بعد 4 أيام من انتهاء مناورة “حماة النيل” بين مصر والسودان، وتصاعد التهديدات الكلامية من جانب القاهرة والخرطوم لأديس أبابا لو استمرت في خطط الملء الثاني لـ”سد النهضة”، تراجعت إثيوبيا نظرياً.
ملخص ما أعلنته إثيوبيا رسمياً على لسان وزير الري أنها قد فشلت في إتمام التعلية المطلوبة للملء الثاني، وأن التعلية ستكون عند 572م بدلاً من 595 المطلوبة، وبذلك سيكون ملء هذا العام ما بين 2-4 مليار م3 فقط لا 13.5 مليار.
وزير المياه والري والطاقة الإثيوبي سيليشي بيكيلي قال: إن بلاده ستبدأ في تنفيذ الملء الثاني للسد 22 يوليو المقبل 2021م، وأنه سيتم العمل على رفع الممر الأوسط إلى ارتفاع 573 متراً بدلاً من 595 متراً.
وأضاف خلال مؤتمر بحثي، في 3 يونيو 2021م، أن بلاده في سباق مع الزمن للانتهاء من بعض الأعمال الهندسية في البوابات الـ13 قبل التخزين القادم، وأنه من المقرر الانتهاء من “سد النهضة” في العام 2023م، ويمكن تشغيل أول توربينين لتوليد الطاقة في أغسطس 2021م.
https://www.facebook.com/Arabicfana/videos/238945261330309/
وكانت صورة حديثة التقطتها الأقمار الصناعية الأسبوع الماضي كشفت عن وجود بطء شديد في تعلية الممر الأوسط لسد النهضة الإثيوبي، وهو ما يقلل من احتمالات إمكانية قيام أديس أبابا ببدء الملء الثاني وتخزين كميات المياه التي أعلنت عنها من قبل والمقدرة بنحو 13.5 مليار متر مكعب.
السؤال هو: هل إعلان إثيوبيا عدم تعلية الممر الأوسط من السد إلى 595 متراً كما كان مقرراً وفشلها في تنفيذ الملء الثاني كاملاً، أو تخزين 13.5 مليار متر مكعب بداية تراجع أم مناورة أم محاولة لتثيبت حقها في الملء في أي وقت بما يجعلها تفرض إرادتها على مصر والسودان؟
هل التراجع الإثيوبي لو صح سببه تقني أي أنها لم تنجح في إكمال التعلية للسد وبالتالي فشلت؟ أم هي مناورة وتنوي الملء بلا ضجيج بغرض خداع مصر والسودان أو تفويت فرص التهديدات ضدها؟
وهل تستهدف إثيوبيا من الإعلان عن الملء الثاني الكامل بـ 13.5 مليار متر مكعب، ثم إعلانها الاكتفاء بـ 4 مليارات واستكمالها في يوليو 2022م لترسيخ حقها في الملء بمفردها دون اتفاق؟
تحايل وخداع
د. أحمد المفتي، العضو المستقيل من اللجنة الدولية لسد النهضة الإثيوبي، قال: إن إعلان إثيوبيا لأسباب فنية تتعلق بالتعلية أنها لن تستطيع أن تنجز من الملء الثاني إلّا ما يقل عن ملياري متر مكعب، “تحايل لتؤكد أن الملء الثاني حتى وإن كان أقل من هذه الكمية؛ سيكون بإرادتها المنفردة”.
وأضاف المفتي، عبر صفحته على “فيسبوك”: «كل ما تقوم به إثيوبيا يدخل في خانة الاستدراج والحيلة، لإرساء سابقة بأن لها الحق في الملء الثاني بإرادتها المنفردة، إلّا إذا حال حائل فني دون ذلك، ويكتمل الاستدراج والحيلة، بعودة السودان ومصر إلى طاولة المفاوضات، لأن تلك العودة تقنن ذلك الجزء من الملء الثاني، ويمهد الطريق لتكمل الملء الثاني متى أرادت”.
https://www.facebook.com/permalink.php?story_fbid=4364744073607423&id=843564812392051
لذلك يري المفتي أنه يجب على مصر والسودان إعلان رفض أي قدر من الملء؛ إلّا إذا تم بعد إبرام اتفاق ملزم بين الأطراف الـ3، إلى جانب التأكيد على عدم عودتهما للمفاوضات إلّا إذا أوقفت إثيوبيا جميع أنشطتها في السد.
ويرى خبراء مياه أن هذا الموقف الإثيوبي لا يعتبر انتصاراً مصرياً سودانياً؛ لأن مجرد الملء الثاني دون اتفاق (بأي كمية) هو ضرر وفرض للإرادة على مصر والسودان.
د. عباس شراقي، أستاذ الموارد المائية بجامعة القاهرة، أفرد في منشور له على “فيسبوك”، تفاصيل الفشل في عملية التعلية مرفقاً بصور عبر الأقمار الصناعية لسد النهضة.
وكتب: عُقد مؤتمر علمي في جامعة أربا منش بإقليم الجنوب الإثيوبي، وأعلن وزير المياه والري الإثيوبي آخر تطورات سد النهضة، جارى العمل في سباق مع الزمن للانتهاء من بعض الأعمال الهندسية في البوابات الثلاث عشرة قبل التخزين المقبل، وسيتم العمل على رفع الممر الأوسط إلى ارتفاع 573 متراً بدلاً من 595 متراً، وسوف يتم الانتهاء من التخزين في يوليو المقبل.
