قال الباحث الفرنسي آرثر كيسني إن العراق في حالة حرب أهلية منذ البداية تقريبا، حيث تحاول المنظمات السياسية -سواء كانت أحزابا أو أجنحة مسلحة- احتكار السلطة على أساس طائفي، وإن كانت الانتفاضة التي اندلعت في أكتوبر/تشرين الأول 2019 تظهر رفض بعض العراقيين الدخول في منطق المجتمع هذا.
وفي مقابلة مع صحيفة “لاكروا” (La Croix) الفرنسية -حول كتابه “الحرب الأهلية العراقية” الذي ينشر هذه الأيام- قال كيسني عالم السياسة والأستاذ في جامعة “باريس 1” إن حزب البعث قام في وقت مبكر من الستينيات -من خلال المراهنة على القومية العربية- بتهميش الجزء الكردي من السكان، ونُسب إلى الرئيس العراقي الراحل صدام حسين إثارة الطائفية في التسعينيات باختياره القومية العربية السنية، كما أنشأت الولايات المتحدة بعد الغزو مؤسسات تعمل بمنطق التمثيل الطائفي.
وقد نشأت هذه الديناميكية المجتمعية التي تخلق العنف والتي كرسها نظام المحاصصة الدينية والعرقية والحزبية الذي أعقب الغزو الأميركي للعراق سنة 2003، ولكنها لا تأتي من المجتمع نفسه -كما يقول الباحث المهتم بدراسة المنظمات السياسية العراقية- بل إن العراقيين مدفوعون إليها من قبل المنظمات السياسية والتدخل الأجنبي.
نضج سياسي كبير
ويقول كيسني -مستندا إلى سنوات عديدة من البحث الميداني- إن الانتفاضة التي يستمر قمعها في جنوب البلاد منذ عام 2019 تُظهر رفض بعض العراقيين الدخول في منطق المجتمع هذا، إذ تعبر شعارات المتظاهرين عن رفضهم للطبقة السياسية التي تدفعهم إلى المحاصصة التي تخدم العملاء وتسهم في تدمير الدولة.
وأكد الباحث في مقابلته أن المجتمع العراقي أظهر خلال الثورة نضجا سياسيا مذهلا، مستدلا على ذلك بمدينة بغداد التي لا تزال متعددة الطوائف، يختلط فيها السنة والشيعة في المواكب، مشيرا إلى أن المتظاهرين الشيعة في محافظة ديالى يشعرون بالحماية عندما يتبعهم السنة.
وخلص الباحث إلى أن ما جعل النظام يصمد حتى الآن هو كون المجتمع العراقي قد انهار، إذ أصبح 70% من السكان أمّيين، والكل يعلم أن الذهاب إلى المستشفى للتداوي ضره أكثر من نفعه، وبالتالي يتوقع أن تُظهر الانتخابات التشريعية -التي أُعلن عنها في أكتوبر/تشرين الأول القادم- استياء العراقيين وامتناعا واسعا عن المشاركة.