سهل بن محمد بن سليمان بن موسى ابن عيسى بن إبراهيم العِجْلي الحَنَفِيّ نَسَباً، الأستاذ الكبير، والبحر الواسع، أبو الطّيِّب الصُّعْلُوكِيّ، وَلَد الأستاذ أبي سهْل.
هو الفقيه، الأديب، مُفْتي نَيْسابور، النجيب ابن النجيب، الصُّعْلوكي إلا أنه الغني، الذي لا يُسأَل إلا ويُجيب.
ما أمّهُ الطالبُ إلا وجدَه سهْلاً، ولا أمّلَه الرّاغب إلا وتلقاه بالبشر، وقال له: أهلاً.
جمع بين رياسَتَي الدّين والدنيا، واتّفق علماء عصره على إمامته، وسيادته، وجمْعِه بين العلم، والعمل، والأصالة، والرياسة.
يُضرَب المثلُ باسْمِه، وتُضْرب أكبادُ الإبل للرحلة إلى مجلسِه، وكان يلقّب شمسَ الإسلام.
سمع أباه الأستاذ أبا سهْل، وبه تفقّه، وعليه تخرّج، ولَدَيْه رُبِّي.
قال الشيخ أبو إسحاق: كان فقيهاً، أديباً، جمع رياسةَ الدين والدنيا، وأخذ عنه فقهاء نَيْسابور.
وقال الحاكم: الفقيه، الأديب، مُفْتي نَيْسابور، وابن مُفْتِيها، وأكْتَبُ من رأيناه من علمائها، وأنظرُهم.
قال: وقد كان بعضُ مشايخنا، يقول: من أراد أن يَعْلَم النّجيب ابن النجيب، يكون بمشيئة الله تعالى، فليَنظر إلى سهْل بن أبي سْهل.
واجتمع إليه الخلقُ اليومَ الخامس، من وفاة الأستاذ أبي سهْل، سنة تسع وستين وثلاثمائة.
وقد تخرّج به جماعةٌ من الفقهاء، بنَيْسابور، وسائر مُدُن خراسان، وتصدّى للفتْوَى، والقضاء، والتّدْريس.
قال: وبلغني أنه وُضِع له في مجلسه أكثرُ من خمسمائة مِحْبَرة.. وكان أبوه يقول: سهْلٌ والد.
ودخلتُ على الأستاذ في ابتداء مرضِه، وسهْل غائب إلى بعض ضياعه، وكان الأستاذ يشكو ما هو فيه، فقال: غَيْبَة سهل أشدُّ (عليَّ) من هذا الذي أنا فيه.
وقال أبو عاصم العبّادِيّ: هو الإمامُ في الأدب، والفقه، والكلام، والنحو، والبارعُ في النّظر.
وقال الحافظ الإمام أثير الدين أبوعبدالله محمد بن محمد بن محمد بن غانم بن أبي زيد المُقْرِي، في كتابه الذي سماه» الكتاب الذي أعدّهُ شافعيٌّ، في مناقب الإمام الشّافِعِيّ»: سهل بن محمد الصُّعْلُوكِي، كان فيما قيل: عالَما في شخْصٍ، وأُمّةً في نَفْس، وإمامَ الدنيا بالإطلاق، وشافِعِيّ عصره بالإطْباق، ومن لو رآه الشافعي لقرّتْ عينُه، وشهد أنه صدْرُ المذهب وعينه.
ومن كلامه ورشيق عباراته: فمن حكيم كلامه من تصدّر قبل أوانه، فقد تصدّى لهوانه.
ومنه: إذا كان رضا الخلْق معسُورُه لا يدرك، كان ميسّورُه لا يُتْرَك.
قلتُ أرشق منه قولُ الفقهاء: الميسُورُ لا يسقط بالمعسور.
وهو مأخوذ من قول أفْصح من نطَق بالضّاد صلّى الله عليه وسلم: «إذا أمَرْتُكُم بِأَمْرٍ فأْتُوا منه ما استطعتم».
ومنه: إنما يُحتاج إلى إخوان العِشْرة لِزَمان العُسْرة.
مات الأستاذ أبو الطّيب في رجب سنة أربع وأربعمائة، بنَيْسابور(1).
العبر والفوائد التربوية والإيمانية:
– طلب العلم نور وبركة في بيت المسلم وعلى ذريته وأهله وفي دينه ودنياه وعاقبة أمره.
– التيسير والتسهيل لدى الداعية والعالم مدعاة لتقبل دعوته والاستماع إليه والاجتماع من حوله، وكذا هو المربي الحكيم والأب الرحيم الكريم.
– قد يجمع الله تعالى للعالم الحكيم التقي رياستي الدين والدنيا، وذلك فضل الله يؤتيه من يشاء.
– الجمع بين طلب العلم وبرّ الوالد وحبه منزلة كريمة ومنقبة عزيزة يوفق الله من شاء من عباده لها، ومن كرم الله تعالى يجعل العلم والتميز العلمي ميراثاً موصولاً بين الآباء والأبناء.
– تميُّز علمائنا في علوم مختلفة، والجمع بينها من أدب وفقه ونحو..
– العمل الجاد للعالم الرباني حيث الجمع بين القضاء والفتوى والتدريس.
– كرم العالم وجوده على الناس بما يستطيع ويملك.
والحمد لله رب العالمين.
__________________________________________________________________
(1) عبدالوهاب بن علي السبكي، طبقات الشافعية الكبرى، ج4، تحقيق: عبدالفتاح محمد الحلو، محمود محمد الطناحي.