«نسكن عندما تكون هناك إرادة حقيقية لدى الحكومة؛ لأنها تمتلك كل شيء، وكل الحلول بين يديها»، بهذه الإجابة التي اختتم بها حواره مع «المجتمع»، يكون د. يوسف الجارد، الناطق الرسمي باسم حملة «متى نسكن»، قد اختصر المشكلة الإسكانية في الكويت من وجهة نظره في امتلاك الحكومة للإرادة الحقيقية؛ حيث تتوافر الحلول لديها.
وقد تطرق الحوار للعديد من القضايا التي تكتنف قضية الإسكان من حيث أسبابها والحلول المقترحة لها، والجهود المبذولة لتطبيق هذه الحلول، وفي الوقت نفسه أبرز العراقيل التي حالت دون أن تؤتي ثمارها.
حبذا، في البداية، لو تعطينا نبذة عن حملة «متى نسكن»، وظروف نشأتها.
– خرجت حملة «متى نسكن» نهاية عام 2012 وبداية عام 2013م، وكانت الأزمة الإسكانية في ذاك التاريخ تسير في نفق مظلم ومجهول؛ فقد كان عدد الطلبات يتضاعف بشكل كبير جداً؛ حيث تجاوز حاجز 100 ألف طلب، ولم تكن هناك رؤية واضحة لحل هذه الأزمة، وتلبية الطلبات الإسكانية للمواطنين التي تزداد يومياً، أضف إلى ذلك أن أصحاب هذه الطلبات لم تكن لديهم المقدرة لشراء العقارات نظراً لارتفاع الأسعار، في ظل عجز الحكومة عن توفير وحدات سكنية للمواطنين.
وبالتالي، أصبح المواطن نفسه في ورطة، وتضاعفت المشكلة بشكل كبير، حتى وصلنا إلى عام 2015م؛ حيث تم توزيع وحدات سكنية على المواطنين، وقد تفاءلنا خيراً من هذا القرار، وحمدنا الله أن مشكلة القضية الإسكانية في طريقها إلى الحل، على اعتبار أن هناك أعداداً كبيرة من الوحدات السكنية سوف يتم تسليمها للمواطنين.
خلال السنوات الست الماضية تم توزيع 28 ألف وحدة سكنية لكن ازدياد عدد الطلبات صعَّب حل المشكلة
لكن بعد مرور 5 سنوات، وصلنا إلى نتيجة أن هذه المشاريع تم توزيعها على الورق فقط، وبشكل ضعيف فاقم من الأزمة الإسكانية؛ فخلال السنوات الست الماضية، منذ بداية توزيع وحدات “المطلاع”؛ تم توزيع 28 ألف وحدة سكنية، ولكن للأسف في ظل هذا التوزيع البطيء للوحدات السكنية، مع تضاعف عدد الطلبات الإسكانية كل عام، أصبحت المشكلة موجودة ولا يوجد بصيص أمل لحلها في المستقبل القريب، خاصة أن الطلبات التي تزداد سنوياً لا يقابلها زيادة في التوزيع بنفس المقدار، وكان من المفترض أن يكون عدد الوحدات التي يتم توزيعها أكثر من أعداد الطلبات الجديدة؛ لأن هناك أكثر من 100 ألف طلب قيد الانتظار، يُضاف إليها 8 آلاف سنوياً، وبالتالي المشكلة مستمرة.
هل الأزمة الإسكانية في الكويت حقيقية أم مفتعلة؟
– ليس هناك شك أن هناك أزمة إسكانية، وإن أراد المتنفذون أو المعنيون بقضية الإسكان حل هذه المشكلة فإن حلها موجود، وبكل سهولة، على اعتبار أن عندنا عاملين أساسيين، وهما: عامل المال، وعامل الأراضي الشاسعة الموجودة لدينا.
فنحن لدينا مشكلة إسكانية حقيقية وواضحة، حتى إن مَنْ تم تسليمه أوامر بناء عددهم وصل إلى 60 ألفاً، ويعانون من بطء شديد في الإجراءات، ولو أردنا أن نختصر القضية الإسكانية في كلمتين فسنقول: إنها مشكلة وقت؛ وهي “الدورة المستندية”، والتشابك بين الوزارات، فعلى سبيل المثال؛ حتى نأخذ أمراً بالبناء في مدينة مثل “المطلاع” نحتاج 5 أعوام، أضف إلى ذلك أوامر دخول الخدمات قد تستغرق هي الأخرى من 10 – 15 عاماً!
