لا يفتأ الرئيس التركي رجب طيب أردوغان يزف “الأخبار السارة” لشعبه فيما يتعلق باكتشافات متتالية للغاز الطبيعي في البحر الأسود، فقد أعلن، الجمعة، عن اكتشاف جديد يُقدر بـ135 مليار متر مكعب إضافي من الغاز الطبيعي قبالة سواحل ولاية زنغولداق على البحر الأسود، مؤكدا أن أنشطة التنقيب في محيط موقع “أماسرا-1” مستمرة.
ونقدم في هذا التقرير 6 أسئلة تشرح خطوات تركيا الجارية والقادمة.
ما دلالات هذه الاكتشافات وما أهميتها لتركيا؟
مع اكتشافات تركيا المتتالية للغاز الطبيعي في البحر الأسود، تزداد آمال الأتراك بوصول بلادهم إلى مصاف “الـ10 الكبار”، وتحسين الواقع الاقتصادي عبر تقليل الاعتماد على الخارج في مجال الطاقة وتلبية الاحتياجات محليا.
وأكد خبراء أن اكتشافات الغاز في البحر الأسود ستجعل أنقرة أكثر قوة على المستوى الاقتصادي، وستمنحها مزيدا من الحرية في حركتها السياسية الخارجية.
فمع اكتشاف هذه الاحتياطات سيصبح الموقف التركي أقل تعرضا للضغوطات الروسية النابعة من سيطرتها على موارد الطاقة الأساسية لتركيا.
وأشار ياسين أقطاي، مستشار رئيس حزب العدالة والتنمية الحاكم، إلى أن الحدث، الذي تفوق أهميته هذه الحقول، هو قدرة تركيا على القيام بمثل هذه العمليات في البحر الأسود بإمكانياتها الذاتية فقط.
وقالت صحيفة “يني شفق” إن اكتشاف الغاز الطبيعي سيثمر عن متغيرات اقتصادية مهمة في مجالات مختلفة، مرجحة أن تشهد معدلات التضخم تراجعا كبيرا نتيجة انخفاض تكاليف الطاقة المستخدمة في القطاع الصناعي، وسينعكس ذلك في شكل انخفاض واضح في الأسعار، مبينة أن أسعار الفائدة ستنخفض بشكل تدريجي نظرا للإيراد السنوي، الذي سيدخل البلاد بفضل الغاز المكتشف، والمقدر بمليارات الدولارات.
هل ستسهم الاكتشافات في تحقيق هدف خفض فاتورة الطاقة وتحقيق الأمن الطاقي؟
محمد كلوب، الباحث الاقتصادي في جامعة يلدريم بيازيد بأنقرة، قال للجزيرة نت “ستغير الاكتشافات موقع تركيا تدريجيا في سوق الطاقة العالمية من مستورد بحت إلى مكتف ذاتيا في سوق الغاز الطبيعي“.
ولفت إلى أن الآثار الاقتصادية الملموسة للاكتشاف ستبدأ فعليا مع بداية الإنتاج، وستنعكس إيجابيا على الميزان التجاري التركي.
ويتوقع تقرير لوكالة “بلومبيرغ” (Bloomberg) أن تتراجع عمليات الاستيراد عبر خط ترك ستريم (خط أنابيب الغاز الطبيعي بين روسيا وتركيا) بناء على حجم الاكتشافات.
وقال الرئيس التركي، رجب طيب أردوغان، “لن نتوقف أو نرتاح حتى نكون دولة مصدرة للطاقة”. مؤكدا أن الطاقة تكتسب أهمية كبيرة في تحقيق الاستقلال الوطني، إلى جانب كونها عنصرا رئيسا في التنمية.
ولفتت صحيفة “يني شفق” إلى أن اكتشاف الغاز الطبيعي سينهي عهد تبعية استيراد الغاز؛ مما سيثمر بدوره انخفاض فواتير الغاز.
ما الخطوات الأخرى لتحقيق هذا الهدف؟
تتمثل الخطوات الأخرى لخفض فاتورة الطاقة وتحقيق الأمن الطاقي، بسعي أنقرة إلى مراجعة عقود توريد الغاز، وخفض تكلفته في ظل تتالي اكتشافاتها في البحر الأسود، ويرى الخبراء أنها تملك أوراقا أخرى تجعلها قادرة على إبرام عقود جديدة بشروط أفضل لتوريد الغاز الروسي، من أهمها انطلاق عمليات توريد الغاز من أذربيجان منذ العام الماضي، عبر “خط أنابيب الغاز عبر الأناضول”، فضلا عن التطورات التي يشهدها سوق الغاز الطبيعي المسال عالميا.
