات العربية والإسلامية، لما يتحلى به من علم نافع وعقل ناضج، وخلق فاضل، وإخلاص نادر، وبصيرة نيّرة، ونشاط دائب، ومعرفة في الدعوة الإسلامية في العالم ورجالاتها، وإجادة اللغة العربية كأنه أحد أبنائها الخُلص».
وفي 21 جمادى الأولى 1415هـ، الموافق 25 نوفمبر 1994م، استيقظت باكستان على حادث مروع؛ حيث تعرض الشيخ الحامدي إلى حادث مروري أودى بحياته، فزحف الناس من كل حدب وصوب لحضور جنازته التي كانت تجسيداً لسيرته العطرة.>
حسن طنون.. عالم جليل وداعية بليغ
مارس الوعظ والإرشاد بالمساجد والتجمعات في أنحاء السودان
أصر على البقاء بالكويت أثناء الغزو وفاء منه لأهلها ولم يعط الطاغية أي كلمة رضا
في أرض أنبتت طيبة وكرماً، ولد حسن طنون عام 1916م بمدينة وادي حلفا بالسودان، وترعرع فيها، وحرص والده على تعليمه علوم القرآن الكريم، وتدرج في مراحله التعليمية، ومارس الوعظ والإرشاد وإلقاء الدروس في المساجد والزوايا والحلقات والتجمعات في أنحاء متفرقة من السودان، وكانت له دروس ومواعظ منتظمة، وزيارات متعددة لمعظم المدن والقرى السودانية، واستمر يدعو إلى الله تعالى في السودان طيلة 20 عاماً.
ترك آثاراً طيبة، وتأثر به الكثيرون؛ لصدقه وإخلاصه، ورقّة مواعظه، فكان كثير البكاء والتأثر، يُبكي السامعين، ويعيش معهم في أجواء روحانية إيمانية تنقل الجماهير من ثقل المادة إلى آفاق الروح الصافية.
يقول الكاتب ناصر أحمد العمار: «رحل الشيخ حسن طنون إلى الكويت أواخر الستينيات، فاستقبله أهل الكويت أحسن الاستقبال، ورحبوا به أجمل الترحيب، وظل يؤدي دوره الدعوي في تذكير الناس ووعظهم لسلوك سبل الخير والصلاح، وطريق النجاح والفلاح، وتأثر بمواعظه العديد من الشباب، وهداهم الله على يديه، وكان تأثيره على الكبار والصغار والنساء والفتيات عظيماً جداً، بحيث التزم الكثير ممن لم يكونوا ملتزمين، وأصبح هذا الجمهور من السامعين والمتأثرين بالشيخ حسن طنون يشكلون اليوم القاعدة العريضة من المجتمع الكويتي، فهو عالم جليل، وداعية بليغ، وواعظ مؤثر».
تعرض لحادث انقلاب سيارته أثناء زيارته البيت الحرام، وأصيب إصابة بالغة، وترتب عليها شلل نصفي في الجزء السفلي من جسده، وظل صابراً على هذا الابتلاء ما يزيد على 15 عاماً، لا يُرى إلا ذاكراً لله تعالى، تالياً للقرآن الكريم.
كان محبوباً من جميع الناس وسائر الطبقات، يحظى بالتقدير من أهل الكويت جميعاً؛ الشيوخ والشباب الذين ألحّوا على بقائه بالكويت، حتى بعد إصابته وعجزه.
وظل بالكويت في فترة الغزو العراقي الغاشم، ولم يغادرها، وفاء منه لأهلها، ولم يعطِ الطاغية أي كلمة رضا أو تأييد، بل كان يصدع بكلمة الحق، وإنكار الظلم الذي وقع على أهل الكويت، غير مبال بكل التهديدات التي أطلقها الظالمون المعتدون.
وبعد رحلة جهاد طويلة بالكلمة، نثر فيها ورود الحب والتمسك بالدين الإسلامي، رحل الشيخ حسن طنون بالكويت مساء الجمعة 6 نوفمبر 1992م، وشيِّع في جنازة مهيبة تحمل طابع الوفاء لهذا الداعية المؤمن العامل.
___________________________________________________
1- عمالقة في زمن النسيان: عبده دسوقي، ومريم السيد، دار منارات للنشر والتوزيع، 2008م.
2- عبدالله العقيل: من أعلام الدعوة والحركة الإسلامية المعاصرة، طـ7، دار البشير، 2008م، صـ260- 267.
3- الواعظ الموفق.. الشيخ حسن طنون: إخوان ويكي،