بعد مرور أكثر من 5 أشهر على استقالة المبعوث الأممي إلى ليبيا غسان سلامة، ما زالت الأمم المتحدة عاجزة عن اختيار خلف له، وجاءت تصريحات عدة دبلوماسيين لتُحمل الولايات المتحدة الأمريكية مسؤولية عرقلة تعيين مبعوث جديد.
آخر هذه الاتهامات جاءت من سفير ألمانيا لدى الأمم المتحدة كريستوف هويسغن، الذي قال، في 31 يوليو الماضي: إن الولايات المتحدة يجب ألا تمنع الأمين العام للأمم المتحدة أنطونيو غوتيريش من تعيين مبعوث جديد في ليبيا.
حيث سبق لدبلوماسيين أن اتهموا واشنطن بعرقلة تعيين وزير الخارجية الجزائري السابق رمطان لعمامرة، ثم وزيرة خارجية غانا السابقة مبعوثة الأمم المتحدة الحالية لدى الاتحاد الإفريقي حنا تيته.
ومن بين هؤلاء الدبلوماسيين وزير الخارجية الروسي سيرغي لافروف، الذي أشار في تصريح صحفي، في 30 يوليو، إلى أنه تم ترشيح وزير خارجية الجزائر، ورئيس وزارة خارجية غانا السابق، إلا أن واشنطن رفضت دعمهما، واستنتج أن الأمريكيين يُحاولون تهميش الأمين العام السيد أنطونيو غوتيريش.
بينما حذر وزير الخارجية الجزائرية صبري بوقدوم من أن إخفاق غوتيريش في تعيين مبعوث خاص إلى ليبيا يمكن أن يؤثر على العمل الأممي في البلاد.
بعثة أممية برأسين!
لكن ما الذي يدفع الولايات المتحدة الأمريكية لعرقلة مرشحي غوتيريش لتولي رئاسة البعثة الأممية إلى ليبيا؟
يقول السفير الألماني هويسغن، في هذا الشأن: كانت هناك تساؤلات أثارها شركاؤنا الأمريكيون فيما يتعلق بهيكل بعثة الأمم المتحدة للدعم في ليبيا.
أعتقد أنه يمكن مناقشة ذلك، ولكن.. يجب على الولايات المتحدة ألا تمنع الأمين العام (الأممي) من تعيين شخص يحل محل غسان سلامة.
لكن المقصود بإعادة هيكلة البعثة الأممية، بحسب تصريحات سابقة لبوقادوم، أن واشنطن تريد الفصل بين العمل السياسي وعمل البعثة في ليبيا، وهو ما يعني وجود شخصين اثنين يعملان على الملف الليبي.
ففي العادة يكون للمبعوث الأممي نائب أو مساعد له، لكن لم يسبق وأن كانت هناك بعثة أممية برأسين في ليبيا.
فواشنطن تسعى لتعيين مبعوثين أمميين في ليبيا، الأول داخل البلاد، والثاني خارجها مكلف بالحوار السياسي، بهدف تجاوز الانقسام حيال مرشح واحد، وأن يكون لها فرصة أكبر لقيادة الحوار السياسي بين الحكومة الليبية الشرعية ومليشيات الجنرال الانقلابي خليفة حفتر، عبر مبعوث أممي مقرب من طروحاتها.
أمر واقع.. لكن ماذا بعد أكتوبر؟
ولم تعلن الولايات المتحدة أسباب وخلفيات سعيها لتقسيم مهام البعثة الأممية على شخصين، التي لا تحظى حتى بدعم شركائها الأوروبيين، لكن المؤكد أنها المستفيد الأول من حالة الفراغ هذه منذ استقالة سلامة في 2 مارس الماضي.
إذ إنه منذ 7 مارس الماضي، تتولى الأمريكية ستيفاني وليامز رئاسة البعثة الأممية بالإنابة، وهذا يمنح واشنطن نفوذاً أكبر في إدارة الملف الليبي، رغم كثرة المتدخلين الدوليين.
لكن ولاية وليامز المؤقتة على رأس البعثة الأممية، ستنتهي في أكتوبر المقبل، بحسب صحيفة “الجارديان” البريطانية، وإذ لم يتم اختيار مبعوث جديد خلال ثلاثة أشهر المقبلة، ستكون البعثة الأممية لأول مرة بدون رأس، وهذا الأمر غير معهود.
فاختيار مبعوث أممي من صلاحيات غوتيريش لكنه يحتاج لدعم الدول الـ15 الأعضاء في مجلس الأمن الدولي، وخاصة الدول دائمة العضوية (الولايات المتحدة، روسيا، بريطانيا، فرنسا، والصين).
ووليامز كانت من الأسماء المتداولة لخلافة سلامة، لكنها لم تحظ بالتأييد الدولي الكافي، لذلك رشحت الولايات المتحدة الأمريكية رئيسة الوزراء الدنماركية السابقة هيلي ثورنينج شميت، لكنها هي الأخرى سحبت موافقتها، بحسب تقارير صحفية، لم توضح خلفيات الانسحاب.
لكن سبق للعمامرة أن برر سحب موافقته لمنصب مبعوث أممي بأن المُشاورات التي يقوم بها غوتيريش لم تحظ بإجماع مجلس الأمن وغيره من الفاعلين، وهو إجماع ضروري لإنجاح مُهمة السلم والمُصالحة الوطنية في ليبيا.
وهذا إقرار بأن هناك دولاً من خارج مجلس الأمن عرقلت تعيينه في هذا المنصب، وقد لا يختلف الأمر كثيراً عن بقية المرشحين لهذا المنصب.
فعدم الاتفاق على تسمية مبعوث أممي يزيد من تعقيد المشهد الليبي، إذ يكاد يمر 10 سنوات على سقوط نظام معمر القذافي في عام 2011، دون أن تتمكن البلاد من الخروج من نفق عدم الاستقرار الأمني والسياسي.
وليس واضحاً ما إذا كان الانقسام في ليبيا انعكاس للانقسام الدولي في مجلس الأمن، أم العكس، لكن كلاهما يغذي الأزمة.
فوليامز ورغم الدعم الأمريكي لها، فإنها لم تتمكن حتى الآن من تحقيق تقدم كبير في ملف فتح حقول وموانئ النفطي، التي تسيطر عليها مليشيات حفتر، والأمر ذاته بالنسبة للحوار العسكري في إطار لجنة “5+5″، ناهيك عن الملف السياسي.
ورغم تلويح واشنطن بفرض عقوبات على مليشيات حفتر، فإن ذلك لم يقدم حتى الآن نتائج فعلية على الأرض بسبب الانقسام الدولي، مما يصهب من مهمة ويليامز، وأي مبعوث أممي آخر، خاصة إذا لم يحض بدعم الدول المؤثرة في مجلس الأمن.