توفيت، في 24 يونيو 2021، د. هند شلبي، أستاذة التفسير وعلوم القرآن بجامعة الزيتونة سابقاً، صاحبة الدراسات والمؤلفات العلمية، التي يطلق عليها البعض “زينب الغزالي التونسية”، التي تعد أول امرأة تلبس الحجاب في تونس، وأفحمت طاغية تونس الأول حبيب بورقيبة، عندما تحدث عن تحرير المرأة فردت عليه: “الإسلام هو الذي حرر المرأة، وما يسمى بتحرير المرأة هو في الحقيقة قيود جديدة تكبّل بها المرأة”.
التحصيل العلمي
حصلت هند شلبي على الإجازة في أصول الدين عام 1968م، ونالت درجة الدكتوراه من كلية أصول الدين بتونس عام 1981م، وعينت بالجامعة أستاذة لعلوم القرآن إلى أن تقاعدت.
ومن مؤلفاتها تحقيق كتاب “التصاريف: تفسير القرآن مما اشتبهت أسماؤه وتصرفت معانيه” ليحيى بن سلام، و”القراءات بأفريقية من الفتح إلى منتصف القرن الخامس الهجري”، و”التفسير العلمي للقرآن الكريم بين النظريات والتطبيق”.
رفضت مصافحة بورقيبة
برزت الأستاذة هند شلبي عام 1975م عندما ألقت محاضرة حول “مكانة المرأة في الإسلام” بحضور الرئيس التونسي المقبور حبيب بورقيبة، ومسؤولين حكوميين ودبلوماسيين أجانب.
وكانت متمسكة بارتداء الحجاب و”السفساري” (يشبه العباءة) التقليدي التونسي، ورفضت مصافحة بورقيبة إثر المحاضرة، وهي الحادثة التي حرمتها من الترقيات العلمية.
وصف الشيخ محمد الشاذلي النيفر الزي الذي اختارته هند شلبي بالزي الشلبي، وهو عبارة عن سفساري ولكنه ملفوف مشدود بكيفية تسهل معها الحركة اقتبسته من موروث اللباس التونسي.
قالوا عنها
كتب د. محمد بوزغيبة في نعي هند شلبي: “أيقونة الزيتونة في ذمة الله.. لقد كتبت منذ يومين كلمة تنويه بالشيخة د. هند شلبي، وصعقت هذا الصباح بخبر وفاتها بالكورونا، أسأل الله تعالى أن يرحمها ويسكنها فردوس جنانه، لقد غادرت هذه الدنيا الفانية لتلاقي الباري، حاملة سجلاً مليئاً بالمواقف العلمية والنضالية والأخلاقية التي ستثقل ميزانها، والويل والثبور لمن اضطهدها أو أهانها، اللهم ارحم أمتك هند بنت أحمد شلبي، وإنا لله وإنا ألبه راجعون.
وقد عاشت شلبي منذ بداية التسعينيات متفرغة للبحث العلمي وفي عزلة شخصية.
وقد نعاها المدير المسؤول بجريدة “الرأي العام” التونسية محمد الحمروني قائلاً: الدكتورة المناضلة والمرأة الفاضلة عالمة علوم القرآن.
وتابع: هند شلبي، لا أعرفك شخصياً ولكن طالما قرأنا عنك، رحمك الله وأسكنك فراديس جنانه، هند شلبي لمن لا يعرفها: اسم كان إذا ذكر أرعب الطغاة، هند شلبي ابنة جامع الزيتون المعمور، غادرت اليوم، نرجو من الله ألا يقفر عالمنا من الخيرين، فقد كانت الرحمات تتنزل علينا بأمثالك من الصالحين أو كذلك نحسبهم، ولا نزكي على الله أحداً.
دعوة لتكريمها
وكتب د. محمد طاهر الميساوي، في رثائها: د. هند شلبي تغيب عن دنيانا، قبل يومين فقط كتبت تعليقاً على تدوين للدكتور محمد بو زغيبة، الأستاذ بالجامعة الزيتونية، عن الشيخة العالمة د. هند شلبي، قلت فيه: هند شلبي تستحق أكثر من مجرد إسناد درجة الأستاذية لها، فهي عالمة تونس والزيتونة الأبرز والأقدر.
واقترح الميساوي على إدارة جامعة الزيتونة أن تعيد لها اعتبارها وتكرمها في حفل مشهود، وأن تسهم في الأجيال الجديدة من الطلبة والأساتذة بها بدعوتها من حين لآخر لإلقاء محاضرة عامة أو دروس نموذجية في مجال تخصصها.
وتابع: لا يكفي مجرد الكلام عنها في موقف عارض أو تدوين عابر، هذا طبعاً إن كنا نريد أن نكرس ونزكي في مجتمعنا قيمة العلم ومنزلة العلماء، ولنجعل ذلك سُنة للمستقبل، فيكرم كل عالم همشه طاغوت خلال عقود عديدة من تاريخ تونس.
وأردف: بذلك وبمثله تستطيع الزيتونة أن تثبت أنها فعلاً وريثة تقاليد علمية ضاربة الجذور في التاريخ، وأنها قلعة حية في مسيرة إعادة بناء تونس اجتماعياً وثقافياً وروحياً، وليست مجرد “كشك” شهادات وظيفية.
وواصل: أدعو بقوة أستاذنا د. محمد بو زغيبة شخصياً أن يتبنى هذا الاقتراح ويقدمه إلى زملائه في إدارة جامعة الزيتونة مشروعاً للنظر والتطبيق، وقد وعد بو زغيبة بتبني ما اقترحه الميساوي.
نعي الطلبة
وقد نعى هند شلبي، يرحمها الله تعالى، عدد من طلبتها، فكتبت بشرى الشارني: كنا ونحن تلميذات ثم طالبات نعاني قسوة المضايقات بسبب الحجاب قبل الآراء، نتناقل مواقف هند شلبي وكأنها القائد في المواجهة الذي يعطي تعليماته، وكنا نفتخر بمواقفها ونراها قدوة، الله يرحمها ويلحقها بالصالحين.
وقال هاني الهمامي: هند شلبي شمعة احترقت لتضيء الطريق لطلبتها، واليوم يأذن الله تعالى برحيلها لنفقدها ولا راد لقضاء الله، رحمك الله تعالى وغفر لك أستاذتي الفاضلة صاحبة العلم والخلق الرفيع وجزاك الله عنا خير الجزاء، وإنا لله وإنا إليه راجعون.
وكتب الشيخ كمال الفطناسي، وهو من طلبتها: اختارت أن تعيش في صمت وبعيدة عن الأضواء وخاصة بعد تقاعدها، ورفضت كثيراً من دعوات التكريم لها، ولكن بعد خبر وفاتها بدا المدينون لها بالفضل بعد الله تعالى طبعاً، كثر والكل يثني عليها وعلى مواقفها المبدئية والجريئة التي لم تخف فيها في الله لومة لائم.