شهر رمضان فرصة عظيمة لتحقيق تغيير حقيقي في جانب السلوك والعبادة والأخلاق، فالمسلم في أيامه ولياليه يكون حريصًا على المسارعة لنيل الأجور الحسنة ومضاعفة الحسنات، ويسارع لينهل من فيض عطاء ربه، ويتزود من رمضان زاداً لآخرته.
ويمنح شهر رمضان عبر قيمه التي يغرسها في الصائم القدرة على تغيير الكثير من عاداته السيئة، فالذي يصبر عن المباحات يستطيع الصبر عن المحرمات.
إن رمضان مدرسة ربانية يستزيد فيها المؤمن من الأجور والحسنات بالطاعات والقربات، ويتقوى بما يعينه في تعزيز صلته بخالقه ليسعد في الدنيا والآخرة، فينبغي للمسلم اغتنام فرصة، والمبادرة والمسارعة في تحصيل فوائده وعظيم أجره.
يقول الأديب الكبير مصطفى صادق الرافعي: “رمضان ما هو إلا فترة راحة وهدوء، يعبُر المؤمن من خلالها إلى مراقي الصعود في درجات الإيمان، فمن استفاد من هذه الفترة في إصلاح حاله وتجديد إيمانه ومراجعة نفسه فقد وجد للتغيير طريقًا”.
حاجتنا إلى التغيير
فرصتنا عظيمة في رمضان لكي نعيد ترتيب أنفسنا ونلملم بقايانا المبعثرة
والمتأمل في حياة الإنسان يجد أن كثيراً من جوانب حياته في حاجة إلى تغيير حقيقي ينقله إلى حال يطمح إليها، وقد يحدث نوع من التغيير الحقيقي في رمضان، فيسعد بهذا التغيير، ولكن سرعان ما يرجع حال الإنسان إلى سابق عهده بعد رمضان.
ومن شروط التغيير في حال رغبة الفرد بالتغيير من نفسه إلى الأفضل لا بد من وجود الرغبة والإرادة الصادقة في التغيير قبل كل شيء، فعندما تتولد الرغبة الصادقة للتغيير التي تنبع من النفس، يكون الإنسان مهيئاً عقلياً ونفسياً له، والتطبيق السليم لطرق التغيير، فلا بد من أن يطبق الإنسان طرق التغيير تطبيقاً سليماً.
وفي شهر رمضان يلتزم المسلم بتغيير الكثير من عاداته التي يضبطها الصيام بمواعيد ومواقيت محددة كالأكل مثلًا، وتتغير عادة نومه، كما أن كثيرًا من المسلمين يلزم نفسه بأمور إيجابية كان لا يمارسها قبل رمضان؛ كقيام الليل ويطيل القيام في العشر الأواخر، ويعكف على القرآن الكريم قراءةً وحفظًا وتدبرًا، ويكثر من الصدقات وألوان البر الأخرى، والتغيير الإيجابي يحتاج لإلزام النفس بالجد والعمل الطويل أحيانًا والخروج عن المألوف والروتين اليومي الذي يعيش فيه كثير من الناس.
دورة تدريبية لثلاثين يومًا
وشهر رمضان يعتبر أفضل دورة لتغيير الحياة للأفضل، حيث إن صيامه فرصة كبيرة لإطلاق النفس من قيود الرغبات الشخصية، وتحريرها من أَسْر الأغراض المادية، والعادات المضرة، والترقِّي بها في طموحاتٍ أرحب وأفضل وأرقى وأزكى وأعلى، فالنفوس في رمضان عن الشهوات تترفع، وعن الملذات تتسامى، وعن العادات السيئة تبتعد، وعن كل غَرَض دنيوي تتعالى، لأن الصوم يقيدها ويهذبها وينقّيها ويصفيها.
ورمضان أفضل فرصة للإقلاع عن العادات السيئة، وعلى رأسها التدخين، فإن الشخص إذا استطاع الامتناع عنه طوال اليوم، لأكثر من 14 ساعة فذاك دليل جازم على قدرته على الإقلاع عنه بعد رمضان، لأن ساعات الصوم الطويلة تؤدي إلى انخفاض مستوى النيكوتين في الدم مما يسهل على المدخن ترك السجائر والابتعاد عنها كلياً، فالصوم عبارة عن دورة تدريبية للإقلاع عن هذه العادة التي ابتلي بها الكثير من الناس.
وشهر رمضان هو التحدي الأكبر بحق لامتحان الإرادة البشرية في الصيام والقيام وعمل الخير وتنقية النفس من أخطائها الكثيرة، فالصوم يعوّد المسلم على التحمل والصبر، وذلك لأنه يحمله على ترك كل رغباته وعاداته السيئة ومعلوم أن كبح جماح النفس وإلجامها فيه مشقة كبيرة، ولهذا كان الصوم من أقوى العوامل على تحصيل أنواع الصبر الثلاثة، وهي صبر على طاعة الله، وصبر عن محارم الله، وصبر على أقدار الله، ومتى اجتمعت أدخلت العبد الجنة بإذن الله.