وأضاف: التخزين الجديد يصل إلى حوالي 4 مليارات متر مكعب يمكن تخزينها خلال الثلاثة أسابيع الأولى من يوليو كما حدث العام الماضي، ويمكن تشغيل أول توربينين في أغسطس.
وتابع قائلاً: فشلت إثيوبيا في إتمام الإنشاءات الهندسية لتخزين 13.5 مليار متر مكعب، وسوف يتم تخزين 10 مليارات متر مكعب سنوياً خلال السنوات المقبلة، وما كان مخططاً ليتم هذا العام سوف يستكمل العام القادم أي رفع الممر الأوسط إلى 595 متراً، وتخزين حوالي 10 مليارات متر مكعب ليصل إجمالي التخزين العام القادم 18.5 مليار متر مكعب.
ولفت إلى أن الصور تظهر عدم زيادة المخزون الحالي من البحيرة الذي يبلغ 5 مليارات متر مكعب، وسوف تمر مياه الفيضان بعد الأسبوع الثالث من يوليو من أعلى الممر الأوسط، ويمكن للسودان تفريغ جزء الآن من سد الروصيرص الذي يحتوي على حوالي 5 مليارات متر مكعب بعد التأكد من محدودية التخزين هذا العام.
واختتم قائلاً: الفشل في التخزين الكامل لن يغير من موقف مصر والسودان الرافض بشدة لأي تخزين بدون اتفاق حتى ولو كان مليار متر مكعب واحداً.
https://www.facebook.com/abbas.sharaky/posts/10225083285688342
تخشى المواجهة العسكرية
بالمقابل، يرى د. محمد نصر علام، وزير الري المصري الأسبق، أن القرار الإثيوبي ليس مفاجئاً، وتراجع إثيوبيا عن إتمام الملء الثاني جاء لتجنب المواجهة مع مصر والسودان.
وقال: إن إثيوبيا لن تتراجع كلية عن تنفيذ السد أو تخزين الملء الثاني، لكنها تنتظر تهيئة الأجواء لذلك، وهو ما يتطلب من مصر والسودان اليقظة والانتباه ورصد ما يجري عند السد.
وهو نفس ما يراه د. خيري عمر، الخبير في شؤون الماء، الذي يرى أن عدم قدرة إثيوبيا على الملء الثاني “هو نتيجة أولية لسياقات عسكرية مصرية -سودانية واضحة تمثل خطوة أولى في مشوار تحييد السد”، في إشارة لمناورات البلدين العسكرية والتهديد شبه المباشر.
مصر تراقب
الخبير المصري عباس شراقي يؤكد أن إثيوبيا وإن كانت قد فشلت في إتمام الأعمال الهندسية لتخزين 13.5 مليار متر مكعب، إلا أنها قد تستطيع تخزين ما لا يزيد على 4 مليارات متر، ثم تخزين 10 مليارات متر مكعب سنوياً خلال السنوات القادمة.
ويقول: إن صور الأقمار الصناعية الأخيرة عند السد تكشف عدم زيادة المخزون عن 5 مليارات متر مكعب، حيث تراقب مصر والسودان ذلك.
وأن صور الأقمار الصناعية تؤكد أن الإنشاءات التي تجري لتعلية الممر الأوسط لسد النهضة ما زالت ضعيفة للغاية، وهو ما يزيد الشكوك حول إمكانية قيام الجانب الإثيوبي ببدء الملء وتأجيل الأمر للمرة الثامنة، منذ العام 2014م لمشكلات مادية وفنية وعدم تجهيز الأنفاق أو تركيب التوربينات.
وحول التصريحات الإثيوبية المتصاعدة باستعداد السلطات هناك للملء الثاني التي لا تجد ترجمة حقيقية في إنشاءات السد على أرض الواقع، يقول: إنها ربما تعود لأسباب سياسية ومحاولة من النظام الحاكم هناك استغلال الأمر وكسب شعبية تؤهله للفوز بالانتخابات المقبلة، مع تزايد الضغوط عليه من جانب المجتمع الدولي الذي بات مقتنعاً بعدالة موقفي مصر والسودان.
ويوضح د. شراقي أن إثيوبيا لن تستفيد من تخزين المياه خلف سد النهضة؛ لأنها لا يمكنها توليد الكهرباء وليس لديها أراض تستخدم المياه في زرعتها، وحال قيامها بتخزين المياه سيكون التخزين لفترات محدودة لعدم وجود أراضٍ للري، فجميع أراضيها تزرع بالمطر.
وأردف: “إثيوبيا دولة حبيسة ليس لديها بحر لترمي الفائض من المياه فيه، كما أنه لا يمكنها الاحتفاظ بالمياه مع موسم الفيضان الجديد، لا بد من تفريغ المياه.
وتابع: إثيوبيا رتبت لتخزين 18 مليار متر مكعب العام الماضي، لكنها لم تتمكن إلا من تخزين 5 مليارات فقط، ولم تستفد منها، مردفاً: آبي أحمد يقوم بخديعة كبرى للشعب الإثيوبي، ويبيع الوهم، يزعم أنه سيوصل الكهرباء لـ60 مليون إثيوبي وللأفارقة، بينما جملة الكهرباء من سد النهضة حوالي 2000 ميجاوات بالكثير يغطي 14 مليون نسمة.