لذا، فإن الإشكال الذي أراه أمامي فيما يخص قضية الإسكان هو إشكال الوقت، ولو أرادت الحكومة الحل فعليها أن تعمل على حل إشكاليات الدورة المستندية، وما يتخللها من ضياع للوقت، وفي إمكانها ذلك بكل سهولة.
فلو أردنا اختصار هذا الإشكال فعلينا البحث عن السبل التي تيسر لنا اختصار الوقت، ومن ضمن الحلول في مدينة “المطلاع”، على سبيل المثال، كان من الممكن تسليمها إلى أكثر من شركة لتنفيذها، حتى يتم إنجاز البنية التحتية بشكل أسرع، وأن تكون الشركات التي تقوم بعمليات التنفيذ على مستوى عال من الكفاءة والسرعة في الإنجاز.
نحن لدينا تجربة في المناطق الصغيرة، حيث تصدر أوامر البناء خلال 10 أشهر أو سنة على الأكثر، مثل مدينة غرب عبدالله مبارك، فإذا استطعنا التعامل مع الشركات القوية والسريعة في التنفيذ، فسوف يساعد ذلك في سرعة إنجاز المشروع.
كذلك، إذا استطعنا معالجة ما يحدث في الدورة المستندية من هدر للوقت، فسوف يساعد ذلك في سرعة سكن المواطن، وبالتالي التخفيف من المشكلة، ولو أصدرنا قوانين تحد من الاحتكار ومن قفزات أسعار العقارات؛ فسيساعد ذلك في التخفيف من المشكلة.
هناك انفلات في عملية تنظيم السوق العقارية ولا يمكن التنبؤ بأسعار العقارات السكنية بشكل مستقل
كيف نوفق بين الأسعار الجنونية للعقارات في ظل وجود أراض شاسعة؟ وهل لتجار العقارات دور في ارتفاع أسعار العقارات؟
– هناك بعض التجار لهم مصلحة في تفاقم هذه المشكلة، وبعضهم كان له دور في رفع هذه الأسعار على اعتبار أنه كلما تأخر حل القضية الإسكانية كانت هناك فائدة في زيادة أسعار عقاراتهم، وما نشاهده الآن من أسعار يبين لنا أن هناك انفلاتاً في عملية تنظيم السوق العقارية، ولا يوجد أحد اليوم في الكويت يستطيع التنبؤ بثبات أسعار العقارات السكنية أو ارتفاعها، أضف إلى ذلك أن المناطق السكنية ليست مناطق استثمارية؛ فالمواطن أصبح ينافس التجار في الحصول على السكن، ولا يوجد تكافؤ في المنافسة بين التجار والمواطن.
ومن المفترض ألا يدخل إلى المناطق السكنية إلا من يريد السكن لأجل السكن، ولا يدخلها من يتاجر في العقار أو يستثمر فيه؛ لأن دخول تجار العقارات أو المستثمرين فيها له نتائج وخيمة على المواطن وعلى سوق العقارات، حيث أدى إلى انخفاض عدد طلبات الشراء إلى أقل من 1%؛ ما ساهم في استفحال القضية الإسكانية.
قبل عام 2010م، كان 50% من الطلبات المقدمة على وحدة سكنية تتجه إلى سوق العقارات لشراء عقار من السوق، والنصف الثاني ينتظر “السكنية”، وبالتالي كانت المشكلة أخف مما عليه اليوم، فلو لم تتضاعف الأسعار بالشكل الجنوني الحالي، لكان من الممكن أن يتجه أصحاب 50 ألف طلب إلى شراء وحدات سكنية من سوق العقارات.
متى تشعر الحكومة بالمواطن، وتتوقف عن احتكار الأراضي، وتقوم بتسليمها لهيئة الإسكان؟ وهل لكم دور في هذه المسألة؟
– ما نلاحظه أن الحكومة ليست عندها أي مشكلة في توزيع الأراضي البعيدة عن نطاق الحضر سواء في خيران أو جنوب الصباح أو المطلاع وغيرها البعيدة عن المناطق الحضرية، بل هي تشجع على ذلك، ولا يوجد أي عائق أمامها في هذا الشأن، ولكن مجرد ما نطالب بتوزيع الأراضي القريبة من الحضر، نجد العوائق والعراقيل.
