ينظر المسلمون إلى القدس على أنها المدينة التي جمَع الله تعالى فيها لِنَبيِّنا محمد صلى الله عليه وسلم جميع الأنبياء؛ حتى يُسلِّموا له بالنبوّة وفاءً لما عاهدوا الله تعالى عليه.
كما يعتقد المسلمون أن المسجد الأقصى الموجود بالقدس هو قبلة المسلمين الأولى، ولعلَّ في استقبالِ بيتِ المقدس أوّلاً ثمّ التحول إلى بيت الله الحَرَام تنبيهاً للمسلمين إلى ما يجب عليهم القِيامُ به نحو بيت المقدِس من الحفاظ عليه من أن يُدَنَّسَ برجسِ الوثنيّة أو المعاصي السيّئة، ولتبقى القدس خالدة في أذهان المسلمين حتى لا تُنسَى ما بقي فيهم القرآن الكريم، وما بقيت قلوبهم عامرة بالإيمان؛ وليبقى هذا الحديث في كتاب الله الذي لا يأتيه الباطل من بين يديه ولا من خلفه.
ولبيان حرمة التفريط في القدس والمسجد الأقصى نستعرض طرفاً من فتاوى العلماء.
ابن باز: لا يمكن الوصول لحل لتلك القضية إلا باعتبارها إسلامية وبالتكاتف بين المسلمين وجهاد اليهود جهاداً إسلامياً
ابن باز: يجب جهاد اليهود إسلامياً:
إن المسلم ليألم كثيراً، ويأسف جداً من تدهور القضية الفلسطينية من وضع سيئ إلى وضع أسوأ منه، وتزداد تعقيداً مع الأيام، حتى وصلت إلى ما وصلت إليه في الآونة الأخيرة، بسبب اختلاف الدول المجاورة، وعدم صمودها صفاً واحداً ضد عدوها، وعدم التزامها بحكم الإسلام الذي علق الله عليه النصر، ووعد أهله بالاستخلاف والتمكين في الأرض، وذلك ينذر بالخطر العظيم، والعاقبة الوخيمة، إذا لم تسارع الدول المجاورة إلى توحيد صفوفها من جديد، والتزام حكم الإسلام تجاه هذه القضية، التي تهمهم وتهم العالم الإسلامي كله، ومما تجدر الإشارة إليه في هذا الصدد أن القضية الفلسطينية قضية إسلامية أولاً وأخيراً، ولكن أعداء الإسلام بذلوا جهوداً جبارة لإبعادها عن الخط الإسلامي، وإفهام المسلمين من غير العرب أنها قضية عربية، لا شأن لغير العرب بها، ويبدو أنهم نجحوا إلى حد ما في ذلك.
ولذا، فإنني أرى أنه لا يمكن الوصول إلى حل لتلك القضية إلا باعتبار القضية إسلامية، وبالتكاتف بين المسلمين لإنقاذها، وجهاد اليهود جهاداً إسلامياً، حتى تعود الأرض إلى أهلها، وحتى يعود شذاذ اليهود إلى بلادهم التي جاؤوا منها، ويبقى اليهود الأصليون في بلادهم، تحت حكم الإسلام لا حكم الشيوعية ولا العلمانية، وبذلك ينتصر الحق ويخذل الباطل، ويعود أهل الأرض إلى أرضهم على حكم الإسلام، لا على حكم غيره(1).
الفوزان: على المسلم الاجتهاد حسب ما يستطيع من إنكار هذا المنكر العظيم والمطالبة بتخليص «الأقصى» من أيدي اليهود
الفوزان: الدفاع عن “الأقصى” بكل قوة ممكنة:
الواجب عظيم نحو المسجد الأقصى وجميع مساجد المسلمين، لكن المسجد الأقصى هو أحد المساجد الثلاثة التي يشد إليها الرحال، فيجب على المسلمين أن يدافعوا عنه بكل ما أوتوا حتى يخلّصوه من وطأة الكفار واليهود، الواجب على المسلمين عموماً لا على فرد من الأفراد فقط كل بحسب استطاعته ومقدرته، ولو بالبيان والتوضيح، ولو بالاتصال بالمسؤولين وولاة الأمور وحثهم على العمل على تخليص المسجد الأقصى، فيجتهد المسلم حسب ما يستطيع من إنكار هذا المنكر العظيم، والمطالبة بتخليص المسجد الأقصى من أيدي اليهود، ولن يخلِّص المسجد الأقصى إلا المسلمون، كما أخبر النبي صلى الله عليه وسلم مما يكون في آخر الزمان، وأن المسلمين ينتصرون على اليهود ويقتلونهم شر قتلة، حتى إن أحدهم لو اختفى خلف الحجر والشجر، فإن الحجر والشجر ينادي: «يا مسلم، هذا يهودي خلفي تعالَ فاقتله»(2).