في رمضان يعبُر المؤمن من خلاله إلى مراقي الصعود في درجات الإيمان
إعادة برمجة الحياة
في رمضان ينتظم وقت المسلم انتظامًا دقيقًا، على نحو يمكن أن نسميه إعادة برمجة حياته حسب مواقيت محددة ويجاهد المسلم منذ بداية الشهر في سبيل المحافظة على الوقت، فالإمساك يبدأ مع أول جملة ينطقها المؤذن ولا يمكن أن يتأخر المسلم في الأكل والشرب بعد أن يسمع الأذان الثاني، وكذلك ينتهي الإمساك مع أول تكبيرة ينطق بها المؤذن لصلاة المغرب، ويلتزم الصائمون جميعًا، بل يتسابقون لينالوا خيرية التعجيل في إنهاء الصيام، إن تنظيم أوقات الصيام للصائم لا شك أنه محفز لمن يريد أن يبدأ مسيرة التغيير، فمن شروط التغيير المهمة الالتزام بالوقت، فمن المهم أن تلزم نفسك في كل عمل تؤديه بوقت تبدأ فيه ووقت تنهيه.
تهذيب النفس الأمَّارة بالسوء
والصوم يساعد المسلم على التغلُّب على نفسه الأمَّارة بالسوء؛ ومن عادة النفس أنها تدعوه لرغبات لا حدّ لها ولا منتهى، لكن الصوم يفوّت عليها هذه الفرصة؛ إذ يكسر حِدّة هذه الرغبات ويقف لها بالمرصاد.
ومن أهم ما ينبغي أن يتخلص منه المسلم خلال شهر رمضان من عادات سيئة الغضب الذي ربما يكون سبباً في جرح الصيام وعدم تقبله، لأن من يغضب لا يدرك تصرفاته تجاه الآخرين، حيث إن الغضب هو تصرف لا شعوري وانفعال يهيج الأعصاب ويحرك العواطف ويعطل التفكير ويفقد الاتزان ويزيد في عمل القلب ويرفع ضغط الدم ويزداد تدفقه إلى الدماغ وتضطرب الأعضاء ويظهر ذلك بجلاء على ملامح الإنسان فيتغير لونه وترتعد فرائصه وترتجف أطرافه ويخرج عن اعتداله فإن لم يكبح جماح نفسه ربما يرتكب أخطاء في حق الآخرين يدرك خطورتها بعد هدوئه.
والصوم له دورٌ كبيرٌ في بناء شخصية المسلم، وقد أحب الله تعالى لنا أن تصلح حياتنا ويستقيم منهجنا ونسعد سعادة لا نظير لها وهناك ارتباط قوي، وعلاقة متينة بين فريضة الصوم وصفات الحلم والصبر والابتعاد عن الغضب؛ لذا ففرصتنا عظيمة في رمضان لكي نعيد ترتيب أنفسنا ونلملم بقايانا المبعثرة ولنكتشف مواطن الخير بداخلنا ونهزم أنفسنا الأمّارة بالسّوء.
كبح جماح النفس
وفي رمضان تتجلى أسمى غايات كبح جماح النفس وتربيتها بترك الغضب ورد الفعل السلبي، فالصائم هنا يشعر بالطمأنينة وراحة النفس، ويحاول أن يبتعد عن كل ما يفسد صومه من المحرمات والمفسدات ويحافظ على سلوكه في هذا الشهر الكريم.
فلا يليق بالصائم التقي العاقل أن يطلب الشر، ويؤثر السفاهة والحماقة على الحلم والرشاد، ولا يليق به أيضاً وفي هذا الشهر المبارك أن يكون فريسة لدوافع الغضب وعوامل الهيجان والانفعال والغضب والمقاتلة والمشاجرة، ولا يليق به وهو في شهر التقوى والغفران أن ينزل إلى الدرجات السفلى تاركاً المنزلة الكريمة الرفيعة التي كرمه الله بها.
رمضان والتحفيز للتغيير
في رمضان تتجلى أسمى غايات كبح جماح النفس وتربيتها
يحتاج التغيير لمحفزات ويحتاج المرء إلى من يأخذ بيده ويتغير معه.. وفي رمضان تتوفر هذه الفرصة بنجاح؛ فالكون كله يتغير في رمضان وليس المسلمون من البشر فقط.. فأبواب الجنة تفتح في رمضان.. وأبواب النيران تغلق.. وتفتح أبواب السماء.. والنفس مقبلة على العبادة طمعاً في رحمة الله وأملاً في العتق من النيران، بل حتى إن الله يغير الأجور ويضاعفها لعباده في رمضان، ومن أمثلة ذلك العمرة في رمضان التي تساوي حجة مع النبي صلى الله عليه وسلم.
ختامًا: فإن الله عز وجل وضع في شهر رمضان الكثير من المحفزات التي تعين على التغيير إلى الأفضل وتهذيب النفس في الدنيا وسعادتها في الآخرة، ومنها:
– مغفرة ما تقدم من الذنوب لمن صام وقام إيمانًا واحتسابًا.
– استجابة الدعاء كل يوم عند الفطر.
– فرصة للدخول في زمرة السبعين ألفًا الذين يعتقهم كل ليلة من النار في رمضان.
– قيام ليلة القدر خير من ألف شهر.
– جعل ثواب الفريضة بسبعين ورفع ثواب السنة إلى أجر الفريضة.
– جعل ثواب رمضان لا عدل له، فإنه لله وهو الذي يجازي عليه.
– وعد الصائمين دخول الجنة من باب الريان.
فمن أراد أن يسير في طريق التغيير فها هو شهر رمضان، فليدخل دورته التدريبية وليستذكر هذه المحفزات فمن لاح له فجر الأجر هان عليه مشقة التكاليف.
واجعل لنفسك شعارًا في شهر رمضان لهذا العام، وليكن شعارًا معبرًا عن حقيقة التغيير الذي تريد أن تحققه، ولتذكر في الشعار الجوانب التي تريد أن تحافظ عليها أو المشروع -أو المشاريع- الذي تريد تحقيقه.