هل ستشهد تركيا اكتشافات أخرى لاحقة؟
وزير الطاقة والموارد التركي، فاتح دونماز، قال في تصريحات صحفية إنه من المتوقع أن تُكتشف في أقرب وقت آبار وحقول جديدة في منطقة حقل الغاز المكتشف، لافتا إلى أن بلاده تواصل العمل في مناطق الاكتشافات التي حصلت، وأنهم سيواصلون “أعمال التنقيب والمسح بإمكانيات محلية، كما سيُنشأ خط أنابيب لنقل الغاز“.
وأرجع خبراء في الطاقة إمكانية اكتشاف حقول غاز جديدة إلى عاملين، الأول هو إثبات الإمكانات التركية الوطنية قدرتها على البحث والتنقيب واكتشاف حقول ضخمة، وثانيهما العامل البيئي، إذ تشير الدراسات إلى خصوبة المنطقة وغناها بالموارد الطبيعية.
ويعزز العامل الثاني تصريح وزير الطاقة التركي أن ما أظهرته الاختبارات والتحاليل بخصوص جودة الغاز المكتشف، سينعكس بشكل إيجابي على تكلفة استخراجه.
وقال رئيس الاتحاد التركي لموزعي الغاز الطبيعي، يشار أرسلان، إن الاكتشاف الجديد والبالغ 135 مليار متر مربع لن يكون الأخير. مشيرا إلى أن الاحتياطي الحالي سيرتفع مع استمرار أنشطة التنقيب والحفر لسفن الأبحاث الزلزالية في المنطقة، وستشهد الأشهر المقبلة اكتشافات جديدة للموارد في البحر الأسود.
ما حجم الاحتياطات المؤكدة وأحجام الإنتاج والاستهلاك؟
بلغ إجمالي احتياطي الغاز المكتشف في المنطقة 540 مليار متر مكعب، مع الاكتشاف الجديد حسبما أعلن الرئيس أردوغان.
وكانت تركيا اكتشفت العام الماضي وجود نحو 405 مليارات متر مكعب من الغاز الطبيعي في البئر “تونا-1” القريبة من “أماسرا-1″، وهو أكبر اكتشاف غاز في البحر الأسود حتى الآن.
وتتوقع تركيا أن يكون أول تدفق للغاز من حقل سكاريا في 2023، ووفق بلومبيرغ، فإن من المتوقع أن يوفر حقل سكاريا ما يصل إلى 30% من الغاز الذي يتطلبه اقتصاد تركيا.
وتستورد أنقرة حاليا ما يقارب 50 مليار متر مكعب من الغاز الذي تستهلكه سنويا، ويتوقع المسؤولون أن يعزز الإنتاج المحلي الطلب على الغاز في البلاد بنسبة 60%، ليصل إلى 80 مليار متر مكعب سنويا بحلول عام 2030.
ومن المتوقع أيضا أن تسمح الاكتشافات لتركيا باستيراد غاز أرخص ثمنا، وخفض متوسط فاتورة الطاقة السنوية بنحو 44 مليار دولار.
وفي السياق، ذكر تقرير لمؤسسة “ريستاد إنرجي” (Rystad Energy) لأبحاث الطاقة النرويجية المستقلة أن استهلاك تركيا للغاز انخفض خلال السنوات الأخيرة؛ بسبب زيادة استثماراتها في الطاقة المتجددة. لافتا إلى أن دخول حقل “أماسرا-1” للخدمة في إنتاج الغاز سيتيح لتركيا التقدم بخطى ثابتة نحو الاكتفاء الذاتي من الغاز الطبيعي.
ما علاقة اكتشافات الغاز في البحر الأسود بقدرة تركيا على توقيع صفقات غاز ونفط أقل كلفة؟
ذكر تقرير “ريستاد إنرجي” أن توقيت الاكتشافات الجديدة لا يمكن أن يكون أفضل من هذا التوقيت؛ لأن 25% من عقود الغاز طويلة الأجل لتركيا تنتهي نهاية العام الحالي، وهو ما يتيح لأنقرة فرص الحصول على أسعار أفضل للغاز من الموردين.
وفي هذا السياق، تنتهي في نهاية العام الجاري 2021 العقود طويلة الأجل التي أبرمتها تركيا مع شركة “غازبروم” الروسية، والتي تغطي 8 مليارات متر مكعب من واردات الغاز.
وفي التاريخ نفسه، ينتهي عقد 6.6 مليارات متر مكعب من الغاز مع أذربيجان، واتفاقية الغاز الطبيعي المسال طويلة الأجل مع نيجيريا، والتي تغطي 1.3 مليار متر مكعب.
إضافة إلى ذلك، فإن مدة عقد الغاز مع الجزائر بـ4.4 مليارات متر مكعب ينتهي في 2024، كما ينتهي في 2025 عقد خط أنابيب “بلو ستريم” من روسيا بـ16 مليار متر مكعب، وعقد الغاز طويل الأجل مع إيران، الذي يغطي 9.6 مليارات متر مكعب.
—–
* المصدر: الجزيرة.نت.