وللعلم، المناطق البعيدة يجري توزيعها الآن، ولكن تحتاج وقتاً كبيراً وأموالاً ضخمة لتوفير الخدمات المطلوبة لها، وحملة “متى نسكن” ركزت على المطالبة بتوزيع الأراضي القريبة من النطاق الحضري، مثل جنوب سعد العبدالله، وجنوب القيروان، ومنتزه أبو حليفة، وخيطان، وغيرها من المناطق القريبة، ولدينا قناعة كبيرة أنه في حال توزيع هذه المناطق القريبة فسوف يساعد ذلك في الحد من ارتفاع الأسعار، وسيكون هناك توازن نوعاً ما في سرعة توفير الخدمات؛ كونها موجودة داخل النطاق الحضري.
ما يحدث يبين أنهم لا يريدون تسليم الأراضي القريبة، ويريدون تعطيل وتأخير الحصول عليها، على اعتبار أن خروج الكثير منها سيؤدي دوراً كبيراً في أسعار العقارات.
هل هذا اتهام للحكومة بالشراكة مع تجار العقارات؟
– ما نشاهده جميعاً حالياً أن الحكومة تتفرج، ووارد أن يكون هناك شراكة؛ فهناك مشكلة واضحة، وكل دواوين الكويت تعرفها، ويوجد بالموازاة لذلك بطء شديد في حل هذه المشكلة، وهناك أراض موجودة، وأزمة في ارتفاع أسعار العقارات، وفوضى عقارية، كل الكويت تعلم بذلك.
ما الخطوات التي اتخذتموها مع المسؤولين للمساعدة في حل هذه المشكلة؟
– نحن في كل جلساتنا مع المسؤولين نوضح لهم أننا بحاجة إلى برنامج زمني لكل مشروع؛ حتى نكون على يقين وعلم متى يبدأ هذا المشروع، ومتى ينتهي، وفي الوقت نفسه الحكومة تعلم إلى أين هي متجهة، من خلال برنامج واضح محدد بتواريخه وإنجازاته، والمواطن كذلك يكون على علم أنه في السنة الفلانية سوف يستلم الأرض، وفي السنة الفلانية سوف يقوم بالبناء، وفي السنة التالية ستكون الخدمات متوافرة.
لكن الإشكال دائماً أنه حتى في حال وضع الحكومة برنامجاً زمنياً للمشروع، فإنها لا تلتزم به، وتحاول تجاهل الموضوع بسبب وجود تشابك فيما بين الوزارات؛ فوزير الإسكان يحتاج للبلدية، والبلدية تحتاج للزراعة، والزراعة تحتاج إلى الكهرباء، ودائماً ما نلاحظ أن بعض الوزراء يجد صعوبة في أخذ قرار تجاه مشروع، أو تجده متردداً في وضع برنامج زمني لأي مشروع.
كما أن هذه المشاريع تحتاج إلى عمالة، ونحن لسنا أقل من الدول المجاورة؛ حيث بنت 30 و40 وحتى 50 ألفاً، والكثير من دول مجلس التعاون الآن تجاوزت مرحلة القضية الإسكانية، مع أن أعداد سكانها ربما أضعاف سكان الكويت، ومع ذلك مضت قدماً في وضع قوانين، وفي حل هذه القضية وتوفير العمالة.
لذا، فإنه في حال توفير العمالة وحل المشكلة الإسكانية بشكل جدي ودخول شركات ذات كفاءة عالية، فسوف يتحرك بشكل كبير كل الاقتصاد الكويتي، وسيكون هناك مردود مالي كبير للدولة، وستكون هناك حركة اقتصادية.
الجميع يشعر الآن بأنه لا توجد ثقة بين الموطن والحكومة، بسبب ما يحصل من تأخير وتعطيل ومشكلات بين المقاولين والمؤسسة، مثلما حدث في المطلاع.
