عندما أيقن رئيس النظام العراقي البائد الذي غزا الكويت في الثاني من أغسطس 1990 أنه سيُطرد من دولة الكويت، وفي إجرام لم يسبقه إليه أحد من المجرمين أمثاله، قام وقت انسحابه بإشعال 1073 بئراً نفطية، وذلك عن طريق تفجيرها؛ مما أدى إلى احتراق أكثر من 727 بئراً، مسبباً غيمة سوداء غطت سماء الكويت والدول المجاورة لها، بل وحتى بعض دول الخليج العربي والدول المطلة على المحيط الهندي؛ مما أدى إلى حصول مشكلات بيئية وتلوث في الجو العام.
إن استخدام مادة “تي إن تي” هي الوسيلة الغالبة في تفجير الآبار النفطية، حيث استخدم ما يقارب 14 طناً من هذه المتفجرات بهذه العملية، وبمتوسط 11 كيلوجراماً للبئر الواحدة، كما استُخدمت أكياس الرمل لوضعها فوق المتفجرات؛ وذلك لمضاعفة الضغط على رأس البئر ومضاعفة درجة التخريب، كما تم استخدام القنابل العنقودية وقذائف الدبابات في تفجير بعض الآبار؛ وذلك لعدم توافر مادة “تي إن تي”، أو تعثر الوصول لرأس البئر بسبب الألغام المزروعة.
وانقلب النهار في الكويت إلى ليل من شدة الحرائق، وأصبح الجو ملوثاً، وقُتل الكثير من الكائنات الحية؛ مثل الطيور ونفوق الأسماك، وأصيب العديد من المواطنين الكويتيين بأمراض كثيرة، منها الربو الشعبي؛ وذلك لاستنشاق الهواء الملوث، ونتج عن حرائق الآبار بعد عدة سنوات إصابات كثيرة بمرض السرطان؛ بسبب انبعاث العديد من المركبات السامة والمضرة بصحة الإنسان.
وقد اشتملت الغازات المنبعثة على أول أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكربون، وثاني أكسيد الكبريت، وأكاسيد النيتروجين وكبريتيد الهيدروجين، والكثير من المركبات الهيدروكربونية.
كما لوحظ اختلاف واضح في لون الدخان؛ إذ كان شديد السواد في معظم الحالات نتيجة احتوائه على نسبة عالية من السخام (20 – 25% منه)، وكان يشوب الدخان اللون الأبيض في حالات قليلة نتيجة لبخار الماء واحتراق الأملاح ككلوريد الصوديوم وأملاح الكالسيوم والبوتاسيوم، كما قدرت كمية الدخان الأسود الناتج عن النفط المحترق بحوالي 14 – 40 ألف طن يومياً، كما قدرت كمية ثاني أكسيد الكربون المنطلق بمليوني طن؛ أي ما يعادل 2% من النسبة العالمية لإنتاج ثاني أكسيد الكربون، أما ثاني أكسيد الكبريت، فإن كميته تصل إلى 9 آلاف طن يومياً، وحوالي 350 طناً من أكاسيد النيتروجين، و250 طناً من غاز أول أكسيد الكربون.
ولكن الإرادة الكويتية دائماً ما تكون في وجهة الأزمات والمصاعب، حيث استدعت الكويت 15 شركة بواقع 26 فريقاً، بالإضافة إلى فريق الإطفاء الكويتي في مكافحة حرائق الآبار النفطية، واستخدمت هذه الشركات ما يقارب 10 آلاف عامل من 37 دولة.
بدأت كل من شركة ريد أدير وبوتس آند كوتس ووايلد ويل منترول وسيفتي بروس بعمليات الإطفاء قبل بقية الشركات بمدة تقارب الخمسة أشهر، وهذا يبرر ارتفاع عدد الآبار المطفأة من قبلها مقارنة بالشركات الأخرى، حيث قامت هذه الشركات الأربع بالسيطرة على 78% من مجموع الآبار المدمرة، وتمت محاسبة الشركات على أساس الأجر اليومي وليس حسب عدد الآبار المسيطر عليها، وذلك لاختلاف حجم الأضرار من بئر إلى أخرى، كما أن الأجر اليومي يعطي مرونة أكبر في التعامل مع الآبار والمعدات.
