أشرف الرئيس الموريتاني محمد ولد الشيخ الغزواني، أمس الثلاثاء، في مباني الإدارة العامة للأمن الوطني بنواكشوط على وضع الحجر الأساس للمشروع المسمَّى بـ “نظام الحماية والمراقبة العمومية لمدينة نواكشوط”، الممول من طرف حكومة جمهورية الصين الشعبية بغلاف مالي يصل ستةَ مليارات و294 مليون أوقية موريتانية، فما هذا النظام وما مكوناته الأساسية؟ وما موقف الموريتانيين منه؟
وجهات نظر متباينة
منذ أن تحدّثت مصادر إعلامية موريتانية قبل أسابيع عن تمويل الصين الشعبية لمشروع مراقبة العاصمة نواكشوط بتكلفة تتجاوز (20 مليون دولار)، ظهرت مواقف متباينة لدى الموريتانيين من هذا النظام الجديد، حيث قال فريق إنه سيسهّل هتك أعراض المواطنين وسيظهر خصوصياتهم وسيخدم الصين أكثر من موريتانيا، في حين ذهب فريق آخرون إلى أن نظام المراقبة سيساهم في تأمين العاصمة نواكشوط وسيقلّل من الجرائم المتعددة المنتشرة في عموم التراب الوطني وليس العاصمة فقط.
الرئيس الموريتاني أَشرَف على وضع الحجر الأساس لمشروع المراقبة في مباني الإدارة العامة للأمن الوطني بنواكشوط
ويمكن القول إن هناك فريقاً ثالثاً لا يعارض ولا يُمجّد مشروع “نظام الحماية والمراقبة العمومية لمدينة نواكشوط”، ولكنه يرى أن هناك أموراً أكثر أولوية من هذا النظام الجديد، مثل محاربة شبح البطالة والارتفاع المستمر للأسعار في ظل جائحة كورونا “كوفيد – 19″، أما الحكومة الموريتانية فترى أن نظام المراقبة يمثّل جزءاً مهماً من الجهود الإصلاحية الأمنية الحديثة الضرورية للوطن والمواطن.
تحديث الأجهزة الأمنية
في خطاب ألقاهُ بمباني الإدارة العامة للأمن الوطني بنواكشوط، قال وزير الداخلية واللامركزية الموريتاني محمد سالم ولد مرزوك: إن مشروع “نظام الحماية والمراقبة العمومية لمدينة نواكشوط” جزء من جهود إصلاح وتحديث الأجهزة الأمنية، ويهدف إلى رفع مستوى الحماية العمومية، من خلال وضع بنية تحتية للمراقبة والتواصل المندمج في نواكشوط تحديداً، عبر نشر كاميرات مراقبة (بالفيديو) تمكّن من المراقبة الآنية للأمن في المناطق الحسّاسة، مع القدرة على التدخل الفوري والفعّال، كلما تطلب الأمر ذلك، بفضل نظام اتصال بين مصالح الشرطة وأجهزة الأمن الأخرى.
وأضاف ولد مرزوك أن مشروع مراقبة العاصمة الموريتانية نواكشوط بالكاميرات سيحسِّن من معالجة المعطيات التي تشكل تهديداً للنظام العام ومن التكفل بالطوارئ الأمنية، عبر التواصل والتدخل العاجل من قبل مصالح الشرطة، لا سيما في المناطق المعقّدة، مثل: الأسواق الكبرى والمصارف، وملتقيات الطرق الأساسية، ومداخل ومخارج النقاط الرئيسية في العاصمة، حسب نص الخطاب.
وزير الداخلية الموريتاني: مشروع مراقبة نواكشوط جزء من جهود إصلاح وتحديث الأجهزة الأمنية بالدولة
استقرار اجتماعي واقتصادي
من جهته، قال لي بايتون، سفير جمهورية الصين الشعبية المعتمد لدى موريتانيا، إن العلاقات الموريتانية الصينية عريقة وقد شملت مجالات عديدة منها ميناء نواكشوط المستقل وجسر كرفور مدريد، مضيفاً أن مشروع “نظام الحماية والمراقبة العمومية لمدينة نواكشوط” هو الأول من نوعه ضمن حزمة المشاريع المزمعة بعد تفشي فيروس كورونا “كوفيد – 19″ في أنحاء العالم، و”سيسهم في دعم الاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي لموريتانيا”.
