أثارت اتفاقية “الشراكة الإستراتيجية” -لمدة 25 عاما الموقعة بين الصين وإيران- من الآمال والتوقعات في معسكرهما قدر ما جلبت المخاوف في المعسكر الآخر، إلا أن سياسة بكين بالشرق الأوسط تعاني من نقص حقيقي في الرؤية يجعلها أقرب إلى الانتهازية منها إلى انتصار الفاتحين.
بهذا الملخص، افتتحت صحيفة لوموند (Le Monde) الفرنسية مقالا للمؤرخ والخبير بشؤون الشرق الأوسط البروفسور الفرنسي جان بيير فيليو في مدونته، حيث ذهب إلى أن هذه الشراكة التي لم يعلن عن تفاصيل مضمونها لا تعدو كونها تضمن للصين استيراد مليون برميل يوميا من نفط إيران، وتساعد الأخيرة في التحايل على العقوبات الأميركية، في انتظار عودة واشنطن إلى الاتفاق النووي.
وبالتالي، يستنتج الكاتب أن هذه الاعتبارات تبدو مناورة تكتيكية أكثر من كونها رؤية إستراتيجية تفتقر إليها بكين بشدة في هذه المنطقة، بعد أن أصبحت أكبر مستورد للنفط عام 2015، بدليل أنها أقامت اتفاقيات مشابهة مع عدة دول بالمنطقة قبل اتفاقيتها مع إيران.
شراكات متناقضة
وبرأي صاحب المقال فإن الصين التي تسترشد قبل كل شيء بضرورة الحصول على نفط الشرق الأوسط، تهتم دائما بتنويع مورديها هناك، كما يظهر في جدول وارداتها لعام 2019، إذ استوردت ما قيمته 40 مليار دولار من السعودية و24 مليارا من العراق و17 مليارا من عُمان و11 مليارا من الكويت، ولم تستورد سوى ما قيمته 7 مليارات من إيران، وهو نفس المبلغ الذي استوردته من الإمارات.
وهذا يعني أن “الشراكة الإستراتيجية” بين بكين وطهران ستسمح لإيران قبل كل شيء بتعويض بعض تأخرها مقارنة بموردي بكين الآخرين.
وتكتفي بكين -كما يرى الكاتب- بجمع اتفاقات متوازية، وهي سياسة ناجحة فيما يبدو، إذ إن التعاون حتى العسكري مع إيران لم يمنع إسرائيل من فتح ميناء الحاويات الجديد في حيفا وبعض الشركات الناشئة المتطورة أمام الاستثمار الصيني، متجاهلة مخاوف الولايات المتحدة من عمليات نقل التكنولوجيا ومحاولات رئيسها جو بايدن حشد حلفائه ضد التهديد الصيني الذي يعتبره عالميا.
مشكلة الإيغور
وبإقامة مثل هذا التعاون، نجحت الصين -حسب المقال- في إسكات أي انتقادات خطيرة تأتي من الشرق الأوسط فيما يتعلق باضطهاد أقلية الإيغور المسلمة بإقليم شينجيانغ الغربي، وساد صمت مدمر حول هذا الموضوع، في نصر مهم للغاية للدبلوماسية الصينية.
ويرى الكاتب أن جائحة كورونا سمحت لبكين بإظهار تضامنها مع إيران ومصر والإمارات وإسرائيل، رغم انتقادها السياسة الأميركية بالمنطقة، ومع ذلك من المستبعد كليا أن تساهم في إعادة إعمار سوريا التي دمرتها 10 سنوات من الحرب رغم ما توفره من دعم غير مشروط لنظام الرئيس بشار الأسد.
ولئن عرضت الصين استضافة محادثات إسرائيلية فلسطينية خلال الحرب الأخيرة في غزة، فإن ذلك لا يعدو لفت النظر إلى “عرقلة” الولايات المتحدة لمجلس الأمن، إذ إن سياستها هناك تنحصر في اتخاذ موقف سلبي ضد سياسة واشنطن دون تقديم بديل جاد.
ومع ذلك، خلص المؤرخ الفرنسي إلى أن مصداقية الولايات المتحدة، في مواجهة “التهديد” الصيني، تقتضي وجود رؤية تتجاوز مجرد الحفاظ على الوضع الراهن بالشرق الأوسط.