للمرة الأولى في تاريخها، خاضت إسرائيل انتخابات ثالثة في غضون عام واحد؛ ولكن نتائجها، تشير إلى أن الأوضاع عادت إلى المربع الأول، مع بدء مؤشرات انتخابات رابعة، تلوح في الأفق.
فرئيس الوزراء الإسرائيلي، وزعيم حزب “الليكود” اليميني، انتصر على منافسه زعيم حزب “أزرق أبيض” الوسطي بيني غانتس، ولكنه لم يتمكن من الحسم في هذه الانتخابات لتشكيل حكومة.
كما أن محاكمة “نتنياهو” بتهم “الفساد”، التي ستبدأ منتصف مارس/آذار الجاري، تفاقم من مشاكله.
ويقول يوني بن مناحيم، المحلل السياسي الإسرائيلي، إن نتنياهو حققا إنجازا ولكنه لم يصل إلى حد الانتصار.
ويضيف بن مناحيم، للأناضول، “إن ما يحسم الأمور، هو الانتصار وليس الإنجاز، ولذلك وجد نتنياهو نفسه مجددا غير قادر على تشكيل حكومة”.
وتابع بن مناحيم، “لقد عدنا إلى المربع الأول، وهو عدم وجود مرشح قادر على تشكيل الحكومة، ولذلك فإن الانتخابات الرابعة لا تبدو مستبعدة”.
وحسب النتائج النهائية غير الرسمية للجنة الانتخابات المركزية، حصلت كتلة اليمين على 58 مقعدا من إجمالي 120 من مقاعد الكنيست (البرلمان)، مقابل 55 لكتلة يسار- الوسط.
وفي ذات السياق، لا يبدو أن وضع المعارضة، في حال أفضل، لخلافات ما بين أحزاب الوسط وهي “أزرق أبيض”، و”العمل-جيشر-ميرتس”، وحزب “إسرائيل بيتنا” اليميني برئاسة أفيغدور ليبرمان، والقائمة المشتركة، وهي تحالف 4 أحزاب عربية.
وكانت الانتخابات التي جرت الإثنين الماضي، هي الثالثة في غضون عام، بعد الانتخابات التي جرت في إبريل/نيسان 2019 وسبتمبر/أيلول الماضي.
وتكررت الانتخابات، في مسعى لإيجاد مرشح قادر على تشكيل حكومة تحظى بتأييد 61 عضوا على الأقل.
وفي هذا الشأن، يقول وديع أبو نصار، محلل الشؤون السياسية الإسرائيلية “بعد 3 جولات من الانتخاب فإن الوضع لم يتغير بل هو أصعب”.
ويضيف أبو نصار للأناضول “نتنياهو سارع للاحتفال بالنصر، ولكن وضعه الآن هو أسوأ مما كان عليه بعد الانتخابات التي جرت في أبريل/نيسان 2019، إذ في حينه كانت لديه كتلة من 60 مقعدا في حين أن لديه الآن 58 مقعدا”.
وأشارت النتائج إلى حصول “الليكود” اليميني الذي يقوده نتنياهو على 36 مقعدا مقابل 33 مقعدا لحزب “أزرق أبيض” الوسطي، بزعامة بيني غانتس.
وتَحل القائمة المشتركة، وهي تحالف 4 أحزاب عربية، ثالثا بحصولها على 15 مقعدا.
وطبقا للنتائج فإن حزب “شاس” اليميني يحصل على 9 مقاعد، وحزب “يهودوت هتوراه” اليميني على 7 مقاعد، وتحالف “العمل -جيشر-ميرتس” الوسطي على 7 مقاعد، وحزب “إسرائيل بيتنا” اليميني برئاسة أفيغدور ليبرمان على 7 مقاعد، وتحالف “يمينا” اليميني (يضم 3 أحزاب) على 6 مقاعد.
وقال بن مناحيم، “نتنياهو الآن غير قادر على تشكيل حكومة، وهو في وضع يصعب فيه تخيل تمكنه من تشكيلها”.
وأضاف “هذا الوضع يبرز سؤال ما إذا كان الرئيس الإسرائيلي رؤوبين ريفلين، سيكلفه بتشكيل الحكومة القادمة، في حين هو يدرك أنه غير قادر على ذلك”.
ويبدأ ريفلين، الأسبوع القادم، مشاورات مع الأحزاب الفائزة بالانتخابات لتحديد هوية المكلف بتشكيل الحكومة.
وأمام المكلف بتشكيل الحكومة فترة 28 يوما، يمكن تمديدها بموافقة الرئيس الإسرائيلي لـ 14 يوما إضافية، قبل تكليف مرشح آخر بتشكيلها في غضون 28 يوما.
وقال أبو نصار، “الأمور جد صعبة، ومن الصعب تخيل تشكيل حكومة في ظل الوضع القائم، وبالتالي فإن الأمور عادت إلى المربع الأول، ما يفتح الطريق أمام انتخابات جديدة لا يريدها الشعب”.
