على نطاق واسع، انتشرت في تركيا مؤسسات تعليمية عربية دولية، وباتت مقصدًا مهمًا مع تزايد الحاجة إليها لأسباب عديدة، ولعل أهم دور لها هو تسهيل الدمج بين الثقافتين التركية والعربية.
وتشكل المؤسسات التعليمية والمدارس العربية الخاصة جسرًا حيويًا لتلاقي الشعبين العربي والتركي، كما أنها منصة مهمة لتلاقي الثقافتين مع ثقافات أخرى في بوتقة واحدة.
وتساهم تلك المدارس في تعليم أبناء الجاليات اللغة العربية، ونقل الثقافة التركية إليهم بتعليمهم اللغة التركية، مما يمكنهم من امتلاك أداة التواصل مع المجتمع التركي، حتى لا يشعروا بأنهم غرباء عنه.
كما تعمل تلك المؤسسات المرخصة على جمع أهالي الطلاب وتعليمهم التركية، وتنفيذ أنشطة ثقافية عديدة، تساهم بلقائهم مع عائلات تركية، فتلعب بذلك دورًا مهمًا في تقريب المجتمعين، وربطهما ببعضهما البعض.
بناء شخصية الطفل
أحمد زكريا، مدير مؤسسة “قلم” التعليمية، قال للأناضول: “نحن في المؤسسة نستهدف فئتين عمريتين، الأولى هم الأطفال بين 3 و6 سنوات وهم في عمر الروضة، والثانية من 6 إلى 12 عامًا، وهي فترة التعليم الابتدائي”.
وأضاف أن “الفئات العمرية الصغيرة مستهدفة لتنشئة الطفل وبناء شخصيته، واكتساب ثقته بالنفس، والاعتماد على الذات، واكتشاف مواطن قوته ومواهبه.. وإن كان يعاني من صعوبات في التعلم، نساعده لتجاوزها في هذه المرحلة”.
وتابع زكريا، أن “شخصية الطالب، حسب الدراسات، تتكون في السنوات الخمس الأولى، لذلك يكون التركيز الأساسي على بناء شخصية الطفل أكثر من الجانب العلمي والتعليمي، ويأتي في السياق بناء الشخصية”.
ولفت إلى أن “الفئة الثانية تتجه إلى مدارس تركية، ونعمل على مهارات الطفل والحفاظ على لغته العربية في البيئة ما يساعده في الاندماج”.
وتابع: “هناك خطأ لدى بعض الأهالي بأن الاندماج يكون فقط بتعلم اللغة التركية، لكن معرفة اللغتين يدمجه ويكسبه الثقة بالنفس”.
وأوضح زكريا، أن “معرفة التركية دون اللغة الأم تُشعر الطفل بأنه دخيل على المجتمع، بينما تعلم اللغة الأم يجعل له عمق وارتباط مع تاريخ أسرته، (وعكس ذلك) يضعف الثقة بالنفس، ولا يمكنه بالتالي من الاندماج في المجتمع”.
المناهج المناسبة
فيما يتعلق بالمناهج المتبعة في التعليم بالمدارس العربية، قال زكريا، “نعتمد مزيجًا من المناهج العربية والتركية، وما يساعدنا في عمر الروضة هو مرونة المناهج.. اعتمدنا مناهج عربية وتركية، تعتمد على اللوح الذكي لتطوير اللغة العربية وبرنامج من معهد يونس إمرة (الثقافي التركي) للتركية”.
وزاد بأن “كل قصة تفيد في هذا الهدف نعتمد عليها، اللغة العربية لها منهج، والتركية تساعد في الدمج بالمدارس التركية، وهناك برامج لتنمية المواهب والقدرات العقلية”.
وأردف أن “المؤسسات التعليمية يقع على عاتقها دور كبير في الاندماج، والعام الماضي، نُفذ نشاط ثقافي لأطفال من 12 جنسية، بينهم أطفال عرب وأتراك ومن آذربيجان، فهناك اندماج بين العرب والأتراك من جهة واندماج بين العرب أنفسهم”.
وأوضح زكريا، أنه “كان يومًا ثقافيًا، حضر الجميع بلباس تقليدي، وبصنف من الطعام، وحضر الأهالي، وهذه النشاطات وتعرف الطلاب على بعضهم تجعل الطالب، عندما يخرج لمرحلة لاحقة في مدرسة تركية، يشعر بأنه بين أطفال قريبين منه، ما يساهم باندماجه”.
وزاد بقوله: “هناك نشاطات بتدريب الأطفال على أغانٍ باللغة التركية، فيكتسب ثقة ومع دخول المدارس التركية يكون الطفل العربي موهوبًا ويغني”.
الأطفال العرب والأتراك
لفت زكريا، إلى أن المدرسة، وسائر المدارس، تستقبل طلابًا عربًا وأتراكًا، “نحن أكاديمية عربية بالأصل، ولكن نستقبل الأتراك، ولهم هدف هو تعلم اللغة العربية والاطلاع على الثقافة العربية، إما على شكل مدرسة، أو نوادٍ في العطلات”.
وأضاف “يحب الأتراك الاحتكاك بالعرب واكتساب الثقافة”.
واستطرد “ومن الأساليب التي نقصدها للمساهمة في دمج العرب بالمجتمع التركي، تنظيم دورات لغة تركية للأهالي، ما يشجعهم على تعلم اللغة، فالطفل يكتسب التركية من الدراسة”.
وختم بأن إحدى العقبات هي الأهل، الذين ينعزلون أحيانًا عن مجتمع ابنهم المتعلم للتركية، فنشجعهم ونُساهم في تعليمهم التركية، من أجل صهر ثقافة العرب والأتراك وغيرهم من الجنسيات في بوتقة واحدة.
تعليم عربي مؤقت
بموازاة المؤسسات التعليمية العربية الدولية الخاصة، توجد مؤسسات أخرى مرخصة أيضًا لكن تتبع منهاج الدول العربية، وتستهدف الطلبة المقيمين مؤقتًا في تركيا، مثل المدرستين الليبية والسودانية.
وقال الدكتور فواز عواد، عضو هيئة التدريس في جامعة يالوفا التركية، إن “المدارس الدولية العربية هي استجابة لاحتياج المقيمين في تركيا من رجال أعمال وسياسيين وناشطين وبعثات دبلوماسية، وتلبي احتياج أبناء المقيمين لكثرتهم”.
وأضاف عواد، للأناضول، “في السنوات الأخيرة لوحظ ارتفاع هائل بعدد المدارس المرخصة، وبعضها فتحت أكثر من فرع لها في إسطنبول، وهو مؤشر على الإقبال الهائل من الجاليات المقيمة ومن الطلاب”.
وتابع أن “هناك عدة مناهج، منها منهج عربي خاص، ومناهج مشتركة مع التركية.. والمدارس المرخصة لتدريس المنهاج العربي فقط، ولا تدرس التركية، لا تساعد الطلاب للحصول على وسيلة التواصل مع المحيط، وهي نقطة ضعف”.
وشدد عواد، على أن “هذه المدارس تمثل حلًا لمشكلة، وتحتاج للمتابعة، وأن تكون فيها كتب تعريفية بالمجتمع التركي وتاريخه وخصائصه، و(تنظيم) دورات تعليمية للمعلمين وإكسابهم مفاهيم ومعلومات لينقلوها إلى الطلاب.