عبدالخالق: معاهدات الصلح باطلة:
لقد صدر بيـان وفتــوى من الشيــخ عـبدالـرحمن عبدالخالق حول عقد معاهدات الصلح والسلام مع اليهود وموقف المسلم منها، وتكلَّم فيها عن عداوة اليهود للمسلمين وكيدهم ومكرهم، ثمَّ ذكر خطورة هذه المعاهدات التي اتَّفق بعض المسؤولين عن السلطة مع اليهود في وقت سابق على أمور منها، وكان ملخَّص الفتوى:
أن معاهدات الصلح الدائم مع اليهود تقوم على شروط باطلة منها:
– وضع الحرب إلى الأبد بين المسلمين واليهود: وهـذا شرط باطل؛ لأنه إقرار لهم على باطلهم.
– إزالة أسباب العداوة والبغضاء بين المسلمين واليهود وإزالة كل نصوص التشريع التي تُبقي هذه العداوة: وهذا شرط باطل لأنَّه مخالف لأصـول الإيمـان.
– وأنَّهـا أقرَّت اليهود على ما أخـذوه من أرض الإسلام عنوة وغـدراً: وهـذا أمر لا يجوز.
– وأنَّ هذه المعاهدات أُبرمت عن غير مشورة من المسلمين: وكل عقد يهمُّ المسلمين إذا أُبرم عن غير رضا فهو عقد باطل.
ثمَّ أكَّد الشيخ، رحمه الله، أنَّ هذه المعاهدات ستُفسد دنيا المسلمين وليس دينهم فقط، ثمَّ تطــرَّق إلى ذكر الخسائر التي تحيق بالمسلمين من وراء هذه المعاهدات، واختتم الفتوى بواجب المسلمين تجاه هذه المعاهدات، باعتقــاد بطلانهــا، وأنَّ هــذه المعاهــدات لا تلزمهم، بل ينبغي العمل على إسقاطها، ووجوب تجميع الأمَّة على القضاء على علوِّ اليهود في الأرض(3).
علماء فلسطين: تحريم بيع الأراضي:
لقد انعقد في القدس، بتاريخ 20 شوال 1353هـ/ 25 يناير 1935م، اجتماع كبير لعلماء فلسطين، وأصدروا بالإجماع فتوى بخصوص بيع الأراضي في فلسطين لليهود، وأنَّ ذلك البيع يحقق المقاصد الصهيونيَّة في تهويد هذه البلاد الإسلاميَّة المقدَّسة وإخراجها من أيدي أهلها وإجلائهم عنها وتعفية أثر الإسلام بخراب المساجد والمقدَّسات الإسلاميَّة كما وقع في القرى التي بيعت لليهود وأُخرج أهلها متشردين في الأرض؛ فقد اتَّفقوا على أنَّ البائع والسمسار والوسيط في بيع الأراضي بفلسطين لليهود عاملٌ ومظاهِرٌ على إخراج المسلمين من ديارهم، وأنَّه مانعٌ لمساجد الله أن يُذكر فيها اسمه وساعٍ في خرابها، وهو كذلك متخذ اليهود أولياء؛ لأنَّ عمله يعدُّ مساعدة ونصراً لهم على المسلمين ومؤذٍ لله ورسوله وللمؤمنين، وخائن لله ولرسوله وللأمانة(4).