وفي ظل الوضع القائم، فإن أمام نتنياهو خيار تشكيل حكومة وحدة وطنية مع “أزرق أبيض”، برئاسة بيني غانتس، أو ضم حزب “إسرائيل بيتنا” برئاسة افيغدور ليبرمان إلى حكومته، أو محاولات ضم نواب من المعارضة إلى ائتلافه.
ولكن بن مناحيم، يعلّق على السيناريوهات السابقة بالقول “وفقا للتصريحات التي سمعناها في اليومين الماضيين فإن كل هذه التصورات غير متاحة عمليا”.
وأضاف “لقد نجح نتنياهو في وقف التدهور في مكانة اليمين الإسرائيلي، ولكن مع ذلك هو في مأزق كبير، لأن كتلة اليمين غير كبيرة بالحجم الذي يؤهلها لتشكيل حكومة”.
**المحاكمة
ومما يزيد الأمور سوءا بالنسبة لنتنياهو، هي قرب محاكمته بتهم الرشوة والاحتيال وإساءة الثقة في 3 ملفات رئيسية.
وكان المستشار القانوني للحكومة الإسرائيلية أفيخاي ماندلبليت، قدّم في فبراير/شباط الماضي إلى المحكمة المركزية الإسرائيلية بالقدس الشرقية، لائحة اتهام ضد نتنياهو، تبدأ محاكمته بشأنها في 17 مارس الجاري.
وفي حين أن قرار المحكمة قد يستغرق فترة طويلة، فإن تداعياتها تبدو كبيرة.
وقال بن مناحيم “لن تقود المحكمة إلى قرارات إدانة فورية، وقد تستغرق المحاكمة أكثر من عامين، ولكن تداعياتها كبيرة على نتنياهو”.
وأضاف “المحكمة تعني شهادات شهود عيان، ووثائق ستظهر للعلن خلال جلسات المحكمة، وقد يكون من شأنها التأثير بشكل كبير على نظرة المواطن الإسرائيلي لنتنياهو”.
وعمليا، تنتهي إجراءات المحكمة بقرار من المحكمة العليا الإسرائيلي بإدانة نتنياهو أو تبرأته، ولكن في حال إدانته فإنه قد يتم سجنه.
وقال أبو نصار، “المحكمة قد تستمر عامين أو أكثر، ونتنياهو قد يطلب التأجيل وقد يماطل، ولكن بلا شك فإن خصوم نتنياهو سيحاولون الاستفادة من الوثائق التي سيتم عرضها بالمحكمة من أجل التأثير على موقف الشارع الإسرائيلي من نتنياهو”.
** مشروع قانون عدم التكليف
ولا يحظر القانون الإسرائيلي على نتنياهو تشكيل حكومة أو ترؤسها إلى حين إدانته من قبل محكمة بتهم الفساد.
ولكن بانتظار التئام الكنيست الجديد، في 16 مارس الجاري، فإن نتنياهو يواجه مأزقا كبيرا.
فأحزاب المعارضة، تتفق في الموقف على وجوب تمرير مشروع قانون بالكنيست، يمنع شخص توجه ضده اتهامات بالفساد، بتشكيل حكومة أو ترؤسها.
وهذا ما أعلنه حزب “أزرق أبيض”، وحليفه “العمل-جيشر-ميرتس” والقائمة العربية المشتركة، وحزب “إسرائيل بيتنا”.
وفيما من المتوقع البدء بتشريع هذا القانون، أواسط الشهر الجاري، فإن تفاصيله ما زالت غير واضحة حتى الآن.
وقال أبو نصار، “الأمر يتعلق بصيغة مشروع القرار، فهل سيكون تطبيقه فوريا بعد إقراره أم انه مؤجل، بمعنى هل يمنع نتنياهو الآن من تشكيل حكومة أو ما بعد الانتخابات القادمة”.
أما بن مناحيم، فرأى أن المواقف المبدئية من جميع أحزاب المعارضة على مشروع القانون، بمثابة “ضربة لنتنياهو ولكن يتعين الانتظار لمعرفة تفاصيله”.
ومن جهة ثانية، قدمت الحركة من أجل نزاهة الحكم (غير حكومية)، الثلاثاء، التماسا إلى المحكمة العليا (أعلى هيئة قضائية بإسرائيل) مطالبة إياها بأن تحظر على الرئيس رؤوفين رفلين، إسناد مهمة تشكيل الحكومة إلى نتنياهو.
ونقلت عن رئيس الحركة المحامي أليعاد شراغا، قوله “إن شخصا سبق وأن قدمت بحقه ثلاثة لوائح اتهام ليس مؤهلا لتشكيل حكومة، فمن المستحيل أن يجلس رئيس وزراء في ساعات الصباح على مقعد المتهمين ثم يقوم في ساعات المساء بإدارة جلسة للمجلس الوزاري لشؤون الأمنية والسياسية”.