وشكلت الكويت فريق إطفاء للمشاركة مع هذه الفرق، وكان الفريق مبهراً جداً؛ حيث تمكن الفريق الكويتي لإطفاء الآبار النفطية والمكون من 25 كويتياً برئاسة عيسى بويابس من إطفاء أول بئر نفطية.
وكان الفريق الكويتي الذي يتكون من طاقم متكامل من مختلف التخصصات ويضم مھندسي حفر، ومھندسي بترول، ورجال إطفاء ومھندسي صيانة آبار، ومھندساً مدنياً.
وبرز فريق إطفاء الآبار الكويتي الذي بدأ عملھ في 11 سبتمبر عام 1991 من بين فرق الإطفاء الأخرى في السيطرة على 41 بئراً مشتعلة خلال 46 يوماً؛ أي بمعدل يوم واحد وساعتين للبئر الواحدة من بين أكثر من 700 بئر أشعلھا النظام العراقي في الكويت قبيل اندحاره.
كما حظي الفريق بإعجاب نظرائھ من الفرق الأخرى في السيطرة على البئر رقم 160 في حقل برقان رغم كثافة كمية النفط المتسربة منھ وارتفاع شعلة اللھب التي بلغ طولھا 150 متراً.
واحتفلت دولة الكويت في السادس من نوفمبر 1991 بحضور سمو أمير البلاد الراحل الشيخ جابر الأحمد الجابر الصباح رحمه الله بإطفاء نار آخر بئر نفطية أشعلھا طاغية العراق، وكان ذلك في البئر رقم 118 في حقل برقان بعد عمل مضنٍ وشاق استمر 240 يوماً؛ منذ 11 مارس 1991 بمشاركة فرق من مختلف أنحاء العالم.
وتكبدت الكويت خسائر في كمية النفط المحروق وتدمير البنية التحتية النفطية ومصاريف فرق الإطفاء، فنتيجة لتدمير معظم الآبار النفطية انخفض مستوى إنتاج النفط لمستويات متدنية؛ مما حرم الكويت من مصدرها الرئيس للدخل، كما سببت حرائق الآبار بفقدان ما بين 4 – 6 ملايين برميل من النفط، و100 مليون متر مكعب من الغاز يومياً، وهذا الرقم يعتبر أكثر من ضعف إنتاج الكويت من النفط الخام في تلك الفترة الذي يقدر بمليوني برميل يومياً.
كما طال التدمير موانئ التصدير وخزانات التجميع ومصافي النفط؛ مما وضع الصناعة النفطية في شلل تام بعد الأيام الأولى بعد تحرير الكويت، وخسرت الكويت نتيجة للنفط المحروق ما يقارب 600 مليون برميل -يوازي استهلاك العالم للنفط لمدة 3 أشهر في تلك الفترة- أي ما يعادل 12 مليار دولار، كما فقدت الكويت 3% من احتياطي النفط لديها، وكلفت عمليات إطفاء الآبار المشتعلة ما يقارب 2.2 مليار دولار، منها 1.5 مليار دولار لفرق ومعدات الإطفاء والبقية للخدمات المساندة.
إن إطفاء الآبار الكويتية لها الكثير من النتائج؛ أولها أن الجريمة التي اقترفها نظام صدام حسين لم تكن موجهة للكويت فقط، وإنما للعالم أجمع.
وكذلك يجب الاعتماد على العنصر المحلي مع تطعيمه بالخبرات الخارجية لكي تعم الفائدة، ويجب الابتعاد عن الموارد الطبيعية للدول أثناء الحروب، فأي مشكلة لها تنعكس على صحة الإنسان مباشرة.