لم يمضِ أكثر من 48 ساعة على اختتام الجلسة الأولى للحوار الإستراتيجي العراقي الأمريكي، الذي تعهدت فيه حكومة رئيس الوزراء العراقي مصطفى الكاظمي بحماية القوات والمصالح الأمريكية في العراق ووقف الهجمات ضدها، حتى عاجل معارضو التواجد الأمريكي في العراق بهجوم صاروخي استهدف، أمس السبت، معسكر التاجي، الواقع على بعد 25 كيلومتراً شمال العاصمة بغداد، وتتواجد فيه القوات الأمريكية.
وكشف مصدر إعلامي في قيادة عمليات بغداد، لـ”المجتمع”، أن صاروخين سقطا داخل معسكر التاجي، تسبب أحدهما بحريق محدود نتيجة سقوطه في مستودع للمعدات.
وأضاف المصدر مفضلاً عدم الكشف عن هويته، كونه غير مخول بالتصريح، أما الصاروخ الثاني فسقط في ساحة غير مأهولة، وترك حفرة صغيرة، مشيراً إلى عدم وقوع خسائر بشرية، مرجحاً أن يكون الصاروخان من نوع كاتيوشا الذي تمتلكه الفصائل المسلحة المنضوية تحت لواء هيئة الحشد الشعبي.
وذكر المصدر أن تحذيرات وصلت للجنود الأمريكيين بضرورة أخذ الحيطة والحذر، والبقاء قرب الملاجئ تحسباً لهجمات مماثلة محتملة خلال الساعات القادمة.
رفض نتائج الحوار الإستراتيجي
وتتعرض القواعد العراقية التي تضم قوات أمريكية لهجمات بشكل مستمر بصواريخ محلية الصنع، منذ اغتيال الجنرال قاسم سليماني، قائد فيلق القدس بالحرس الثوري الإيراني، وأبو مهدي المهندس، نائب رئيس هيئة الحشد الشعبي، بضربة جوية أمريكية قرب مطار بغداد الدولي.
وقتل مواطنون أمريكيون وطبيبة عسكرية بريطانية، في 11 مارس الماضي، إثر قصف صاروخي استهدف قاعدة التاجي، رداً على هجوم نفذته الولايات المتحدة الأمريكية على مواقع لكتائب حزب الله أحد أهم الفصائل المكونة للحشد الشعبي، بعد اتهامها بالتخطيط للهجوم على السفارة الأمريكية.
وصوّت البرلمان العراقي مطلع العام الجاري، في جلسة استثنائية، على قرار يلزم الحكومة بإخراج القوات الأجنبية من البلاد، وهو ما استدعى الولايات المتحدة الأمريكية لدعوة الجانب العراقي لإجراء حوار حول القضية، وعقدت أولى جلسات الحوار، الخميس الماضي، عبر دائرة تلفزيونية مغلقة بين الجانبين على مستوى وكلاء وزارات ومسؤولين رسميين من الطرفين، تم خلالها مناقشة أربعة محاور، هي الأمن والسياسة والاقتصاد والثقافة، وستعقد الجلسة الثانية في واشنطن في يوليو القادم، بحسب بيان ختامي صادر عن الجانبين.
ويبدو أن نتائج الجلسة الأولى من الحوار لم تكن مرضية للفصائل المسلحة التي تطالب الحكومة بتنفيذ قرار البرلمان، حيث توصل الطرفان إلى جملة من التفاهمات، أعلن عنها في البيان المشترك، تضمنت تقليص عدد القوات الأمريكية دون الإشارة إلى سحبها، وهو ما أثار حفيظة المعترضين.
وأشار الباحث العراقي فلاح السكري إلى أن الفصائل الشيعية التي تطلب الثأر لمقتل سليماني اعترضت على الحوار ونتائجه قبيل انطلاق جولة المفاوضات الأولى.
وأضاف، في حديثه لـ”المجتمع”، أن “كتائب حزب الله” طالبت الحكومة باستبدال أعضاء الوفد التفاوضي متهماً إياه بالعمالة لأمريكا، بحسب تصريح جاء على لسان مسؤول عسكري كبير، فكان من الطبيعي أن تعترض هذه الفصائل على مخرجات الحوار، خصوصاً أنه لم يشر إلى سحب القوات الأمريكية بصراحة.