الأزهر: فلسطين ملك العرب والمسلمين بذلوا فيها النفوس الغالية والدماء الزكيَّة وستبقى ملك لهم رغم تحالف المبطلين
فتوى علماء الأزهر عام 1947م: وجوب الجهاد لإنقاذ فلسطين:
أفتى علماء الأزهر الشريف بوجوب الجهاد لإنقاذ فلسطين وحماية المسجد الأقصى، وقاموا بتوجيه ندائهم إلى أبناء الإسلام بوجوب الجهاد لإنقاذ فلسطين وحماية الأقصى، وذلك بعد قرار تقسيم فلسطين الذي وافقت عليه الجمعية العموميَّة للأمم المتحدة، في 29/11/1947م، الذي يقضي بإقامة دولة يهوديَّة وأخرى فلسطينيَّة على أرض فلسطين، وهو القرار الذي يُعدُّ اليوم أساساً لما يسمى بقرارات «الشرعية الدولية» فيما يتعلق بالقضية الفلسطينية.
وقد وقَّع على هذه الفتوى 26 عالماً من علماء الأزهر، كـان مـنهـم: الشيـخ محمـد حسـنين مخـلوف، والشيخ عبدالمجيد سليم، والشيخ محمود شلتوت، والشيخ محمد دراز، وغيرهم من أهل العلم والفضل والدين، وممَّا جاء في هذه الفتوى قول العلماء: «إنَّ قرار هيئة الأمم المتحدة قرار من هيئة لا تملكه، وهو قرار باطل جائر ليس له نصيب من الحق والعدالة؛ ففلسطين ملك العرب والمسلمين، بذلوا فيها النفوس الغالية والدماء الزكيَّة، وستبقى -إن شاء الله- ملك العرب والمسلمين رغم تحالف المبطلين، وليس لأحد كائناً من كان أن ينازعهم فيها أو يمزقها»(5).
بيان مجلس الإفتاء العام بعمَّـان: جهاد اليهود ومقاطعتهم:
صـدر هذا البيان إبَّـان خــروج قـرار من الكونجرس الأمريكي القاضي بجعل القدس عاصمة لليهود، وقد وقَّع عليه 11 عالماً من علماء الأردن، واستنكر المجلس استنكاراً شديداً هذا القرار الذي يتنافى مع حقوق الإنسان، وجاء فيه إنَّ «قرار الكونجرس الأمريكي القاضي بضم القدس يشكل عدواناً صارخاً على عقيدة كل مسلم في الأرض، وتعتبر الولايات المتحدة شريكاً في الظلم والعدوان الذي تمارسه إسرائيل»، وجاء فيه كذلك: «القدس الشريف جزء من عقيدة كل مسلم يحافظ عليها كما يحافظ على دينه»، وقد جاء في هذه الفتوى الأمر بجهاد اليهود، ومقاطعتهم في تجارتهم ومعاملاتهم(6).
هذه بعض الفتاوى المهمَّة حول القضيَّة الفلسطينيَّة، وخلفها المئات من الفتاوى الصادرة عن أهل العلم والفضل، فلا يجوز لأحد أن يتنازل عن أي جزء من أرض الإسلام، وإنما الواجب على الأفراد والجماعات أن يسعوا بكل الوسائل المشروعة لمقاومة الاحتلال وتحرير القدس الشريف، وإذا عجز جيل من أجيال الأمة أو تقاعس، فلا يجوز له أن يفرض عجزه أو تقاعسه على كل أجيال الأمة القادمة إلى يوم القيامة.
________________________________________________
(1) مجموع فتاوى ومقالات متنوعة، لابن باز (1/ 277).
(2) المصدر: الموقع الرسمي للشيخ الفوزان.
(3) مختصر لفتوى الشيخ عبدالرحمن عبدالخالق التي جاوزت 20 صفحة.
(4) فتوى علماء المسلمين بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين: ص 66–75.
(5) حكم الإسلام في قضية فلسطين: فتاوى شرعيَّة خطيرة لمناسبة معاهدة الصلح بين مصر والعدو «الإسرائيلي»، ص 14-15.
(6) فتوى علماء المسلمين بتحريم التنازل عن أي جزء من فلسطين: ص 17 ص 18- توزيع: دار الفرقان.