كما أعرب سفير الصين في موريتانيا عن سعادته بحضور فعاليات إطلاق مشروع “نظام الحماية والمراقبة العمومية لمدينة نواكشوط” بمساعدة من جمهورية الصين الشعبية، موضحاً أن الصين ستبقى وفية لمبادئها في الوقوف الدائم إلى جانب موريتانيا، وأن العلاقات الثنائية ستتعزّز أكثر في المستقبل، حسب الوكالة الموريتانية للأنباء.
مكونات نظام المراقبة
وبحسب الوكالة الموريتانية للأنباء، فإن المكونات الأساسية لمشروع “نظام الحماية والمراقبة العمومية لمدينة نواكشوط” تشمل: فيديوهات مراقبة مثبتة عند ملتقيات الطرق والشوارع العامة والأماكن الحساسة أمنياً، ونظام اتصالات متكامل يضم 1500 جهاز راديو محمول قابل للزيادة بـ 3000 جهاز عند الضرورة، ومركز للتحكم مجهز بأحدث التقنيات التي تمكنه من مراقبة مدينة نواكشوط بكاملها، وخمس سيارات متنقلة للرقابة والتحكم عن بعد للتنقل بين الولايات.
سفير الصين بموريتانيا: مشروع المراقبة سيسهم في دعم الاستقرار الاجتماعي والازدهار الاقتصادي لموريتانيا
هذا بالإضافة إلى موقع تقني يتمثل في: مركز قيادة داخل الإدارة العامة للأمن الوطني يتشكل من: بناية من طابقين تشيّد على مساحة 500 متر مربع، وثلاثة مراكز مناطقية في مباني الإدارات الجهوية للأمن، و34 محطة في مفوضيات الشرطة، ويتوقع اكتمال الأشغال في مشروع “نظام الحماية والمراقبة العمومية لمدينة نواكشوط” -الذي يدخل في إطار التعاون الوثيق والمتميز مع جمهورية الصين الشعبية- في غضون 15 شهراً.
انفلات أمني مخيف
ويأتي تدشين مشروع “نظام الحماية والمراقبة العمومية لمدينة نواكشوط” بعد أن عانت موريتانيا من انفلات أمني متجدّد ومخيف على مدى عقود دفع بعض السكان أكثر من مرة إلى مناشدة السلطات الأمنية الموريتانية بالتدخل من أجل حماية ممتلكاتهم وأرواحهم من اللصوص الذين يقومون بحملات سرقة واعتداء واغتصاب وقتل في الليل والنهار من حين لآخر، كان آخرها جرائم قتل في العاصمة الاقتصادية الموريتانية (نواذيبو) قبل أيام قليلة.
وقد دفع هذا الانفلات الأمني المخيف وزارة الداخلية الموريتانية، الثلاثاء 27 أبريل، إلى إصدار مقرّر يقضي بإنشاء لجان جهوية ومقاطعية مسؤولة عن تسيير ومراقبة الأمن على مستوى كل الدوائر على عموم التراب الوطني. وحسب المقرر الذي اطلعت عليه “المجتمع”، فإن من مهام هذه اللجان: حماية محيط الدائرة الإدارية من كافة التهديدات الداخلية والخارجية، ومراقبة وتسيير كل الإجراءات الأمنية الوقائية، وإحلال الأمن على كافة امتداد تراب الدائرة الإدارية، وحفظ النظام العام وحمايته.
بقي أن نقول: إن تجدّد الانفلات الأمني المخيف في موريتانيا -الدولة التي يحكمها العسكر منذ عقود- يشكّل مفارقة غريبة ولغزاً حقيقياً لم يتم فكّه بعد، ولعل السؤال الذي تبادر إلى الذهن في هذا السياق ويحتاج جواباً مقنعاً هو: لماذا تعاني موريتانيا من انفلات أمني متجدّد ومخيف وهي محكومة من طرف العسكريين منذ عقود طويلة؟