تمرّ “إسرائيل” بمرحلة توتر سياسي نادرة، ربما تحيل إلى تلك التي سبقت اغتيال رئيس الوزراء الأسبق إسحق رابين، عام 1995، برصاص متطرف يهودي، خصوصاً مع بروز تحذير علني غير مسبوق لجهاز “الشاباك” من تصاعد خطِر في خطاب الكراهية والتحريض، بما قد يؤدي إلى اغتيالات سياسية وأعمال عنف.
بدأت فصول الحكاية الجديدة مع انتهاء العدوان الأخير على غزة وبما حمل من نتائج اهتز لها الوضع الداخلي في “إسرائيل”، ومع تكليف الرئيس “الإسرائيلي” السابق رؤوفين ريفلين رئيسَ حزب هناك مستقبل يائير لبيد بتشكيل الحكومة، بعدما أخفق رئيس الوزراء بنيامين نتنياهو في الحصول على أغلبية نيابية تسمح له بالاستمرار في قيادة الحكومة.
بذل لبيد جهداً كبيراً لتطويع الخلافات وتدوير الزوايا، وتمكن قبل ساعات من انتهاء فترة تكليفه من إعلان قدرته على تشكيل حكومة جديدة، تضم بين طرفيها خليطاً سياسياً متنافراً، تجمعه غاية واحدة هي إسقاط نتنياهو.
وبدا أن صفحة نتنياهو قد طويت، لكن محللين ومراقبين يرون أن نهايته السياسية لم تحن بعد، لما تضمه الحكومة المحتملة من تنافر قد لا يمكن تجاوزه بحال من الأحوال، فضلاً عن أن كنانة رئيس الوزراء لا تزال فيها بقية أسهم، وهو المعروف بعناده وإمساكه بخيوط متعددة.
فكما يقول النائب العربي السابق في الكنيست جمال زحالقة في مقال له: إن “من المبكر إعلان نهاية حقبة نتنياهو، فهو مستمر بالعمل للبقاء في الحكم، وسيفعل المستحيل لحماية نفسه من السجن”.
إسقاط الحكومة الجديدة
بدأ نتنياهو أولى خطواته بدعوة النواب اليمينيين لعدم التصويت بالثقة للحكومة الجديدة، وقال في منشور على حسابه بـ”فيسبوك”: إن نفتالي بينيت باع النقب لمنصور عباس (رئيس القائمة العربية الموحدة)، وعلى جميع أعضاء الكنيست من اليمين رفض هذه الحكومة اليسارية الخطِرة.
وتبع ذلك دعوات لحاخامات كبار في “تل أبيب”، طالبوا فيها بالقيام بأي شيء ممكن للحيلولة دون انطلاق الحكومة الجديدة، وجاء في بيان وقع عليه كبار حاخامات التيارات الدينية داخل الحركة الصهيونية، ونشر اليوم الأحد، أنه من المستحيل تقبل حقيقة تشكيل حكومة من شأنها الإضرار بأهم الأمور في قضايا الدين والدولة.
وأضاف البيان أنه ليس هناك شك في أن القضايا الأمنية التي تخص وجودنا ذاته في هذه الحكومة ستتضرر أيضاً لأنها تعتمد على مؤيدي الإرهاب.
وشبّه عدد من الكتّاب ما يدور في “إسرائيل” بأنه “حرب أهلية” داخل معسكر اليمين، ورأوا أن هذه المرحلة تمثّل منعطفاً خطِراً في الحياة السياسية والحزبية “الإسرائيلية.”
ورأى مراقبون أن إمكانية نجاح الحكومة المرتقبة تحمل في حد ذاتها بذور بداية تفكك اليمين “الإسرائيلي” وتآكله، بعد أن هيمن على الساحة السياسية في العقدين الأخيرين.
تحذير من اغتيالات
ويوم أمس السبت، صدر إعلان استثنائي من رئيس جهاز الأمن العام (الشاباك) نداف أرغمان حذر فيه من إمكانية وقوع جريمة “اغتيال سياسي” في “إسرائيل”.
وحذر في رسالة من تصاعد التطرف الملحوظ أخيراً في الخطاب العام بخاصة على مواقع التواصل الاجتماعي، مشدداً على أن هناك أشخاصاً قد يفسرون تصريحات معينة على أنها دعوة للأذى الجسدي.
وبموازاة ذلك، قال مصدر أمني “إسرائيلي”: إن النظام يأخذ على محمل الجد تهديدات التحريض على رئيس الحكومة المحتمل زعيم حزب “يمينا” نفتالي بينيت.
وقال المصدر: إن أجهزة الأمن في “إسرائيل” تنظر وتتابع متابعة جدّية الخطاب على مواقع التواصل الاجتماعي الذي يتضمن تهديدات صريحة على حياة (نفتالي) بينيت وشركاء آخرين في حزبه وائتلاف الحكومة الجديدة.
وأشار المصدر إلى أن التحريض على بينيت يأتي في ظلّ تحريض أحزاب اليمين في “إسرائيل” عليه، بعد تحالفه مع أحزاب وسط ويسار وحزب عربي.
ولم يتحدد بعد موعد انعقاد الكنيست للتصويت بالثقة على الحكومة التي سيتناوب على رئاستها كل من يائير لبيد، ونفتالي بينيت، على أن يبدأ بينيت المهمة أولاً مدة عامين، ومن المقرر أن تؤدي الحكومة القسم في الكنيست خلال 10 أيام اعتبارًا من يوم إعلان تشكيل الحكومة.
وفي حال أدّت انشقاقات اللحظة الأخيرة إلى إجهاض التحالف، فمن المحتمل أن تضطر “إسرائيل” إلى العودة إلى صناديق الاقتراع في خامس انتخابات لها خلال عامين ونيف.