وأشار السكري إلى أن الهجوم الأخير محدود جداً، وأن الهدف منه إيصال رسالة وليس إيقاع الضرر بالقوات الأمريكية، حيث إن الفصائل المسلحة تفضل إخراج القوات الأمريكية بالطرق السياسية حالياً، وقد خولت الحكومة بذلك، وفي حال لم تحقق غايتها ستتولى ذلك بالطرق العسكرية، وهي تدرك أن هذا الخيار سيكون له ثمن فادح تفضل عدم دفعه.
وتابع: لذلك كان هذا الهجوم المحدود رسالة للحكومة العراقية، بأنها لن تقبل سوى بالخروج الكامل للقوات الأمريكية من العراق، مستبقة الجولة الثانية من الحوار المقررة في واشنطن الشهر المقبل، والراجح عندي أن هذه الجولة ستكون الأخيرة والنهائية، وستشكل نقط الافتراق بين الحكومة والفصائل المنضوية تحت لواء هيئة الحشد الشعبي، الذي بات جزءاً من المنظومة الأمنية والعسكرية العراقية، فإما أن ينصاع الحشد لخيارات الحكومة أو يتخذ من المواجهة مع الأمريكان خياراً، وعندها ستكون خيارات الحكومة محدودة، وستكون في وضع لا تحسد عليه.
لا مساومة على الخروج الأمريكي
خروج القوات الأمريكية من العراق مطلب غير قابل للمساومة، وهو المطلب الوحيد الذي تم بموجبه تخويل الحكومة للتفاوض مع الطرف الأمريكي، بحسب الصحفي في هيئة الحشد الشعبي حسين الكعبي.
الكعبي أكد لـ”المجتمع” أن البيان المشترك الذي صدر عن جولة الحوار الأولى، أوصل قيادات “المقاومة” إلى قناعة راسخة بأن هدف واشنطن الحقيقي من الحوار هو الإبقاء على القوات الأمريكية لفترة أطول، وأن هناك مساومة على الأوضاع الاقتصادية المتعثرة للعراق مقابل هذا الأمر.
وأضاف: وصلتنا معلومات خاصة بأن المفاوضين الأمريكيين وجهوا تهديدات مبطنة للجانب العراقي، بأنه في حال عدم قبول بقاء القوات الأمريكية، فإن العراق سيبقى تحت طائلة البند السابع في الأمم المتحدة، وأن الشركات الاستثمارية ستغادر العراق لعدم شعورها بالأمن، وأن الدعم السياسي والأمني الأمريكي للعراق يرسل إشارات إيجابية للمستثمرين الدوليين وهي ضرورية لتحسين مناخ الاستثمار في العراق.
وتابع الكعبي: البيان الختامي الذي تحدث عن إصلاح الاقتصاد العراقي، ودعم جهود الحكومة للحصول على المساعدات والقروض من المؤسسات الدولية، فيه إشارة واضحة للابتزاز الاقتصادي.
وختم بالإشارة إلى أن هناك إجماعاً لدى قيادات “المقاومة” بأن أي حوار لا تتوصل فيه الحكومة إلى اتفاق يفضي إلى انسحاب القوات الأجنبية من العراق لا قيمة له وهو غير شرعي لأنه يتعارض مع قرار البرلمان الجهة التشريعية في المنتخبة من الشعب، وعندها ستكون الخيارات الدبلوماسية قد انتهت.
تجدر الإشارة إلى أن الاقتصاد العراقي تعرض لأزمات متتابعة، أثرت على قدرات الحكومة المالية التي باتت على شفا إعلان عدم قدرتها على سداد رواتب الموظفين، وعلى رأس هذه الأزمات جائحة فايروس كورونا، التي تسببت بتراجع أسعار النفط الأمر الذي أثر بشكل مباشر في قدرات الحكومة المالية، حيث يشكل قطاع النفط 92% من إيرادات الدولة العراقية، حيث هوت الإيرادات الشهرية من بيع النفط من نحو 6.5 مليار دولار في العام الماضي، إلى قرابة 1.5 مليار دولار في شهر أبريل الماضي.
ويرى مراقبون أن العراق بحاجة ماسة لمساعدات المؤسسات المالية الدولية، إلى جانب حاجته للاقتراض في المرحلة المقبلة لسد العجز الهائل في الميزانية، وبدون المساعدة الأمريكية لن تحصل الحكومة على ما تريد.