لذا، يجب على الحكومة أن تضع كل هذه الاعتبارات ضمن أولوياتها، وتخرج للناس بخطة إسكانية واضحة، بحيث تعلن عن أن عدد طلبات الإسكان تجاوز 100 ألف طلب، وأنها وضعت خطة لحل القضية الإسكانية خلال خطة عشرية أو خمسية، في هذه الحالة سوف يشعر الشعب الكويتي بالارتياح الكبير.
أما الآن، فنحن نشعر بأننا في طريقنا إلى المجهول، حتى إن مَنْ استلم أمر البناء يظل متوجساً، والتساؤل: متى يتم توفير الخدمات؟ ومتى أسكن في بيتي؟
نحن بحاجة إلى مشروع دولة في الأزمة الإسكانية، فهل قدمتم مشروعاً للهيئة العامة للإسكان، أو مجلس الأمة في اللجنة الإسكانية؟
– اجتمعنا مع اللجنة الإسكانية في أول اجتماع لهم بمجلس الأمة، وطرحنا عليهم مجموعة من المشكلات الموجودة، وكذلك مجموعة من الحلول التي نعتقد أنها مفيدة، من ضمنها طلبنا التركيز خلال هذه الفترة على المشاريع القريبة من النطاق العمراني؛ لأن هذا أوفر على الدولة مالياً، وأسرع في سكن المواطن، على اعتبار وجود الخدمات قريباً من سكنه، واقترحنا أن يكون هناك تركيز كبير على مشروع جنوب سعد العبدالله بوصفها أكبر مدينة توزعت في تاريخ الكويت، داخل النطاق العمراني؛ حيث وصل العدد التقديري للوحدات الموزعة فيها نحو 25 ألف وحدة سكنية.
الدولة تعاني من مشكلات مالية، والمشاريع البعيدة تفتقر إلى وجود ميزانية كافية، ومدينة صباح الأحمد شاهد على ذلك، وشاهدنا أيضاً ما حدث من تأخير في مدينة المطلاع، لذا لفتنا نظرهم إلى وجود حل منطقي، سيكون أوفر على الدولة؛ لأن الخدمات قريبة، وسيكون أسهل وأسرع في سكن المواطن، وبالتالي لن ينتظر بناء مستشفى أو جامعة أو مستوصف أو جمعية تعاونية.
إذا قمنا بتوزيع 25 ألف وحدة سكنية داخل النطاق العمراني فسيؤدي هذا دوراً كبيراً في توازن السوق العقارية
هذا الحل الذي طرحتموه سيسبب ضغطاً كبيراً، وستعاني منه المناطق السكنية الكائنة بالفعل، ألا تتفق معي في هذا؟
– المدن موجود فيها كل الخدمات، ولكن الإشكال منحصر في موضوع الوقت، وحتى يتم إنشاء كامل هذه الخدمات، لا بد للمواطن أن يسكن فيها، والآن يحتاج إلى خدمات مؤقتة، تعينه على السكن المؤقت حتى يتم تنفيذ الخدمات الكاملة في المناطق الجديدة.
على سبيل المثال؛ نحن بحاجة إلى جامعة في صباح الأحمد، وإلى معاهد وخدمات كاملة؛ لأن المنطقة بعيدة جداً عن النطاق الحضري.
فإذا قمنا بتوزيع 25 ألف وحدة سكنية داخل النطاق العمراني، فسيؤدي هذا دوراً كبيراً في توازن السوق العقارية؛ بحيث يكون العرض نوعاً ما قريباً من الطلب.
هل فشلت الحكومة في تسويق مناطقها؟
– نعم، يوجد فشل ذريع، حيث كان بإمكانها إقناع المواطنين بالاتجاه إلى المدن الحدودية، وترك المدن القريبة.
فمدينة صباح الأحمد حتى الآن ليست فيها خدمات الصرف الصحي، وبعد 10 سنوات من المعاناة، الآن فقط تم الانتهاء من الطريق الرئيس، كما أنها غرقت في الرمال؛ فالسكان وثقوا في مدينة الأحلام، ووثقوا في الحكومة، وسكنوا فيها، ولكن الحكومة أخلّت بالكثير من التزاماتها في توفير كامل الخدمات الموجودة في المخطط.
متى نسكن؟!
– نسكن عندما تكون هناك إرادة حقيقية لدى الحكومة، لأنها تمتلك كل شيء، وكل الحلول بين يديها.